الحُسين بين إحدى الحُسنَيين
زينب إبراهيم الديلمي
«فَـإنَّي لا أرى الموت إلا سعادة، والحياة مع الظالمين إلا بَرَمًا».. هكذا صوَّر الإمام الحسين -عليه السّلام- الحياة الحقيقية التي بيّنت معنى السعادة الأبديّة التي تزيده إقبالاً للبذل ما بوسعه؛ للوصول إلى نشوى المنازل الكريمة والهيام عشقاً للقاء الله تعالى يحيا في خلود الخالدين دون البقاء في حياةٍ مليئةٍ بجور الجائرين وظلم الظالمين الذين اعتلت عرش بطشهم وبغيم واستفحلت فجورهم أصقاع الدنيا.
وما وصلت به أُمَّـة جدّه الكريم -صلوات الله عليه وآله- من وضعٍ رزيٍّ استعظمت نواها بما لا يحمد عقباها، وأصبحت في دوَّامة الشر الذي لم ينفك يؤد لظاه ويتعقب إثرها كُلما جاءها موعظة ما عن خطورة التلكؤ في مواجهة الباطل.. وكان نتاج ذلك التخاذل هو السير في خط الانحراف السّقيفي واللّهث وراء الجاه الدنيويّ الذي يخلق ثائرة الحب الجمّ للسلطة والسلطنة، واتِّخاذ المُضلّ والمفسد عضيداً وركيزاً يسند اعوجاجهم!
ومن مبدأ: «لم أخرج أشراً، ولا بطراً، ولا مفسداً ولا ظالماً» تلتمس لنا أهميّة ما خرجت به أهداف الإمام الحسين – عليه السّلام – الساميّة ألا يكون الظلم رقيباً على الأُمَّــة، ولا الفساد يستعظم من شأنه ويُهيئ ساحة الاستسلام لمشيئة الأمويين، وقد أولى الإمام المظلوم اهتمامه بأن الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر هي الملجأ لترميم الأواصر المُبهمة وإن كان آفاقها مقيّدة ًبشراك البغي.
لم يكن لدى اليزيديين من خيار سوى شَحذ رماحهم الإجرامية صوب سيّد الشهداء وحصاره وحيداً وهو أمام إحدى الحُسنَيين، وكانت الحُسنى الأُخرى أقبلت له باشتياقٍ مُرهف، وبعثت له مِرسال السّلام والتهاني لسموّ روحه إلى معاريج الحق.. ومعين دمائه التي لا تنضب انتصرت مبادئها على رماح الجور.
كربلاء ليست سطوراً سرديّة تعلّق في جدران التأمل فحسب، بل هي محراباً لأداء فريضة الجهاد، ومدرسةً تُستقى من منهلها الفائض قاموس الفداء الحسيني الذي احتوى في جوفه الكثير من العبر والدروس المتواترة في كُـلّ عصر – لا سِـيَّـما – هذا العصر الذي عاشه اليمن في كربلاء مران ويعيشه في ظل العدوان الاستكباري.
وفي أول وهلةٍ من كربلائية مران توقّدت دماء حسين البدر بمنارة الإعجاز العاشورائي التي أحيت أماجد الاستشهاد في عواطف الأفواج الراكبة في سفينة المسيرة القرآنية، فكانت قُوْتِهم الكافي، وسلسبيلهم الشّافي، واختيارهم المُتفاني.. ولولاها لما كان بمقدورهم دحض أرتال العدوان المهولة، ولكانت ثورة كربلاء مُغيّبة كُـلّ الغياب في ألبابهم.
كم هو غالٍ هذا المعطاء النّفيس الذي يُروّضنا في الطمع إلى الحظي بنصر الله ورضوانه، وكم هي الملاحم الفدائية التي تؤثر على نفسها ولو كان بها خصاصة في نذر الروح؛ قرباناً للخالق جل وعلا.. بل وحتى الرؤوس التي فُصِلَت عن الجسد ورُفِعَت على الرُمح كفيلة بأن تدوس بأقدامها من سوّلت سريرتهم في رفع رؤوسهم المنكوسة، ومرغها في ترائب الذل والانبطاح.