الغباءُ المطوَّر..بقلم/ وهَّـاب علي
ما زال هناك من يستطيعون إنكارَ أن فبراير ٢٠١١ كان مفترَقاً حتمياً لطرق إدارة البلاد بآليات عقيمة، فبراير الذي حمل في طياته فتيلَ انفجار المكبوتِ السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي انهك المواطنين طوال عقود من حُكم علي عبدالله صالح ومعه التحالُف السياسي القبلي العسكري الذي انقلب على اتّفاقية الوحدة.
واليومَ تتباكى الأدواتُ على تمهيدها لمساحة القبول الشعبي التي حظي بها الأنصار ويذرفون الدمع على تداعيات كارثية اختارتها هي بنفسها حين تركت الساحةَ وقبلت بإلغاء الدستور ورضيت بهيكلة الجيش ووافقت على مسرحية الانتخابات الهزيلة بمرشح وحيد وأغلقت عينيها وتعامت إزاء المئات من عمليات الاغتيال للعسكريين والسياسيين والشخصيات الوطنية، وشاركت في جهود تفريغ البلد مِمَّا تبقى من محتواه السيادي، وحشدت الأسانيد الشرعية المتناقِضة للذود عما يتوافق مع انتهازيتها السياسية والاقتصادية وجشعها المتنامي وشَراهتها الجهوية والفئوية.
وكُلُّ ذلك بهَدفِ الحصول على أكبر قدر ممكن من المكتسبات البليدة والتافهة خلال مختلف المواقف المرحلية واقتناص إيرادات ومزايا ومراكز نفوذ جديدة، فنجدُ على سبيل المثال حميد الأحمر يقول تارةً نيابةً عن حزبه: إن صعدة في أيدٍ أمينة. وتارة يستنكر ما قاله هادي عن عودة عمران إلى حُضن الوطن، ثم كيف تتباكى تلك الأدوات اليوم -وهي التي انقلبت على اتّفاق السلم والشراكة- على مصداقية ومبادئَ وثوابتَ وأسسٍ هامة للحكم، وانقلبت على المؤدَّى الحقيقي للثورة الشعبيّة وحتى على مرتكزات المعارضة السياسية الوطنية النزيهة، وَأمعنت في دهس الدستور والقانون، وأذعنت للسفير الأمريكي، وبالغت في الانحناء لمتطلبات إدارته البيضاوية، ولم تنفك عن قولها سَمْعاً وطاعة لسفراء “العشر” بعدَما أطلقت النارَ على رفاق الاعتصامات؛ لإجبارهم على إخلاء الساحات في نفس يوم تدشين الحوار الوطني ١٨ مارس ٢٠١٢م، إلى آخر الموبقات التاريخية التي ارتكبتها عن طيب خاطر.
الخلاصة: عانت اليمنُ كَثيراً في ظل تنازُعِ أقطاب الحكم أَو ما يمكن تسميته بمعركة الرقص العبثي على رؤوس الثعابين الحليفة، وهذه التسمية -كما يعرفُ الجميع- تستندُ إلى الوصف الذي أطلقه صالح نفسُه على الصراع الحقير الذي دفع المواطنُ ثمنَه من قوته وأنفاسه ودمه يومَ انسحق تحتَ وطأته في أتون الوضع الأسوأ والحالة اللعينة التي ازداد احتدامُها خلال ٢٠١١م وما سبقها من إرهاصاتٍ كارثيةٍ أهلكت البلادَ والعبادَ منذ مطلع الألفية الثالثة، وُصُـولاً إلى نتائج القرارات الغبية التي اتخذتها أطرافُ المعترك السياسي بمعزلٍ عن مصلحة الشعب والبلد.
وأخيراً ما دام الآخرُ من أدوات الخارج لا يقبَلُ بالآخر ولا يؤمنُ بالشراكة ولا يستطيعُ قراءةَ المشهد السياسي بمختلفِ تجلياتِه، مستسلماً لعُقدةِ الاضطهاد الوهمية وَللوسواس القَهْرية الخيالية، فابشروا بما يُنهِي صلفَه وغطرستَه عن كُلِّ اليمن.