في ذكرى شهيد القرآن الكريم.. وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ (4)..بقلم/ علي عبد الرحمن الموشكي
تحَرّك السيد حسين -رضوان الله عليه- وهو يعلم أنها طريق الشهادة وهو يعلم علم اليقين بأنه سيواجه من أكثر الناس إجراماً وظلماً وطغياناً؛ لأَنَّه يريد أن يخرج الأُمَّــة من الظلمات إلى النور إلى خط الهداية، ينطبق عليه قول رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله-: (يا علي ستخضب هذه من هذا) ماذا كان رده عليه السلام، قال: (أفي سلامة من ديني يا رسول الله) قال الرسول -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ-: (بلى)، قال عليه السلام: (لا أبالي أوقعت على الموت أَو وقع الموت عليّ).
يقول السيد القائد -يحفظه الله- حول جريمة استهداف الشهيد القائد: (قتل الآمرين بالقسط من الناس جريمة ساواها القرآن بقتل الأنبياء.. جريمة فضيعة جِـدًّا، جريمة بحق الأُمَّــة، بحق الإنسانية، بحق الإسلام، بحق القرآن، ظنوا أن هذا المشروع سينتهي، وأن أمره خلاص قد زال وابتهجوا وفرحوا، وظنوا أنهم سيحضون بذلك قرباناً ومكانةً عند إلهتهم أمريكا، فماذا كان عليه الواقع؟ لقد خيب الله آمالهم، وتضحيات ذلك الرجل العظيم ومن معه من الشهداء العظماء والثابتين جعل الله منها وقوداً لهذه الأُمَّــة وحقّق الله لها النتائج؛ لأَنَّ هذه الدعوة دعوة القرآن، هذا النهج هو نهج الله، هو نور الله الذي قال عنه: {وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ} (التوبة: ٣٢)، مهما حاولوا أن يطفئوه فلن يستطيعوا).
فهو بحق شهيد المبادئ الحق والقضية العادلة فاستهدافه كان استهدافاً لمبادئ الحق التي آمن بها وحملها وبلغها وناصرها وتحَرّك على أَسَاسها، وهو شهيد القضية العادلة، التي هي متمثلة في استنهاض الأُمَّــة لتقف في وجه الطاغوت والطغيان الذي يستهدفها في دينها وأرضها ومقدساتها ووجودها الحضاري، وهو شهيد المشروع القرآني المقدس، هو بحق شهيد القرآن، القرآن في مقام العمل، القرآن في مقام الاتباع، القرآن في مقام الموقف الذي يرشد إليه ويدل عليه ويوجه إليه.
فهو بحق شهيد الأُمَّــة؛ لأَنَّه حمل الهم والمسؤولية تجاه الأُمَّــة وهي تستهدف في كُـلّ شيء، وهي تستضام وتقهر وتستذل وتضطهد وتعاني من هجمة أعدائها وفي طليعتهم أمريكا وإسرائيل ومن معها في حلفها.
شهيد الأُمَّــة وهو الذي حمل همّ الأُمَّــة وتبنى نصرة قضايا الأُمَّــة الكبرى في المرحلة التي كان السائد فيها هو التخاذل والتراجع والصمت والاستسلام والروح الانهزامية، فكان أن تحَرّك وهو يحمل الهم ويناصر القضية بأعلى صوت وفي الواقع العملي، وهو شهيد كلمة الحق في وجه السلطان الجائر والطغيان العالمي المستكبر، فلم يصمت حين صمت الكثير وسكت الكثير، ولم ينهزم حين انهزم الكثير، على العكس، تحَرّك بكل إباء ومن واقع الشعور بالمسؤولية في المرحلة ذاتها التي حاول أُولئك فيها فرض حالة الصمت وتكميم الأفواه وإجبار الناس على الخنوع والاستسلام، فكان أن صرخ صرخة الحق صرخة الإباء في وجه المستكبرين، وبهتاف الحرية الذي نادى به وأعلى به صوته وقدمه كموقف مهم، هتاف الحرية المتمثل بالشعار المعروف (الله أكبر -الموت لأمريكا -الموت لإسرائيل -اللعنة على اليهود -النصر للإسلام) هذا الهتاف الذي رفعه عاليًا ونادى به ليكون موقفاً حكيماً صحيحاً محتاجاً إليه ومطلوباً في ظرف حالة الصمت، ونجح، نجح في ذلك نجاحاً كَبيراً.
نستذكر في الذكرى المؤلمة مظلومية كبيرة، أُمَّـة ومظلومية الشهيد القائد، التي كانت مظلومية أُمَّـة ومظلومية قضية.
جريمة كبيرة ارتكبها الطغاة الظالمون بحق رجل عظيم دون أي ذنب وبدون حق، ذنبه الوحيد هو أن دعا إلى القرآن وتحَرّك على أَسَاس القرآن ونهج نهج القرآن وتحَرّك يستنهض الأُمَّــة في إطار الموقف الحق والقضية العادلة، أمر بالقسط وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر الأكبر المتمثل بالطغيان الأمريكي والإسرائيلي وما في إطاره من قوى الشر والظلام والطغيان.
الجريمة المتمثلة بقتل رجل مؤمن عظيم يتحَرّك على أَسَاس القرآن، يعمل على استنهاض الأُمَّــة بالقرآن، يعمل على إعادة الأُمَّــة إلى منهج القرآن، يأمر بالقسط، هي جريمة فضيعة جِـدًّا، والله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم جعل جريمة قتل الآمرين بالقسط بعد مرتبة قتل الأنبياء؛ لأَنَّ الآمرين بالقسط من حملته والداعين له وأنصاره، هم سائرون في نهج الأنبياء، وهم ورثة الأنبياء وهم الذين يخطون في خطى الأنبياء، فكانت جريمة كبيرة لا تطالهم ولا تقتصر عليهم فحسب، بل هي أَيْـضاً جريمة بحق الناس، ولذلك كانت فعلاً عملية الاستهداف له جريمة العدوان عليه مثل مأساة لشعب ونكبة لوطن وخسارة للأُمَّـة بكلها.
نستذكر أَيْـضاً في هذه الذكرى عدالة القضية التي تحَرّك فيها ومن أجلها، هذا الرجل العظيم الذي حاولوا أن يقضوا عليه ويقضوا على مشروعه بكل وسيلة ممكنة وتحَرّكوا ضده عسكريًّا وإعلامياً وفكرياً وبكل الوسائل والإمْكَانات، ما الذي عمل؟ وما الذي أراد؟ وما الذي فعل؟
لقد تحَرّك في قضية عادلة سليمة صحيحة، هو تحَرّك ليستنهض الأُمَّــة، التي هي أمته، هو فرد منها، يشعر بالمسؤولية تجاهها، هو من واقعه كرجل مسلم عظيم مستنير بالقرآن مهتد بكتاب الله، كرجل مؤمن يحمل الشعور الإيماني يستشعر المسؤولية الدينية تجاه الأُمَّــة التي هي أمته أُمَّـة الإسلام، أُمَّـة مستهدفة من أعدائها، أُمَّـة مقهورة مظلومة مضطهدة، تواجه من أعدائها في كُـلّ شيء، يستهدفها أعدائها، استهدافاً شاملاً بدءاً من دينها وانتهاءً بدنياها.
الحرب الأولى مرحلة جديدة من الحرب المتتالية البشعة الإجرامية، لقد كانت وحشية العدوان والجريمة الكبيرة بالعدوان في الحرب الأولى، والذي به تأسست مرحلة جديدة أسسها الطغاة والظالمون، مرحلة جديدة من الحروب المتتالية على مدى ست جولات شاملة وعلى مدى حروب كثيرة، أكثر من عشرين حرباً فرعية تلك الحروب والاعتداءات الظالمة بكل ما كان فيها من مظلومية فضيعة من عدوان شامل من استهداف لكل شيء.
جريمة ووحشية استهداف هذا الرجل العظيم الشهيد القائد -رضوان الله عليه- وقتله بطريقة بشعة لا إنسانية.. جريمة تزيد الجرم جرماً والإساءة إساءة والعدوان بشاعة.
لقد كان استهداف الشهيد القائد -رضوانُ الله عليه- استهدافاً للقضية التي تحَرّك؛ مِن أجلِها، فعندما استهدف، استهدف في القضية نفسها التي تحَرّك؛ مِن أجلِها، وما نقموا عليه وما ساءهم منه وما استهدفوه لأجله هو هذا المشروع؛ لأَنَّهم أرادوا أن يسود في واقع الأُمَّــة بكلها الصمت والاستسلام والعجز، فلم يكونوا أبداً يريدون أن يسمحوا بأن يعلو صوت أَو أن يرتفع صوت يناهض ما يريدون.
فالاستهداف هو استهداف للمشروع العظيم الذي تحَرّك به.
لماذا الإصرار على تصفيته؟
أكّـد الشهيد القائد السيد حسين -رضوانُ الله عليه- في مقابلاته الصحفية بأن الحملة العسكرية التي سعوا من خلالها لتصفيته ليست؛ مِن أجل قضية شخصية بقدر ما هي محاولة إسكات الصوت المناهض لأمريكا يقول في رده على سؤال المذيعة قناة BBC (إن القضية ليست قضية شخص يا أختي، افهمي هذا؛ لأَنَّهم هاجموا محافظة، منطقة خولان وبالذات مران وولد عياش وولد نوار منطقة همدان منطقة سحار منطقة ضحيان في جماعة؛ لأَنَّ المقصود هو إسكات هذا الصوت المناهض لأمريكا وإسرائيل وكل من يهتفون بالشعار ضد أمريكا وإسرائيل ليس المقصود شخصاً معيناً).
ثم يوضح أن الحملة العسكرية ليست هي الأولى وإنما هي تتويج لما قبلها (هذه الحملة العسكرية تتويج فقط لحرب استمرت نحو سنتين بدأت بالسجون، سجون صنعاء، وصعدة وحجّـة وعمران أكثر من ثمانمائة شخص سجنوا، أخذوا من المساجد بدون تهمة يعني ما بش أي تهمة سوى أنهم يهتفون بالشعار، الجامع الكبير بصنعاء كانوا يمسكوهم ويكمموا أفواههم عندما يهتفون بهذا الشعار ويقودهم إلى سجون الأمن).
إذاً فجريمته الوحيدة أنه رفع شعار الصرخة لمناهضة الجرائم الأمريكية والإسرائيلية بحق العرب والمسلمين ورفض التوجّـه الأمريكي والإسرائيلي بحق العرب والمسلمين ورفض التوجّـه الأمريكي لاحتلال اليمن (نحن انطلقنا على أَسَاس مسؤولية دينية على أَسَاس القرآن الكريم وخوفاً من الله، ولعلمنا بأن هذه الأنظمة لم تشكل أية وسيلة دفاع لشعوبها في مواجهة عدوان أمريكا وإسرائيل).
وهذا ما أزعج الأمريكيين لمعرفتهم بخطورة تحَرّك السيد حسين على مخطّطاتهم؛ لأَنَّه تحَرّك ديني على أَسَاس القرآن الكريم وهو ما تخشاه أمريكا وسبق أن صرح قادتها بأنهم لا يريدون أن يتحول العداء العربي إلى عداء ديني لذلك كانت التوجيهات بضرورة التخلص من السيد حسين ظناً منهم أنهم بقتل السيد حسين سيدفنون مع جسده الطاهر مشروعه القرآني الذي سبق وأن غرسه في أعماق الأحرار وأثبت جدارته على الصمود والبقاء ومن ثم عمد في الأخير بأن سقاه بدمه الطاهر ليخلده في هذه الأرض حياً إلى يوم القيامة.. فسلام الله عليك يا سيدي يوم ولدت ويوم أطلقت صرختك المدوية ويوم استشهدت فقد انتصرت، انتصارين.. انتصاراً لمشروعك العظيم الذي أسسته، وانتصاراً شخصيًّا بأن حقّقت أعظم أمنية وهي الشهادة في سبيل الله.
أعلام الهدى الذين خذلهم الأُمَّــة على مدى التاريخ، بدءًا بالإمام علي -عليه السلام-، والإمام الحسين بن علي -عليهما السلام-، والإمام الحسن -عليه السلام- وَالإمام زيد بن علي بن الحسين -عليه السلام- والشهيد القائد -رضوانُ الله عليه- وغيرهم من أعلام آل البيت -عليهم السلام-، نتيجة لتفريط وتقصير وعمى بصيرة وتمسك بالثقافات دخيلة على الأُمَّــة وعلى القرآن الكريم، وبعيدة عن مسار الهداية خذلهم الأُمَّــة على مدى التاريخ نتيجة لتلك الأسباب ولم يكتفوا بهذا فحسب بل قتلوهم نتيجة البعد عن الله ومنهجية الله، ويدلل هذا على مدى خطورة أعداء الله في حجب الناس عن خط الهداية الذي أرادَه الله لهم. ما الذي جنته الأُمَّــة على مدى التاريخ نتيجة قتلهم لعترة رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- من أعلام آل البيت -عليهم السلام-، مَا الذي حصلوا عليه لم يحصلوا إلَّا على الخسران وعلى الذل والهوان والعمى والضلال والانحلال الأخلاقي نتيجة البعد عن الله، وعن عترة رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله-، هل اجتمعت الأُمَّــة بعد تفريطهم بالإمام علي -عليه السلام-، لم تجتمع لهم كلمه وانحلال فكري وثقافي وديني وفسوق وضياع منذ ذلك التاريخ إلى اليوم، الشاهد على الفسوق الفكري والثقافي هو تفجير الشخص لنفسه في وسط المؤمنين وعامة الناس مدارسهم وثقافتهم تعمل على بناء هذه الأشكال وهذا نتيجة للثقافات الدخيلة على الأُمَّــة.
نقول لهم أنتم خاسرون في الدنيا وفي الآخرة، ألَا ترون أنكم تتحملون ذنوب قتلة الأنبياء والصالحين من عباد الله، أين أنتم اليوم ومن تتولون، أنتم في أحضان الأمريكي والإسرائيلي، وأنتم تتولون اليهود والنصارى، نقول لكم حرصاً على هدايتكم ارجعوا إلى منهج الله وأعلام آل البيت -عليهم السلام- سفينة النجاة، تسلم لكم الدنيا والآخرة، يسلم لكم شرفكم، يسلم لكم أخلاقكم، يسلم لكم دينكم، تسلم لكم كرامتكم.
ونقول للعالم عهداً منا بالولاء والوفاء لله ولرسوله وللإمام علي -عليه السلام- وَلسيدي القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي -يحفظه الله-، وبأننا سائرون على نهجك وطريقك يا سيدي حسين طريق الهداية طريق النور طريق الأنبياء والأولياء والصالحين ما دمنا أحياء ونسأل الله أن يختم لنا بالشهادة في سبيل الله.