عروسُ البحر الأحمر تكتسي الثوب من جديد..بقلم/ أيوب أحمد هادي
سميت عروس البحر الأحمر؛ فكانت هي العروس التي زفت بفستان الهم والمعاناة فأنجبت أبناء لا يزالون يواجهون أحلك الظروف المعيشية طيلة العقود الماضية فعاشت محافظة الحديدة مع أبنائها مكلمة بجراح المعاناة ولا تكاد تسمع من أبنائها سوى العويل والصراخ ولسان حالهم يقول: أين نحن من هذه الحكومة التي جعلت أبناء الحديدة أهونَ الناظرين والمتطلعين إلى حياة أفضل؟!
حتى اعتلى عرش القيادة أناس ولدوا من رحمة المعاناة فأحسوا بمعاناة أبناء الحديدة وها هم أبناء الحديدة اليوم يرون نور الحياة التي لطالما كانت حلماً يراود أذهانهم منذ عقود من الزمن.
الناظر إلى تلك العروس اليوم يراها تكتسي من جديد لتتهيأ لزفافٍ جديدٍ ربما ينسيها وينسي أبنائها تلك الأيّام التي لم يروا فيها سوى البؤس والحرمان لأبسط الحقوق التي كان أبناء الحديدة يرونها ولا يستطيعون لمسها أَو الحصول على بعضها.
أكبر مشكلة عانت منها الحديدة هي انقطاع الكهرباء لسنوات دونما حلول حقيقية فاعلة، فمن أسبابها كان الإهمال في كافة المجالات على مدى الحكومات والعقود السابقة، فكانت هي الكارثة الأسوأ التي عاشها سكان الحديدة، ومن المؤكّـد أن تراكماتِ الأخطاء والفساد الإداري الذي نهشَ مؤسّسات الدولة كان أعظم سبب لأزمة الكهرباء في وجوهها المتعددة، وحال دون تأسيسِ بنية خدمات قوية وقادرة على التخفيف عن المواطنين في مثل هكذا ظروف.
فرحة لم تفرحها منذ سنوات طويله كانت لحظة وصول التيار الكهربائي إلى عدد من مديرياتها لينقذ أبناءها من لذعات الصيف اللافحة وظلمات الليل الدامسة، فقد استبشر العديد من سكان تلك المناطق بوصول التيار الكهربائي إلى منازلهم وَيكاد الكثير منهم غير مصدق أن النور عاد إلى منازلهم بعد طول الغياب، وأن نسمات الصيف الباردة عادت لتطرد النسمات اللافحة بعد أن أصبحت ظلال المباني والأشجار ملجأهم الوحيد الذي يقيهم من حر الصيف الذي زلزل مضاجعهم فكان البقاء فيها يعني البقاء في لهيب الحر ففي نهارهم حر شديد وفي ليلهم ظلام مخيف.. يكاد المشهد يبدوا وكأنه كارثة حلت بمدينة الحديدة وأبنائها!
فقط تلك هي المرحلة الأولى من تنفيذ مشروع الكهرباء البالغة في تكلفتها 420 مليون ريال لتغطي حاجة 7325 أسرة فقيرة بإشراف مباشر من فخامة الأخ الرئيس مهدي محمد المشاط.
فلم يكن المشروع مُجَـرّد كهرباء أنارت تلك البيوت المستضعفة بقدر ما ربطت قلوبَ ساكنيها بالفرحة، وأذهبت عنهم غمَّ الحر الشديد، ومعاناته الموسمية، ولعل ما ميّز المشروعَ وأكسبه القبولَ الواسع والترحيب من قبل تلك الأسر هو الخدمةُ المجانية.
رحمة هذا المشروع شملت تركيب منظومات الطاقة الشمسية لعدد 66 مدرسة في عموم المحافظة ليستفيد من ما يقارب خمسين ألف طالب وطالبة بتكلفة إجمالية تتجاوز 420 مليون ريال فإلى جانب هذا المشروع هناك العديد من المشاريع التي تسعى القيادة من خلالها لتخفيف المعاناة عن سكان محافظة الحديدة، يأتي التوجيه بالبدء في وضع حلول استراتيجية كبرى للمشكلة تقفز على عوائق الحصار والعدوان وتضع حدّاً للأزمة بموازاة تحديث وتطوير شبكة الكهرباء لمدينة الحديدة بكافة مديرياتها الشمالية والجنوبية.
وقريباً ستطلق محافظة الحديدة مشروع الطاقة الشمسية الذي يجري العمل عليه عبر مزارع لمنظومات الطاقة الشمسية، وإحداها مزرعة عملاقة يجري العمل عليها في بيئة مناسبة داخل إحدى المديريات الشمالية، ومن المتوقع أن تغطّيَ المزرعةُ كاملَ مديريات الحديدة مع سلسلة أفكار هندسية قابلة للتطوير وتوسعة المشروع واستنساخه.
كما شهدت محافظة الحديدة في أواخر العام الماضي افتتاح أكبر مركز لتخفيف المعاناة عن مرضى الفشل الكلوي الذي افتتحه فخامة المشير مهدي المشاط، وهو مركز الشهيد الصماد للغسيل الكلوي الذي يعمل بكادر يمني متكامل، ويجري العمل فيه على ثلاث فترات، ليكون هذا المركز هو الأكبر تميزاً عن غيره من المراكز، فالسلطات المحلية بقيادة محافظ الحديدة تسعى إلى ضم العديد من المميزات لهذا المركز لتحويله إلى مركز تجرى فيه العديد من العمليات لتفتيت الحصى وزراعة الكلى، عبر تزوّيده بمختبرات متطورة ومحطة تحلية مياه وإنتاج الماء المقطَّر وأجهزة حديثة، ولعل السمة الأبرز في هذا المركز الإنساني أنه يقدم خدماته مجاناً في ظل دولة للشعب لا شعب للدولة ولعل هذا هو حلم الأمس لتحقيق الدولة اليمنية الحديثة.