التقارُبُ السعوديّ الإيراني.. بقلم/ عبدالرحمن مراد
حدث في سوالف الأيّام أن وقع النظام السعوديّ اتّفاقاً مع نظيره الإيراني، قضى بعودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين وبوساطة صينية، وبادر متحدث البيت الأبيض بالترحيب بعودة العلاقات بين السعوديّة وَإيران، داعياً في السياق نفسه أن يترك الاتّفاق ظلالاً على الصراع في اليمن، ويقضي إلى إنهاء الحرب في اليمن حَــدّ وصف المتحدث وفق التداولات الإعلامية.
فكرة التقارب السعوديّ الإيراني فكرة تخدم الاستقرار في المنطقة هذ أمر لا شك فيه، لكن فكرة الترحيب الأمريكي وتمنياته بوقف الحرب في اليمن تحمل في طياتها مكراً سياسيًّا واضح الأبعاد والمعالم، فأمريكا على غير وفاق مع الصين، وهي تخوض حرباً باردة مع الصين ومع روسيا في التنافس على مراكز النفوذ في العالم، فهي تتشبث بواحدية النظام العالمي ومركزيته، في حين تعمل الصين مع روسيا على تعدد الأقطاب والتخفيف من القبضة الحديدية في ثنائية الهيمنة والخضوع للأنظمة التي تدير الدول في العالم، ويبدو لي أن أمريكا سمحت للصين أن تقود فكرة عودة العلاقات بين السعوديّة وإيران طمعاً في خفض التصعيد في المنطقة العربية، وحتى تتفرغ هي لإدارة صراعها مع روسيا في أوكرانيا.
لا أظن أن عودة العلاقات بين السعوديّة وإيران ستحمل تباشيراً كبرى وتوافقاً، بل ستكون تكتيكاً استراتيجياً مرحلياً لن يطول أمده، فأمريكا ترى في التوتر بين البلدين -إيران والسعوديّة- توازناً لها في إدارة المنطقة، ولذلك فالاتّفاق يمثل جسر عبور إلى المستقبل المنظور حتى تنقشع غيوم البحر الأسود، وما تسفر عنه المقدِّماتُ التي تعتمل اليوم هناك، فالأثر الاقتصادي المترتب على النتائج شديد الوطأة على دول الاتّحاد الأُورُوبي وعلى أمريكا نفسها، وتأتي أولوية ما يحدث في أوكرانيا للأهميّة الكبرى وهي أهميّة سياسية واقتصادية وَأَيْـضاً عسكرية؛ فتوازن القوة يفرض شروطه، ويحدّد المسارات في لغة التوازن السياسي اليوم.
ولعل الصين لم تكن غافلة عن المكر الأمريكي، ولكنها رأت في فكرة عودة العلاقة والاشتغال عليها أمراً مهماً قد يحقّق لها وجوداً وتأثيراً، الأمر الذي يمهد الطريق أمامها في المنطقة؛ لكي تتواجد بشكلٍ أكبر من ذي قبل، وقد يعمل على تذليل الكثير من الصعاب في مشروع الصين الكبير، وهو طريق الحرير الذي تعمل عليه منذ سنين طوالٍ، وقد بدأته بالفعل وهي اليوم قادمة بقوة غير مسبوقة، والتوترات التي تحدث في العالم تخدم مشروع الصين الاستراتيجي، وبما يعزز من حضورها السياسي وأثرها الاقتصادي في السوق العالمية، وخَاصَّةً في التحكم بمسارات وأبعاد الاقتصاد المعرفي الذي تتحكم به أمريكا، والصين تعمل في مفاصله العامة وتخوض حرباً كبرى مع أمريكا، ومؤخّراً هناك معركة حول تطبيق “التيك تك” الذي أصبح يشكل منافساً قوياً وقاهراً للتطبيقات التي تديرها واشنطن.
نأتي إلى أثر الاتّفاق على مسار القضية اليمنية، البيت الأبيض تمنى أن ينعكس الاتّفاق على الصراع في اليمن؛ كون اليمن ورقة من أوراقٍ عدة تستخدم في إدارة الصراع بين الشرق والغرب، وفي حركة التوازن للنظام العالمي القديم /الجديد الذي يتشكل اليوم، فأمريكا تريد خفض التوتر في اليمن، ولكنها تحرص على بقاء اليمن على صفيحٍ مشتعل، وهي بالضرورة ضد أية حركة تحرّر؛ لذلك لن تفاوض حركة التحرّر بصنعاء إلا بالقدر الذي يطيل أمد الصراع ولا يقرب وجهات النظر، فالتلاعب بالملف الإنساني في اليمن والتجاذبات حول المرتبات لا يعني إلا أن أمريكا تريد يمناً هزيلاً مضطرباً قلقاً وغير آمن، فالبيئة المضطربة والقلقة توفر مناخاً لها حتى تدير مصالحها، وأمامنا العراق كنموذج كيف حاولت أن تبقيه في مناطق التوتر والقلق ولم تمكّنه من الاستقرار، هذا دأب أمريكا، وتلك هي سياستها على مدى عقود من الزمن ومنذ تفردت بقيادة العالم.
كما أن اليمن سيوفر في قابل الأيّام غطاءً قانونيًّا وحقوقيًّا سوف تعمل أمريكا على استخدامه في الضغط على جموح ابن سلمان في التنقل بين الشرق والغرب، فجرائم الحرب في اليمن التي يرتكبها ابن سلمان ستكون من الصهوات التي سوف تمتطيها أمريكا للوصول لغاياتها وتحقيق مآربها، فكل الذي تنازل به ابن سلمان طوال سنوات العدوان على اليمن من قيم وثوابت لصالح الصهيونية وأمريكا سيعود وبالاً عليه في المستقبل القريب وبقيادة الصهيونية وأمريكا نفسهما؛ فهما لا يرقبان في مؤمن إلًّا ولا ذِمة.
وفي مجمل الأحوال: نحن أمام واقع جديد ومرحلة أجد، ومن الحكمة التعامل مع الواقع والمرحلة وفق اشتراطات المصالح المرسلة لليمن، فالسياسة اقتناص فرص وصناعة فرص، وفي عالم السياسة إذَا فاتت الفرص تكون عودتها من المستحيلات، ونحن أمام تحديات ونخوض معركة وجود مع هذا العالم المتغطرس؛ ولذلك من الضرورة أن تحضر السياسة وأن نصنع واقعنا الذي نريد.