الوجودُ الأمريكي في المنطقة.. خارطةُ الانتشار وعددُ القواعد العسكرية وحجمُ القوة وذرائعُ التواجد والاحتلال
المسيرة – العميد أمين حطيط *
أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بدايةً أشكُرُ للمعنيين بتنظيم هذه الندوة الإعلامية جهدَهم، ويسعدني أن أشارك فيها بهذه الإطالة التي أعرض فيها في دقائقَ معدودة بالوجود الأمريكي في اليمن والمنطقة، ومخاطر هذا الوجود، وكيفية مواجهته، وطبيعته، خَاصَّةً أنه وجود ذو طبيعة عدوانية احتلالية.
أبدأ بالقول إنه وللأسف تكاد لا تخلو دولة عربية من وجود أَو انتشار عسكري أمريكي فيها، قلة هي الدول العربية التي لا تشهد مثل ذلك، مثل: الجزائر وموريتانيا، أما معظم الدول الأُخرى فينتشر فيها الأمريكيون؛ بناءً لاتّفاقات صريحة أَو مضاربة مع الدولة أَو بوضع اليد أَو فرض الأمر الواقع عبر تطوير الوجود الشرعي إلى وجود غير شرعي، تتراوح أهداف هذا الوجود بين الرمزي الاستشاري والعملي القتالي مُرورًا باللوجستي والتدريبي وما إليه.
وقد بلغ مجموع القوات الأمريكية في المنطقة اليوم وفي قواعد معلنة، هذا غير الوجود السري ما يقارب 45 ألف عسكري منتشرين في 54 قاعدة أَسَاسية، طبعاً هناك قواعد ثانوية قد يصل عددها إلى 80 قاعدة في المنطقة.
هذه القواعد متفاوتة الحجم بين الصغيرة التي تضيق على 150 عسكريًّا، والكبيرة التي يتجاوز من يصولها 5 آلاف إلى 8 آلاف عسكري يضاف إليها الأساطيل البحرية الدائمة، أَو القطع البحرية ذات الحركة الدورية في البحر المتوسط كما هو حال الأسطول السادس، أَو الخليج كما هو حال الأسطول الخامس، وما بينهما البحر الأحمر الذي يعتبر شرياناً رئيسياً للبحرية العسكرية الأمريكية.
أما الانتشار في تجزئته المعلن منه، وهذه الأرقام التي سأذكرها هي المعلنة؛ لأَنَّ أمريكا تعلن شيئاً وتخفي شيئاً آخر.
في العراق يوجد 2.500 عسكري، في الكويت 15 ألفًا، في الإمارات 2.500، في قطر 12 ألفًا، وفي عُمان ألفًا عسكري.
وفي الأردن 5 آلاف، وفي الأردن ولبنان والعراق يطور الأمريكيون فيها السفارة؛ لتصبح قلعةً عسكريةً تتجاوزُ في دورها ومهامها السفارات العادية، ثلاثَ سفارات كبرى ستكون في المنطقة، أَو بدأت تكونُ في المنطقة، لبنان معسكرُ السفارة يسمونه، وفي العراق معسكر السفارة، وفي الأردن أَيْـضاً معسكر السفارة.
في سوريا 900 عنصر معلن، وفي لبنان 200، إضافة إلى هذا الانتشار طبعاً في اليمن لم أذكر الانتشار؛ لأَنَّه متحَرّك.
إضافة إلى هذا الانتشار الدائم فَـإنَّ أمريكا تلجأ في المهام الاستثنائية الكبرى إلى نشر قوات قتالية قد تصل في المنطقة الوحدة إلى 400 ألف عسكري أمريكي أَو حليف، وهي في ذلك تقيم تحالفات عسكرية تكون نواتها أمريكية، وتنتظم فيها دول أُخرى كما حصل يوم غزوها لأفغانستان، حيثُ أنها شكلت حلفاً دولياً شرعه مجلس الأمن.
بلغ الذين شاركوا في هذا الهجوم أكثر من 400 ألف عسكري، وكذلك في العراق، حَيثُ قامت بإنشاء حلف دولي خارج موافقة مجلس الأمن، وقامت بغزو العراق بقوى بلغت 350 ألف عسكري.
كما أنها في قدراتها العسكرية قادرة على إنشاء الجسور الجوية العسكرية التي تربط أراضيها في أمريكا أَو أماكن انتشارها في أُورُوبا بقواعدها في الشرق الأوسط وغرب آسيا؛ لإمدَاد القوات القتالية باحتياجات حربية تمكّنها من القتال الدائم والمستدام، يعني عندها قدرة لبناء الجسور الجوية التي تمكّنها من نقل القوى أَو نقل الاحتياطات اللوجستية أَو التموين؛ بما يمكنها من خدمة أهدافها القتالية لشهور طويلة في الحرب.
إن جميع القدرات العسكرية الأمريكية في البر هي على بنية الأسلحة التقليدية، ولم يسجل حتى الآن خرقاً أمريكياً لهذا المجال، خَاصَّة وأن المعاهدات الدولية والقانون الدولي يمنع على أمريكا نشر أسلحة نووية خارج أراضيها، إلا أن هذا الأمر غير قائم في البحر أَو في الجو بالنسبة إلى القطع البحرية الأمريكية التي تبحر عابرة أعالي البحار أَو الطائرات التي تنطلق من الأرضي الأمريكية.
يعني بين يوم ويوم نسمع أن طائرة B15-2 بعدد كذا رحلة انتقلت وهذه حاملات قنابل نووية، وَأَيْـضاً الغواصات النووية التي تأتي وتذهب وطبعاً لا يوجد هناك رقابة على حركتها.
نظّمت أمريكا انتشارَها العسكري خارجَ أراضيها في مناطق عسكرية متعددة، هناك منطقة عسكرية لأُورُوبا، ومنطقة عسكرية للشرق الأقصى، ومنطقة عسكرية للشرق الأوسط، وجعلت منطقة الشرق الأوسط الذي يشمل غربي آسيا وبعض من أواسط آسيا، وشمالي أفريقيا؛ جعلته في منطقة عسكرية اسمها المنطقة العسكرية الوسطى، والتي تنتظم فيها دول المنطقة بقيادة أمريكية.
طبعاً المنطقة هي منطقة أمريكية، وليس لها تنظيم شرعي في الدول، وفي هذه المنطقة العربية ينتشر 45 ألف عسكري كما ذكرت، وهم في قواعد عسكرية متنوعة في هذه المنطقة، ويساندهم الأسطولان في هذه المنطقة.
في الآونة الأخيرة، أدخلت أمريكا العدوّ الإسرائيلي ضمنَ نقاط عمليات المنطقة الوسطى؛ إذ كان العدوّ الإسرائيلي قبل اتّفاقات التطبيع “إبراهام”، تابعاً في نقاط العمليات العسكرية الأمريكية للمنطقة الأُورُوبية، لمنطقة أُورُوبا الأمريكية، وبعد اتّفاقيات التطبيع “إبراهام”، نقلت إلى أن تصبح في نطاق المنطقة الوسطى.
هذا النقل حصل؛ بهَدفِ توفير فرص دمج إسرائيل في المنطقة، ولتعمل مع جيوش المنطقة خَاصَّة من خلال المهام التي تتولاها القوات الأمريكية في انتشارها في المنطقة، وسنجد ذلك واضحًا ضمن المهام.
إلى المهام التي تمارسها أَو تطلع بها القوات العسكرية المنتشرة في منطقتنا في المنطقة الوسطى، على النحو التالي:
المهمة الأولى: وهي المركزية والاستراتيجية الكبرى، هي السيطرة والهيمنة على المنطقة؛ لأَنَّ أمريكا تعتبرها منطقة نفوذ أمريكي مغلقة بوجه الغير، تسيطر أمريكا على المنطقة وتمنع دخول عامل أجنبي إليها آخر.
إن انتشار أمريكا في الشرق الأوسط هو لجعلها بحيرة أمريكية، ومنطقة نفوذ أمريكي مغلقة لأمريكا، وهذه المهمة تذكرنا بما أطلقته كونداليزا رايس في عام 2006م عندما اعتدت إسرائيل على لبنان وجاءت كونداليزا رايس لتروج للمسألة، وقالت بالفوضى الخلاقة، نعمل لإنشاء شرق أوسط جديد، وما هو الشرق الأوسط الجديد الأمريكي؟ هو شرق أوسط تستعمره أمريكا هذه المهمة المركزية الأولى التي يتفرع عنها مهام أُخرى، ولكن أذكرها وفقاً لما يلي:
ثانياً: وضع اليد على المنطقة ومعابرها، وتأمين إمدَاد NA، وتأمين دوام إمدَادات النفط وحرية الملاحة في المعابر المائية الأَسَاسية، هذه الحرية المضمونة للغرب؛ ما ينبغي أن تكون حركة الشرق مَرقِبةً لها، ونعلم أن هذه المنطقة فيها المعابر المائية التجارية الكبرى فيها قناة السويس، وباب المندب، وبينهما البحر الأحمر وفيها مضيق هرمز، حَيثُ يمر أكثر من نصف من احتياط النفط العالمي.
ثالثاً: حماية إسرائيل: وهي مهمة أَسَاسية لهذه القوى فيها تراقب، حَيثُ تنتشر وتتدخل لمنح العدوّ الإسرائيلي القوة الإضافية لحماية نفسه.
رابعاً: تأمين مخزون لوجيستي عسكري واحتياطي لإمدَاد الجبهات عند اللزوم: يعني خذوا آخر شيء مثلًا عندما احتاجت أوكرانيا لبعض الذخائر التي تبعد أمريكا في مخازنها في أمريكا عن توفيرها بسرعة، فأمرت أمريكا إسرائيل التي تخزن لديها الذخيرة بإمدَاد الجيش الأوكراني بهذه الذخائر على وجه السرعة وحدّدت لها أسبوع في حَــدّ أقصى.
خامسًا: تدريب القوات المسلحة في الدول التي تنتشر فيها، وضبط مسارات عسكرية لتلك الدول، حَيثُ تتمركز؛ ولذلك تجري مناورات وفقاً لأهميتها ومستوها، وهنا تأتي أهميّة نقل العدوّ الإسرائيلي من نطاق منطقة أُورُوبا إلى نطاق المنطقة الوسطى؛ ليصبح العدوّ الإسرائيلي قادر بعد هذا النقل على المشاركة في المناورات التي تنظمها أمريكا لجيوش المنطقة.
ويجد العدوّ الإسرائيلي نفسه في خندق واحد في عمل عسكري تدريبي واحد مع دول المنطقة سواء أكانت هذه الدول تقيم علاقات مع إسرائيل وتعترف بها وفقاً لسياسة التطبيع، أَو بدون سياسيات وبدون اتّفاقات.
سادسًا: تشكيل النواة لأحلاف عسكرية دائمة أَو مؤقتة، من شأنها خدمة المصالح الاستراتيجية الأمريكية أَو السياسية الأمريكية العليا.
من ينظُرْ في الانتشار العسكري الأمريكي والمهام الموكلة لتلك القوى والأعمال التي قامت بها أمريكا عبر قواتها يجدْ أن الوجودَ العسكري الأمريكي في منطقتنا هو احتلال مكتمل الموصف، وهيمنة وسيطرة تنتهك السيادة الوطنية، وتصادر الاستقلال، وتثير الفتن والنعرات التقسيمية.
وفي الأصل كما يعلم الجميع أن استراتيجية أمريكا قائمة على السيطرة إثر الفتن، إثر الانقسامات، إثر التناحر، أمريكا تخلق الصراع حتى تتدخل، وهذا ما أفصح عنه في العام 2006م القائد السابق أَو المدير السابق ل CIA رئيس المخابرات المركزية الأمريكية السابق، حَيثُ قال في محاضرة نشرت، إنه علينا (يقصد على أمريكا) أن نصنع لهم إسلاماً يناسبنا، نصنع أهل المنطقة في الشرق الأوسط؛ فيقتتلون حوله وينقسمون ويتأكلون ثم يستغيثون بنا ونذهب إليهم لننجدهم وننصرهم بين قوسين (ونسيطر عليهم).
أليس هذا ما يصنعون؟؛ وعليه إذَا كان العمل في الفضاء الخارجي أَو في أعالي البحار متروكًا ومفتوحًا حُرًّا لأيٍّ كان؛ فَـإنَّ التمركُزَ والانتشارَ على البر بحاجة لموافقة الدولة ذات الصلة، وأمريكا حتى تحصل هذه الموفقة تخلق للدول عدواً وهمياً؛ مِن أجل أن تحملها للجوء إليها، وتوقيع اتّفاقيات الإذعان معها، اتّفاقات تتيح لها وضع اليد.
وهي تتطور وتنشر قواتها على أراضي هذه الدول، وتدَّعي أنها هنا؛ مِن أجل التدريب ومن أجل تمتين العلاقات، لكنها سرعان ما تتخطى تلك المهمة المعلنة أَو المحدّدة في الاتّفاقات لتمارس أعمال حربية عدوانية كما حصل في العراق عندما وضعت اتّفاقية الإطار في 2011م، ثم رأينا كيف أن أمريكا أنشأت حلفاً دولياً؛ بذريعة قتال داعش وعادت وانتشرت في العراق بقوة عسكرية كبرى، ثم عادت ونظمت احتلالها بالادِّعاء، بأنها انسحبت قتالياً وأنها هناك؛ مِن أجل التدريب، وهذا غير صحيح.
هناك مقولة نحن نعتمدها في النظرة إلى الوجود الأمريكي: “حَيثُ تدخل أمريكا ينعدم الاستقرار، وتنتفي السيادة والاستقلال”، وأين ما يتواجد جيش أمريكي ستعرف أنه لن يكون هناك استقرار؛ لأَنَّ أمريكا تبرّر وجود هذا الجيش بعدم الاستقرار فتخلق عدم الاستقرار حتى يبقى جيشها؛ مِن أجل ممارسة المهمة الأولى التي هي الهيمنة والسيطرة، وهذا ما تفعله في سوريا حَـاليًّا بالقول بمحاربة داعش، وهي التي اختلقت داعش، وهي التي صنعت داعش.
إن المعادلة الثابتة تقول إذن، حَيثُ تدخل أمريكا يهرب الاستقرار، وتنتفي السيادة والاستقلال، ونحن نرى أن من أهم تطبيقات هذه المعادلة ما يجري في اليمن، وفي سوريا والعراق حَـاليًّا، حيثُ إن أمريكا بوجودها العسكري، وضبطها السياسي تمنع تلك الدول من العودة إلى حياتها الطبيعية.
ولذلك أقول” إن ما ذكره وما أطلقه السيد عبد الملك الحوثي -أطال الله بعمره- بأن الوجود الأمريكي في اليمن هو عدوانٌ عليها سيتم التعامل معه على هذا الأَسَاس هو قولٌ موضعي وواقعي ومشروع ويقع في مكانه الصحيح، وأن لليمن الحق بأن تنظم قواتها لمقاومة هذا العدوان الاحتلالي، كما أن لكل دولة تنتشر على أراضيها قوات أمريكية الحق بأن تمارس كُـلّ أنواع المقاومة لتطهير أراضيها من السيطرة والاحتلال الأمريكي.
أكتفي بهذا القدر وأتمنى أن أكون قد أوضحت الفكرة الرئيسية، والحمد لله رب العالمين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
* خبير عسكري استراتيجي لبناني
(ورقة عمل مقدمة لندوة اتّحاد الإعلاميين اليمنيين، السبت 18 مارس 2023م).