قراءةٌ في خطاب السيد القائد في يوم الصمود الوطني.. بقلم/ علي القحوم
في يومٍ يمثِّلُ علامةً فارقةً في الذاكرة والتاريخ اليمني، وإعلان العدوان من واشنطن والأمريكي رأس حربة فيه مع التكالب الدولي الذي لم يحصل له مثيل، أطل علينا سماحة السيد القائد -يحفظه الله- بخطاب استراتيجي يشكّلُ خارطةَ طريق لاستعادة الحقوق والسيادة والاستقلال وإسقاط المشروع والمؤامرة الأمريكية.
كما اتسم الخطابُ بموقفٍ تاريخي يرسِّخُ معادلات استراتيجية محلية وإقليمية، حَيثُ كشف عن استراتيجية قتالية جديدة وامتلاك اليمن قدرات وصناعات عسكرية محلية أرعبت المعتدين خلال 8 سنوات، وسترعبهم وتقلقُهم أكثرَ في حال استمروا في عدوانهم وحصارهم وتحقّق معادلة توازن الرد والردع وتغير قواعد الاشتباك.
في المقابل، جاء خطاب السيد القائد بهذه المناسبة في هذا العام، مع تغير المناخ الدولي وكسر القطبية الواحدة وتأرجح مواقف المعتدين وحالة التخبط والهوس في واقعهم الداخلي؛ فالخطاب له أبعاد استراتيجية على الواقع تحدّد معايير التوازن في الصراع مع الأعداء وهي منفلته من الزمان والمكان.
كما أن مضامين الخطاب أعادتنا إلى الأولويات والبُوصلة الصحيحة والثوابت الوطنية في زمن الانهيار والانهزام للمنبطحين والعملاء، وتحديد لمستوى القضية الوطنية بالنسبة للداخل اليمني، وأن تتحول إلى قضية وطنية كبرى، وأن المسألة أكبر من أن تكون مشكلة داخلية، وهي خارجية في الأصل، بل مصير بلد وشعب.
مع التأكيد أن اليمن يمتلك عوامل القوة وهو أكثر تماسكًا وأكثرَ قدرة على الصمود، لا سيَّما مع امتلاك القدرات والصناعات العسكرية المحلية التي تؤهلها للتأقلم مع المتغيرات في المعادلات الجديدة وفرض ما يريد، مع إعطاء إشارة الأمل في الخطاب فيما يشبه الوعد والتأكيد والوصفة المؤدية إلى تحقيق النصر.
الخطابُ بين العنوان والمحتوى، فصار لكل كلمة وحرفٍ وطلة حسابٌ، وباتت تُبنى عليه مواقف وتبعات، لا سيَّما أن الخطاب صار مراقَباً ومتابعاً بشكل كامل من الصديق والعدوّ؛ فليست هناك مبالغة في النظر إليه كجزء أَسَاسي من منظومة القوة التي يمتلكها تستخدم بدقة كأدَاة للتعبئة وللتعبير عن الرؤية الاستراتيجية.
كما يحتل الخطاب حيزاً واسعاً في الممارسة السياسية، من حَيثُ القوة في المضمون والرسائل، في حال استعرنا مفهوم فوكو للخطاب، نرى أن الخطابَ وعيٌ يسكُنُ مشروعَ القائد في الشكل الخارجي للغة ولا لُغة تضافُ لها ذاتٌ تكملُها، بل هو ممارسة لها أشكالها الخصوصية من الترابط والتتابع والاتساق والبناء التكاملي.
وأثناء قراءتنا للخطاب تستوقفنا كثافة المضامين التي انطوت عليها وكثافة الرسائل التي حملتها والأبعاد المتعددة التي شدّدت عليها والصور المختلفة التي تمظهرت فيها تلك المضامين والرسائل والأبعاد ذات الدلالات الهادفة؛ فتترك الباب مُشْرَعاً على تكهنات واحتمالات وسيناريوهات ترهق الذات الأمريكي.
كما تندرج الرسائل في الخطاب من الأدنى إلى الأعلى، بمقتضًى زمنٍ تعاقبي تندرج فيها على النحو نفسه بشكل متزامن وفيها مستويات عدة:
الأول: فعل التعبئة العامة والتجييش؛ بما يعزز الشعور بثقل المسؤولية الوطنية والدينية والتاريخية وشحذ الهمم والعزائم للصمود والمواجهة للمخاطر والتحديات المحدقة بالبلد.
المستوى الثاني: فعل الطمأنة الداخلية وذكر المكتسبات من الصمود واستدرار التماسك الداخلي ووحدته في مواجهة العدوان والدفاع عن الوطن وإبداء المزيد من الحرص على الوحدة الوطنية وتماسك الجبهة الداخلية وتفويت الفرصة على الأعداء وإفشال رهاناتهم على تصدعها وتمزيق النسيج الاجتماعي.
المستوى الثالث: فعل النقد السياسي للعملاء والخونة على المستوى الداخلي وازدراء الموقف الخارجي للمؤيدين للعدوان، والازدواجية الأمريكية المفضوحة في اليمن وممارساتهم الإجرامية ومؤامراتهم المهولة ومخطّطاتهم الاستعمارية الشيطانية، في المقابل الشكر لمن وقف مع اليمن ومظلومية شعبها.
رابع المستويات: فعل الحرب النفسية على الأعداء، وهنا يجيدها سماحة السيد القائد في الكفاءة والدراية والاقتدار في مضمار هذه الحرب النفسية، من حَيثُ الضغط على أعصاب المعتدين والطامعين والمحتلّين وإلقاء الرعب في قلوبهم بما حمل الخطاب من تهديدات فتصبح كرة الثلج كبيرة تمنع تلك المؤامرات.
كما بدا جليًّا من خطاب السيد القائد الثقة المطلقة واليقين التام، وبما شكلته القوة الرادعة والأسلحة الاستراتيجية بالنسبة للأعداء حالة من الإدراك بتثبيت معادلة الردع وضرورة استراتيجية لا بُـدَّ من التوقف عندها ودراسة تداعيات تجاوزها، فكيف بعد الخطاب الذي أرسى معادلة جديدة قوامها واضح ومعلن.
وكما هي العادة فَـإنَّ خطاب السيد القائد يُرسِي بموجبه قواعد ومعادلات جديدة يحتاج الأعداء إلى وقت بغية تفكيك شيفرة المعادلات التي فرضها الصمود اليمني، فَـإنَّ مجريات الأحداث ومعادلات الرد الحتمي المؤطَّر بمحدّدات استراتيجية سيكون على الأعداء تخطيها أَو التفكير بكسرها؛ فذلك يحمل تهديدًا وجوديًّا يطالهم.
وبالتالي خطاب السيد القائد أعاد الاعتبارَ لمفهوم التوازن الاستراتيجي في المواجهة المفتوحة تحت عنوان شامل، لا سيَّما أنَّ هناك محاولاتٍ حثيثةً من دول العدوان في حرب تغلُبُ عليها الموازين والمعايير؛ فكانت الرسالة واضحة “نحن لا نريد الحرب وفرضت علينا ونحن لها حتى تحقيق النصر وطرد المحتلّين والغزاة”.
وبالعودة إلى الخطاب يجدر التوقف استكمالًا للإضاءة عليه والإحاطة بمعاينة أمام معادلات واضحة، أعلن السيد القائد الموقف الثابت والمعلن حول السلام وتلك القواعد التي شاءها في خطابه بما خلت في أَسَاسها من جوهر البحث الطويل عن معنى وجود الأمريكان وحضورهم المتدفق والمعطوب بالعقد التاريخية.
وهنا يجدُرُ البحثُ متكامِلُ الوجوه والعناصر، وأهم عنصر فيه: أن الموت عند الأمريكي عبثي بالعكس عن الأُمَّــة التي تعشق الشهادة وشعب أَلِف الشهادة، وتلك مفارقة يجب لحظها في الصراع والتمييز بين قوتين، قوة تذهب إلى الموت بإرادتها لعشقها الحياة، وأُخرى تخشى من الموت لكونه النهاية المطلقة.
وفي خضم ذلك لسان الحال يقول: لم يعد يعنينا أيُّ شيء اسمُه قواعدُ الاشتباك، وتفوُّقُ قدرات العدوّ، ولا تفكيكَ الساحات والميادين وحصر اليمن؛ فمن حقنا الشرعي والقانوني أن نواجِهَ العدوان؛ فتنطلق من هُنا قواعدُ استراتيجية جديدة بشروط تحدّد معايير التوازن في الصراع وهي منفلته من الزمان والمكان.
وفي الأخير، اخْتَتَمَ سماحةُ السيد القائد بالقول: ونحن في العام التاسع عام النصر والحسم بتعاظم القدرات العسكرية، مع دعوته للشعب اليمني للخروج في ساحات مختلفة والمحافظات بزخم شعبي مليوني منقطع النظير يقدم رسالة قوية للمحتلّين والغزاة بأننا شعب يمتلك مقومات القوة ومع القيادة في كُـلّ خياراتها.