موقعُ اليمن من التغيرات السياسية في المنطقة والعالم..بقلم/ محمد علي الحريشي
يشهد العالم ومنطقة الشرق الأوسط تغيرات سياسية حادة ومتسارعة، هناك مقدمات وأحداث تعصف بالعالم عجلت بمزيد من التغيرات السياسية التي وصلت إلى مدى انحراف بزاوية 180 درجة، كما طرأ على العلاقات الإيرانية –السعوديّة، وما سمعناه عن قرب عودة العلاقات السعوديّة –السورية، والعلاقات الإماراتية –الإيرانية، والمصرية -التركية، هذه كلها مظاهر ونتوءات تدل على أن هناك فعلاً مؤثراً قلب الموازين وخلط الأوراق.
الصمود اليمني على مدى ثَمَانِي سَنَوَاتٍ أمام أعتى قوة عسكرية واقتصادية وإعلامية على وجه الأرض، لا شك أنه ترك أثراً كَبيراً في اهتزاز تلك القوة والنيل من سمعتها على المستوى العالمي، لم تكن مراوحة القوة الكبرى وتحالفها أمام الصمود اليمني وثبات موقفه على مدى عام كامل من بداية الهدنة، وعدم المقدرة على اتِّخاذ قرارات حاسمة تحقّق مكاسب سياسية وعسكرية تحفظ بها على الأقل ماء وجهها، وتخفف به من هزيمة مخطّطاتها العدوانية على اليمن، هذا الذي جعل العالم أجمع يعيد الحسابات ويعيد النظر في شكل العلاقات الدولية.
يخطئ من يعتقد أن روسيا الدولة العظمى لم تستفِد من الدرس اليمني الذي مرغ الأنف الأمريكي في التراب.
من يتتبع الخطوات التي أقدمت عليها روسيا قبل تفجير الحرب بوجه أمريكا في الساحة الأوكرانية يدرك أن روسيا استغلت نقاط خيبة وفشل أمريكا أمام الجندي اليمني، وحولتها إلى فرص لوقف التمدد العسكري الأمريكي تحت غطاء الناتو الذي كاد أن يصل إلى الحدود الروسية نفسها، لم تغامر روسيا بفتح جبهة عسكرية مع أمريكا والناتو إلَّا بعد أن تم كسر شوكتها من قبل اليمن واليمنيين.
الصين هي الأُخرى رفعت رأسها ولم تعد تلك القوة الاقتصادية الجبانة التي تخشى الأخطبوط الأمريكي، تحولت فجأة إلى عملاق اقتصادي عسكري يناطح أمريكا وينتزع منها مكاسب سياسية وعسكرية في تايوان وبحر الصين.
قمة الرئيس الصيني والرئيس الروسي في موسكو، الأسبوع الماضي هي تحدٍّ لأمريكا، وما خرج عنها من اتّفاقيات اقتصادية وعسكرية هي بمثابة تحالف عسكري اقتصادي موجه لأمريكا، هل كان ممكناً عقد مثل تلك القمة قبل سنتين مثلاً؟
انهيار البنوك الأمريكية ومثيلاتها في دول الغرب الأُورُوبي وإفلاسها هو نتيجة لانتصار اليمن ونتيجة لتخلي روسيا والصين وكثير من دول العالم عن التعامل بعملة الدولار، عندما فرضت أمريكا وتحالفها الأطلسي عقوبات اقتصادية ومالية على روسيا لم تكن تحسب أن تلك العقوبات سوف ترتد على أمريكا وأُورُوبا نفسها، المتضرر الأكبر من تخلي روسيا والصين عن الدولار هي أمريكا؛ لأَنَّها فقدت أسواقاً ذات كثافة وضخامة اقتصادية وأصبح الدولار بعد أن كان عملة عالمية مكدساً داخل البنوك والأسواق الأمريكية والغربية.
هذه الظروف والعوامل كلها تجمعت وهي تتمخض عن ميلاد نظام عالمي جديد تغرب فيه الهيمنة الغربية والأمريكية التي سادت العالم منذ القرن السابع عشر الميلادي.
مفاعيل عودة العلاقات الإيرانية السعوديّة لم تأتِ من فراغ، بل صنعها اليمن كما صرح بذلك الرئيس السوري بشار الأسد قبل يومين.
عودة العلاقات الإيرانية -السعوديّة جاءت كنتيجة لواقع الصمود اليمني والثبات اليمني والانتصار التاريخي اليمني، لو كانت أمريكا قوية لردت على منع اليمن نهب النفط وتصديره من موانئ شبوة وحضرموت، تلك نقطة مفصلية تجلت عندها هشاشة وضعف الموقف الأمريكي العسكري والسياسي، وهي التي عرت الهالة الأمريكية أمام العالم أجمع.
اليمن والصمود اليمني والانتصار اليمني هو الذي دفع السعوديّة بوجهتها نحو إيران وهو الذي دفع بالإمارات نحو إيران، تخوفات البعض بتأثير العلاقات السعوديّة الإيرانية الجديدة على اليمن ليست في محلها، لن تتضرر اليمن من تلك العلاقة على الإطلاق ولا بنسبة واحد في المِئة؛ لأَنَّ اليمن هو من صنع ذلك الواقع وهو من كان السبب في تحريك تلك العلاقات وتحولها من واقع العداء والمواجهة السياسية إلى علاقات مغايرة تماماً، سوف يظل اليمن في قلب تلك المتغيرات وقلبها المحرك ومحورها الأَسَاسي.
وبمناسبة يوم الصمود الوطني ودخول اليمن العام التاسع نوجه تحية إلى الشعب اليمني والقيادة الثورية اليمنية، وعلى رأسها السيد عبد الملك الحوثي -يحفظه الله- وقيادة المجلس السياسي الأعلى والحكومة اليمنية والجيش واللجان الشعبيّة على هذه الانتصارات العظيمة التي تحقّقت لليمن، والتي قلبت موازين القوى الدولية وهزمت قوى الطاغوت والشر الأمريكي الصهيوني بقوة الصبر والإيمَـان والمظلومية والحكمة والثبات والشجاعة، التي أصبحت مدرسة يستلهم منها الأحرار والمناهضين لأمريكا في محور المقاومة وأحرار العالم الدروس والعبر التي تولد روح التحدي والصمود والاستبسال.