السيد عبدالملك الحوثي في المحاضرة الرمضانية التاسعة: الإنسان إذا استمر في الاتّجاه السيئ والانحرافات تكبر أهواؤه ويصل إلى درجة الخبث والزيغ
الإنسان عندما يصل إلى درجة أن يميل قلبه عن الرشاد والصلاح، يُخذَلُ من الله سبحانه وتعالى ويسلب التوفيق ويتركه الله في زيغه؛ فيتحول في نفسه مائلاً عن الحق
الذين يسلكون طريق الوفاء يصلون إلى درجة الطيب في النفس، تطيب نفوسهم، والآخرون إلى درجة الخبث، تخبث نفوسهم {حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ}
الشيطان عدو مبين يسعى لإلحاق أكبر الضرر بكم، يسعى لمضرتكم ولما فيه الخطر عليكم، هو عدو بكل ما تعنيه الكلمة وعداؤه شديد جداً
الإنسان إذا اتجه في طريق الخير زكت نفسُه ويحظى برعاية الله في هذا الاتّجاه العظيم، ينفر من طريق الشر ويكره الجرائم والتصرفات السيئة
أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّدًا عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إبراهيم وَعَلَى آلِ إبراهيم إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أصحابهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.
الَّلهُمَّ اهْدِنَا، وَتَقَبَّل مِنَّا، إنَّكَ أنت السَّمِيعُ العَلِيم، وَتُبْ عَليَنَا، إنَّكَ أنت التَّوَّابُ الرَّحِيمْ.
أَيُّهَــــا الإِخْــــوَةُ وَالأَخَوَات: السَّــلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَــةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُــه.
يقولُ اللهُ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في القرآن الكريم: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا}[الشمس: 7-10]، يبيِّنُ الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” لنا في هذه الآيات المباركة، وفي آياتٍ أُخرى، في عدة سورٍ في القرآن الكريم: أن النفسَ البشريةَ لديها -في فِطرتِها، وفي تكوينها- القابليةُ للخير، أَو الشر، للفجور، أَو التقوى، للصلاح، أَو الفساد، فاللهُ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” قد ألهم النفسَ البشرية فجورَها وتقواها، ثم يأتي ما بعد ذلك -في إطار مسيرة الحياة- دورُ الإنسان، يأتي دورُ الإنسان، في تزكية النفس، أَو في الاتّجاه الآخر، الذي يحوّل الواقع النفسي للإنسان إلى واقعٍ خبيث، والعياذ بالله.
يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أَيْـضاً في آية أُخرى: {إِنَّا خَلَقْنَا الْإنسان مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (2) إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا}[الإنسان: 2-3]، ويقول “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، يبين في خلقه للإنسان، وما زوَّده به من الوسائل: {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ (9) وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ}[البلد: 8-10]، فاللهُ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” على مستوى الحالة الفطرية للإنسان، فيما منحه من طاقات، وقدرات، وقابليات، وَأَيْـضاً فيما عرّفه، وعلّمه، وأرشده، ونبّهه، ميَّز له بين الطريقين: طريق الخير، وطريق الشر، (النَّجْدَيْنِ)؛ حتى تكون الأمور واضحةً بالنسبة للإنسان؛ فالبشر الآن في فطرتهم، على المستوى الفطري، يعرفون الجرائم بشكلٍ عام، بأنها جرائم، وأنها سيئة، ويصفونها بالجرائم، ويعرفون مكارم الأخلاق، ويعرفون أنها تعتبر أخلاقًا عظيمةً وكريمة، إلى غير ذلك، ثم في الهداية الإلهية عن طريق الرسل والأنبياء، بيّن الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” على نحوٍ تفصيليٍّ وواسع ما يتعلق بذلك.
الإنسان إذَا اتجه في طريق الخير، نمت فيه عناصر الخير، واتجهت ميوله ورغباته، واتجه بتفاعله نحو الخير، وزكَتْ نفسه، وطابت نفسه أَيْـضاً، زاده الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” هدىً، ويحظى بالمعونة من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، والتيسير من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، والرعاية له في اتّجاهه العظيم، مثلما قال الله في القرآن الكريم: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولئك هُمُ الرَّاشِدُونَ}[الحجرات: من الآية7]، كما قال “جَلَّ شَأْنُهُ”: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ}[محمد: الآية17]، وكما قال “جَلَّ شَأْنُهُ”: {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى}[الليل: الآية7]، {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى}[الليل: 5-7]، كما قال “جَلَّ شَأْنُهُ”: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإسلام}[الأنعام: من الآية125].
وانشراح الصدر مسألةٌ مهمّةٌ جِـدًّا؛ لأَنَّ هذا سيجعل الإنسان يتجه برغبة وارتياح، تتجه طاقاته الفطرية، في الانسجام، والأنس، والاطمئنان، وانشراح الصدر، والارتياح، للخير، وفعل الخير، والعمل الصالح، ومكارم الأخلاق، والانسجام مع الحق، والتقبل للحق، والتفاعل مع هدى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، والانشداد إلى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ينفر من طريق الشر، يكره الجرائم، يمقَت مداني الأخلاق، والمذامّ والتصرفات السيئة، تتعزز عنده حالة التقوى تجاه هوى النفس، فحتى لو تحَرّكت فيه الأهواء النفسية والرغبات النفسية بشكلٍ سلبي، فالحالة عنده، حالة التقوى لديه، ترسيخ معاني الخير في نفسه، الزكاء الذي ينمو في نفسه، الحالة الإيجابية، والتذكر لهدى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، والرعاية الإلهية التي يحظى بها، تجعله في موقف المتماسك تجاه هوى النفس، في حالة متماسكة، فهو ينهى النفس عن الهوى، ينهاها، يزجرها، يذكِّرها بمعائب، ومخاطر، وسلبيات، وعواقب، تلك الأشياء السيئة، التي تحَرّكت لها أهواء نفسه، فينهى النفس عن الهوى، ويزجرها عن الهوى، ويصرفها عن الهوى في الاتّجاه السيء، في الاتّجاه الذي هو معصية، ولهذا يقول الله: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى}[النازعات: 40-41]، ويكتسب في إطار هذا التوجّـه، يكتسب المنعة تجاه وساوس الشيطان، التي تأتي كعاملٍ آخر مع هوى النفس، يسعى لتحريك حالة الهوى والاستغلال لحالة هوى النفس.
الإنسان في اتّجاه الخير، والزكاء، والإيمان، والتقوى، يكتسب المنعة تجاه وساوس الشيطان ومساعيه للإغواء، ويتحرّر من سلطان الشيطان، كما قال الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في الآية المباركة: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا}[النحل: من الآية99]، وهو يتحدث عن الشيطان، {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ}[النحل: 99-100]، الإنسان يكتسب المنعة أكثر، ويحظى برعايةٍ من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ومعونةٍ من الله، وتثبيت في المزالق الخطرة، والمصائد التي يحاول الشيطان أن يصطاد الإنسان فيها، تأتي الرعاية؛ لأَنَّ اتّجاه الإنسان أَسَاسا بعزمٍ صادق، وإقبالٍ جادّ، يجعله محطّ رعايةٍ من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وتوفيقٍ من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ولو زلّ في بعض الحالات، يرجع، ويكون زلله محدودًا وبسيطًا، مقارنة بالآخرين، الذين قد تأثروا بالشيطان.
أمَّا إذَا اتجه الإنسان في اتّجاه هوى النفس، والفجور، والشر، فَـإنَّها تتنامى فيه عناصر الشر، ويتراكم الخبث في نفسه تدريجيًّا، كلما استمر أكثر وأكثر في الاتّجاه السيء، والأعمال السيئة، والانحرافات، يتراكم الخبث في نفسه، حتى تخبث نفسه، وتكبر الميول السيئة في نفسه، وأهواؤه السيئة، حتى تكون ضاغطةً على نفسه ضغطًا شديدًا، في الاتّجاه السيء، في الأعمال السيئة، نحو التصرفات السيئة، التي هي معصيةٌ لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ولها آثارها السيئة في الإنسان، في نفسه، وفي حياته، وفي واقع المجتمع، لكنه يحس بضغط شديد في داخله، في واقعه النفسي، يُحس ويشعر بضغط كبير على المستوى النفسي في تلك الميول، وَإذَا استمر أكثر وأكثر، يصل إلى درجة الخبث التام لنفسه، ويزيغ قلبه والعياذ بالله، ويُزَيَّن له سوء عمله.
ولهذا أتى التحذير في القرآن الكريم، التحذير من اتِّباع الهوى، أن يصبح الإنسان متبعًا لأهواء نفسه وميولها السيئة، فبمُجَـرّد أنه يشعر أن نفسه تميل إلى أعمال، وهي سيئة، أَو تصرفات، وهي سيئة، أَو رغبات، وهي سيئة؛ اتبعها، ونفذ تلك الرغبات، وعمل تلك الأعمال السيئات؛ اتِّباعًا لهوى النفس، ينجرّ تلقائيًّا وراء هوى النفس، هو يريد أن ينفذ تلك الرغبة النفسية، ولو كانت كيفما كانت.
يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” عن حالة الزيغ، وهي حالة خطيرة جدًا: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ}[الصف: من الآية5]، الإنسان عندما يصل إلى درجة أن يميل قلبه، يزيغ بشكلٍ تام، عن الحق، عن الهدى، عن الخير، عن الرشاد، عن الصلاح؛ يُخذل من جانب الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ويُسلب التوفيق، ويتركه الله في زيغه، فيتحول في واقعه النفسي إلى زائغٍ، زائغٍ عن الحق، مائلٍ عنه تماماً، مُجانبٍ له والعياذ بالله.
يحذِّر الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” من هذه الحالة، ويقارن في القرآن الكريم، ما بينها بين حالة من يتجه في هذه الحياة ليس على أَسَاس أهواء نفسه، ومزاجها ورغباتها، وتفاعلاتها، واندفاعاتها، وإنما على أَسَاس هدى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، يُخضِع نفسَه ومشاعره لتعليمات الله، لهدى الله؛ ولذلك يقول: {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ}[محمد: الآية14]، الحالة السلبية السيئة لدى الإنسان: عندما يتحول إلى تابع لأهواء نفسه، لمزاج نفسه، لرغبات نفسه، لانفعالات نفسه، يكفي عنده ما دامت تلك المشاعر النفسية -بالرغبة، أَو الانفعال، أَو أيٍّ كان- موجودةً فهو يريد أن يتبعها، لا يُخضع نفسه لتعليمات الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، كلما تمادى الإنسان في ذلك، في مسيرة حياته، وكثرت انحرافاته، أعماله السيئة، اتّجاهاته السيئة؛ كلما تراكم الخبث في نفسه أكثر وأكثر.
ولهذا في الاتّجاهين:
- الاتّجاه الإيماني الصادق الصالح، اتّجاه الزكاء للنفس.
- أو الاتّجاه الآخر: الاتّجاه السيء، اتّجاه الشر، والفجور، والهوى، والطريق السيئة التي يسلكها الكثير من الناس.
يصل الحال في الاتّجاهين بالفريقين، إلى نتيجة معينة، هي:
- في واقع أُولئك الذين يتجهون طريق الخير، طريق التقوى، طريق الزكاء، يصلون إلى درجة الطيب للنفس، أن تطيب نفوسهم.
- والآخرون إلى درجة الخبث، أن تخبث نفوسهم والعياذ بالله.
ولذلك يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ}[آل عمران: من الآية179]؛ لأَنَّ الإنسان يصل إلى حالةٍ منهما، إمَّا أن تطيب نفسه، إذَا اتجه الاتّجاه الصحيح، اتّجاه التزكية، والتقوى، والإيمان، والصلاح، والخير، والاستجابة لهدى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، فتطيب نفسه، إذَا طابت نفسه، فمعناه: أن عناصر الخير في نفسه نَمَتْ، وأن مشاعره قد تنقَّت كَثيراً، حتى أصبحت نقيةً من كثيرٍ من الشوائب الخبيثة والسيئة؛ فأصبح اتّجاهه نحو الخير، نحو العمل الصالح، نحو التقوى، نحو الأعمال الزاكية، انشداده النفسي، تفاعله النفسي، رغباته، انسجامه، تفاعله، ويغلب عليه ذلك، يعني: يكون الغالب، يكون البارز، يكون الأكثر حضورًا في شعوره ووجدانه هو ذلك، ولذلك يكون عنده قابلية أكثر وأكثر لهدى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، واستجابة في الواقع العملي لتوجيهات الله، وأوامر الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وَإذَا اتجه في الاتّجاه السيء، تخبث نفسه، ثم يأتي الاختبار، الذي يكشف هذه الحالة النفسية لدى الإنسان، الاختبار في الواقع، {مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ}[آل عمران: من الآية179].
في الحالة التي تخبث فيها نفس الإنسان، اتّجاه سيء، كلما تمادى فيه، كلما خبثت نفسه أكثر، يبرز عنده جانب الهوى (هوى النفس) أكثر من الهدى، فيتجه إليه، يميل نحوه، يتبعه، هي حالة يفتح الإنسان فيها على نفسه ثغرةً خطيرةً للشيطان، وهنا يبرز دور الشيطان كعاملٍ إضافي إلى هوى النفس، إلى الاتّجاه السلبي، إلى الحالة السلبية، التي تتنامى في نفسية الإنسان نتيجةً لاتّجاهه الخاطئ، اتّجاهه في طريق الشر، في الطريق السيء، فيكون أكثر تقبلًا لوساوس الشيطان وإغوائه، والشيطان هو عدوٌ مبينٌ للإنسان.
اللهُ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” حذّر البشر جميعاً، حذّر بني آدم من الشيطان، وبيَّن لهم أنه عدوٌّ مبين لهم، يستهدفهم جميعاً، يستهدف كُـلّ المجتمع البشري، والحديث عن الشيطان في القرآن حديثٌ مهمٌّ جِـدًّا، ومع معرفة البشر جميعاً بأنه عدوٌ لهم، وهم يذمونه، ويلعنونه، وينظرون إليه كعنصر شر، وعدو، وسيء، ورمز للشر، ورمز للسوء، ورمز للفجور، ورمز للكفر، لكن الكثير منهم يتأثرون به، وتغيب -في كثيرٍ من الأحوال- لدى الكثير من الناس في ذهنيتهم حالة الاستحضار للشيطان، وعدائه الشديد، ومساعيه المُستمرّة لإغواء الإنسان.
ما أكثر حالة الغفلة لدى الكثير من الناس، عن خطورة الشيطان، عن مساعيه لاستهدافهم، بل البعض في حالةٍ معينة، أَو مقامٍ معين، وهو يتأثر نفسيًّا، سواءً وراء رغبة، أَو وراء انفعال، نحو اتّجاه سيء، أَو عملٍ سيء، أَو موقفٍ سيء، أَو تصرفٍ سيء، عندما تذكره وتحذره من الشيطان، قد يسخر منك، ويرى نفسه وكأنه بمنأى عن مسألة أن يؤثر فيه الشيطان وهو في تلك الحالة السلبية.
ولذلك من المهمّ جِـدًّا أن يلحظ الإنسان ما ورد في القرآن الكريم، عن الشيطان، وعن خطورته، وعن عدائه الشديد للإنسان، وعن أساليبه في الاستهداف للإنسان، وعن الثغرات التي ينفذ من خلالها للتأثير على الإنسان.
في القرآن الكريم يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” مخاطبًا لكل المجتمع البشري: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ}[فاطر: من الآية 5]، وعد الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” بالحساب والجزاء، والجنة والنار، وعد الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في عاجل الدنيا وآجل الآخرة، فيما وعد به الإنسان، وعد الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” المتعلق بما يترتب على أعمالنا، وتصرفاتنا، ومواقفنا؛ هو حق، لا شك فيه، وهو آتٍ، وهو متحقّق، لا ريب في ذلك.
{فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ}[فاطر: من الآية 5]، الغَرور من هو؟ الذي قد يسعى لأن يغركم، لأن يجعلكم تغفلون عن الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وعن المسؤولية ما بينكم وبين الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ويسعى لإبعادكم عن طاعة الله، وعمَّا فيه الخير لكم.
{إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أصحاب السَّعِيرِ}[فاطر: الآية6]، هو الشيطان، الغَرُور: هو الشيطان، الذي يسعى لأن يغركم، لأن يجعلكم تغفلون عن الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وعن وعده، وعن وعيده، وعن المسؤولية أمامه، ويسعى أن يجركم إلى هلاككم، إلى خسرانكم.
{إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ}، عدو بكل ما تعنيه الكلمة، عدوٌ مبين، حاقدٌ عليكم، يسعى لهلاككم، يسعى لخسارتكم، يسعى لإلحاق أكبر الضرر بكم، يسعى لمضرتكم، ولما فيه الخطر عليكم، هو عدو بكل ما تعنيه الكلمة، وعداء شديد جِـدًّا.
{إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً}، وهذا ما يفقده الكثير من الناس: هم لا يتخذونه عدوًا؛ ولذلك فحالهم مهيأ لأن يؤثر عليهم، ولأن تنفذ مؤامراته عليهم، ولأن يستطيع أن يدفع بهم إلى ما فيه خطرٌ عليهم وشرٌ لهم.
من شدة عدائه وحقده، هو كما قال عنه: {إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أصحاب السَّعِيرِ}، وهم حزبه، الذين استجابوا له، الذين اتجهوا في الاتّجاه السيء، الذي أراد أن يتجهوا فيه، وسعى لأن يتجهوا فيه، وأصبحوا يوالونه في واقعهم، أصبحوا في واقعهم موالين له؛ لأَنَّهم يتجهون الاتّجاه الذي يريده، ويعملون في واقع الناس -في واقع المجتمع البشري- الأعمال التي يريدها هو:
- ينشرون الفساد.
- يضلون عباد الله.
- ينشرون الفتن.
يفعلون الأفاعيل السيئة، التي يسعى لأن تكون هي سائدةً في واقع المجتمع البشري، فهم يعملون ما يرغب هو أن يعملوه، ويتجهون الاتّجاه الذي يريد هو أن يتجهوا فيه، مع هذا لا يقدر لهم ذلك، ولا تتغير نفسيته تجاههم، فيقول: [بما أنهم أصبحوا يوالونه، يتجهون اتّجاهه، وهم في نفس الطريق الذي يريد منهم، فيغيِّر موقفه نحوهم بشكلٍ إيجابي]، لا، هو يرتاح بأنه نجح في أن يتجه بهم إلى، حَيثُ يصل بهم إلى قعر جهنم، إلى أكبر خطر، إلى أشد العذاب، إلى أكبر الخسران، هذا حاله مع من؟ مع حزبه، يدعوهم، ويسعى لأن يصل بهم وأن يورطهم ليكونوا من أصحاب السعير (من أصحاب جهنم)، ليصل بهم إلى نار جهنم، ليحترقوا فيها، ويتعذبوا فيها، وهو يعتبر هذه أشد طريقة لإلحاق أكبر الضرر بالإنسان، وفعلًا لا يوجد طريقة أُخرى أكبر ضرر منها، تُلحق أكبر ضرر بالإنسان منها، أكبر ضرر بالإنسان: أن يوصله إلى جهنمَ، إلى نار جهنم، ليتعذب للأبد، ليلقى أشد العذاب، ليخسر الجنة، ويخسر رضوان الله، ويعيش شقيًّا للأبد، يرى أنها أكبر طريقة يوجه بها أكبر ضربة للإنسان، هذا حاله مع حزبه، إذَا هو عدوٌ شديد العداء للبشر جميعاً.
وفي القرآن الكريم يبين أَيْـضاً بداية المشكلة، كيف بدأت المشكلة مع الشيطان، يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأرض وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قليلًا مَا تَشْكُرُونَ (10) وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (11) قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ، إذ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ}[الأعراف: 10-12].
البداية بدأت منذ استخلاف الإنسان على الأرض، والإشكال الذي حصل نتيجةً لذلك، والتساؤلات بين أوساط الملائكة، وعندما استخلف الله الإنسان على الأرض، وهيَّأ له فيها معايشه، ومكَّنه في الأرض، من بداية خلق الإنسان، بخلق الإنسان الأول الذي هو أبونا آدم “عَلَيْهِ السَّلَامُ” أسجَدَ الله له الملائكة، والقصة طويلة (في سورة البقرة) لسنا في سياق الحديث عن تفاصيلها، عندما أتى الأمر بالسجود لآدم سجد الملائكة كلهم أجمعون، إلا إبليس، إبليس امتنع عن السجود لآدم.
إبليس كان بين أوساط الملائكة؛ أمَّا أصله فهو من الجن، في الآية الأُخرى (في سورة الكهف): {إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ}[الكهف: من الآية50]، أصله في خلقه وتكوينه من الجن، من عنصر الجن، وليس من عنصر الملائكة، ولكنه ارتفع إلى أوساط الملائكة، وبقي بينهم يتعبد لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” زمنًا طويلًا؛ حتى صار في جُملتهم، أصبح أَيْـضاً مأمورًا بما يُؤمرون به من الأوامر العامة، ولذلك شمله الأمر بالسجود، فبعد تعبُّده لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” لزمنٍ طويل في أوساط الملائكة، في السماوات، وبعد أن وصل إلى مرتبة من العبادة، في بعض الأخبار: (أنه بقي يتعبد الله -في السماوات مع الملائكة- لآلاف السنين).
عندما أتى ذلك الاختبار عاند، وعصى أمر الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وكشف عن حقيقةٍ كامنةٍ في نفسه: هي الكبر والكفر، فاستكبر، وأبى السجود، وامتنع، واعترض على مسألة السجود لآدم، تبعًا لمسألة الاستخلاف في الأرض؛ وحينها طرده الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” من السماء، ولعنه، وخذله: {قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ}[الأعراف: الآية13]، طُرد بإذلال وإهانة، وأصبح من الصاغرين، هو تكبر، وأراد أن يكون كَبيراً، وأن يتعاظم، فإذا به أُذِلّ وأُهين، وأصبح صاغرًا ذليلاً، مذمومًا مدحورًا، مطرودًا مرجومًا، {فَٱخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ ٱلصَّٰغِرِينَ}.
فما حدث له، نتيجةً لكفره وتكبره، وعصيانه، التي معصيته تلك -ربما- كانت أول معصية يُعصى الله بها، فلطرده من مقامه ذلك، ومن السماء صاغرًا، استكبر، وغضب، وحقد أشد الحقد على الإنسان، الإنسان ليس فقط آدم وحده، على المجتمع البشري بشكلٍ عام، حقده على كُـلّ الناس، على آدم وذريته إلى آخرهم، إلى آخر إنسان، حقد شديد جِـدًّا، ولذلك ماذا طلب؟ {قَالَ أَنْظِرْنِي إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}[الأعراف: الآية14]، لماذا طلب الإنظار إلى يوم البعث؟ يريد أن يسعى لهلاك كُـلّ المجتمع البشري، لهلاك كُـلّ الأجيال في المجتمع البشري، جيلًا بعد جيل، يريد أن تكون حربه وأن يكون استهدافه لهم جميعاً، وليس فقط مع آدم لوحده، أَو لجيلٍ وحده، يريد أن يسعى لهلاك أكبر قدر ممكن من البشر، هذا حقد شديد جِـدًّا عنده.
{قَالَ أَنْظِرْنِي إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (14) قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ}[الأعراف: 14-15]، هو هنا كشف له، وليس استجاب لدعوته وطلبه، وإنما كشَفَ له أنه منُظَرٌ، وأنه سيتأخر، وسيطول عمره جِـدًّا، {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْـمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ إيمَـانهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أكثرهُمْ شَاكِرِينَ (17) قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَـمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ}[ الأعراف: 16-18 ].
فهو طُرد، وذهب من السماء مطرودًا، وهو يحمل أشد الحقد والعداء، لآدم ولذريته عبر الأجيال، وهو يتجه إلى السعي والعمل لإهلاك أكبر قدرٍ منهم، لكن عن طريق ماذا؟ هل يمتلك القدرة على الإضرار بهم رغمًا عنهم؟ هل يمتلك القدرة على أن يرغمهم ليسيروا في طريق الشر والفساد؟ لا، إنما يسعى عن طريق الوسوسة، عن طريق الإضلال، عن طريق الإفساد، وهو بذلك يسعى إلى استغلال هوى النفس لدى الإنسان، الميول السيئة، التوجّـهات السيئة، إذَا اتجه فيها الإنسان نفسه، حينها يحاول أن يدخل على الخط؛ ليحاول أن يؤثر على الإنسان أكثر فأكثر، فهو يسعى لإغواء الإنسان؛ لأَنَّها أكبر طريقة للاستهداف للإنسان، وإلحاق أكبر الضرر به، ويستخدم الوسوسة في السعي لذلك.
طريقة شياطين الجن، وعلى رأسهم كبيرهم إبليس لعنه الله: هي استخدام الوسوسة في السعي للتأثير على الإنسان، كما في قصة آدم وحواء “عَلَيْهِمَا السَّلَامُ”: {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآَتِهِمَا}[الأعراف: من الآية 20]، وفي (سورة طه): {فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آَدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى}[طه: الآية120].
ما هي الوسوسة التي يستخدمها إبليس، ويستخدمها شياطين الجن في التأثير على الإنسان؟ الوسوسة: هي طريقة خفية لإحداث الأثر، أَو التأثير النفسي والذهني في الإنسان، فمثلًا: في الحالات التي تتحَرّك فيها رغبات الإنسان، ويبدأ يفكر تفكيرًا خاطئًا لتلبية رغبات نفسه، وشهوات نفسه، من خلال أعمال سيئة، أَو تصرفات سيئة، تظهر مثل هذه الحالة النفسية، وما يتزامن ويترافق معها من اهتمام ذهني وتوجّـه ذهني، قد تظهر للشيطان، يعني: يلحظ -من واقع ذلك الإنسان- أنها تحَرّكت في نفسه مشاعر الرغبات والأهواء والشهوة النفسية، وبدأ يفكر في الموضوع، ففي حالة الوسوسة، التي فيها مداناة واقتراب، وفيها إضافة خواطر معينة تحَرّك الإنسان أكثر، وتحفزه أكثر، لأن يتجه ذلك الاتّجاه السيء، لتلبية رغبات نفسه، فهنا في مثل تلك الحالة، يشعر الإنسان أن تلك الرغبات، التي تحَرّكت بدايةً في نفسه، يشعر بأنها ازدادت، كحالة توجّـه نحو العمل السيء، وذهنيته كذلك، تفاعلت بخواطر إضافية، وتفكير أكثر، وانشداد ذهني أكثر، نحو تلك الأعمال السيئة، لتلبية الرغبة النفسية.
فالشيطان يتدخل كعامل إضافي لدى الإنسان، مستغلًا تلك التفاعلات لدى الإنسان، للرغبة النفسية، في حالة الرغبة، وذلك التوجّـه في التفكير السلبي والتفكير السيء، الذي يسعى لإيصال المزيد من الخواطر السيئة إليه، فيتفاعل الإنسان أكثر وأكثر، وخُصُوصاً إذَا فصل نفسه عن المؤثرات الإيجابية، التي تردُّه عن ذلك الاتّجاه السيء.
في حالة الانفعالات كذلك، يظهر في الإنسان واقع الغضب، تظهر فيه حالة الانفعال والغضب، ويبدأ الإنسان -مع تلك الحالة النفسية- يفكر التفكير السيء، الذي يؤجج الحالة النفسية فيه، والانفعالية، أكثر وأكثر، فالشيطان بمقاربته ومداناته يزيد من تفاعل تلك الحالة النفسية، كما تقرب الحرارة من الحرارة، النار من النار؛ لأَنَّ الشيطان كتلة من الحالة السلبية والسيئة، تزداد الحالة السلبية في الإنسان أكثر، وتتأجج حالة الانفعال فيه أكثر، ويضيف، يوصل المزيد من الخواطر السلبية لدى الإنسان، التي تزيد من تفاعله وانفعاله واتّجاهه نحو عمل سيء، نتاجًا لتلك الحالة النفسية، وذلك التفكير السيء، تلك هي حالة الوسوسة.
والكثير من الناس يتصور وهو في مثل تلك الحالة: إمَّا في حالة الرغبة، وإمَّا في حالة الانفعال والغضب، وإمَّا في حالة المخاوف، ونفسه تعتمل فيها (تتحَرّك فيها) تلك الحالة: (من رغبة، أَو مخاوف، أَو انفعالٍ وغضب)، وذهنيته تتجه، يتصور أنه لوحده، لا يدرك أنه قد انضم إليه في تلك الحالة شيطانٌ من شياطين الجن، إبليس يُحَرِّك شياطينه الكُثُر، والذين على مدى الزمن أصبحوا ينشطون، وربما تتطور أنشطتهم كما تتطور الأنشطة في الواقع البشري، وأساليبهم في الاستقراء لواقع الناس، ومشاكلهم، وقضاياهم، واهتماماتهم، وتفكيرهم، ورغباتهم، وانفعالاتهم، فيعملون على أَسَاس ذلك -مع طول الزمن، وما قد اكتسبه من خبرة في ذلك- يعملون على التأثير من خلال ذلك على الإنسان.
لأهميّة الموضوع، ولما يتعلق به من تفاصيل كثيرة، نستكملُه -إن شاء الله- في محاضراتٍ قادمة.
نَسْأَلُ اللَّهَ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أَنْ يُوَفِّقَنَا وَإِيَّاكُمْ لمِاَ يُرضِيهِ عَنَّا، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهَدَاءَنَا الأَبرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسْرَانَا، وَأَنْ يَنصُرنَا بِنَصْرِه، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء.
وَالسَّــــلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَــــةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتـــُه.