بعد انسحاب “بلاك ووتر” من الجحيم الـيَـمَـني.. الإمَارَات تستجلبُ توأمَها الأقذرَ في أَمريكا؛ لتحقيق النصر المستحيل
مرتزقةٌ متوحشون جُـــدُد، يُعَدّون الأسوأَ والأقذرَ في الولايات المتحدة، تتعاقد معهم الإمَارَات للقتال بالنيابة عنها في الـيَـمَـن، بعد هروب مرتزقة “بلاك ووتر” وهزيمتهم أمام شراسة وصلابة المقاتل الـيَـمَـني، ومراقبون يعتقدون أن الاعتمادَ الإمَارَاتي على جيوش الظل، أَسْبَـابه الرغبة في تثبيت نفوذها بعدن، والتهرب من العدالة الدولية.
صدى المسيرة/ حسين الجنيد
نشرت صحيفةُ “نيويورك تايمز” في افتتاحيتها خبرَ تعاقُد الإمَارَات مع شركة “داين كورب” الأَمريكية، المتخصَّصة في مقاولات الحروب بالوكالة، وذلك لاستقدام مرتزقة للقتال في الـيَـمَـن، ضد مَن أسمتهم بـ “بالحوثيين الانقلابيين”، ضمن إطار التحالف الذي تقوده السعودية وتشارك فيه دولة الإمَارَات وعددٌ من الدول العربية “السُّنية” حسب تعبيرها، وأكدت الصحيفة عن طريق مصادر وصفتها بالمطلّعة، عن وصول أولى دفع مقاتلي الشركة والبالغ عددهم 420 مرتزق إلى أحد الموانئ القريبة من عدن، وأوضحت الصحيفة “أنَّ هذه الشركة تعد ثاني شركةٍ أمنية تتعاقد معها الإمَارَات، بعد أن قرَّرت شركة “بلاك ووتر” سحب مقاتليها من الـيَـمَـن بعد مقتل العشرات من عناصرها، في ظل تكتمٍ شديد من قبل القائمين عليها، على عدد الذين لاقوا حتفهم في الحرب الـيَـمَـنية، التي ظن عناصرها، بأن المهمة ستكون بالنسبة لهم حماية منشئاتٍ حيوية وهامة في عدن، وإشراف على تأسيس وتدريب مليشيات”، واختتمت الصحيفة افتتاحيتها، بنصيحةٍ لعناصر شركة “داين كورب”، بقراءة مذكرات العائدين من الـيَـمَـن، من عناصر” بلاك ووتر”، حيث اقتبست بعضاً مما كتبه “خورخي دا سيلفا” أحد العناصر العائدين من الـيَـمَـن، على حائط مدونته “تباً لكم، لماذا لم تخبرونا أننا سنذهب للقتال في الجحيم، وأن فرصة الموت أكبر من الفرار”.
خفايا وجرائمُ “داين كورب” السرّية
ومن خلالِ البحث في تأريخ هذه الشركة، تجمع المصادر أنها أحدُ أسوأ الشركات الأَمريكية العاملة في مجال تجنيد المرتزقة، وتفيد المصادرُ أن “دين كورب” هي شركة عسكرية خاصة، تأسست في عام 1946 م، يقع مقرُّها في فرجينيا، الولايات المتحدة.
بدأت كشركة طيران، تقومُ بتوفير عمليات التشغيل والدعم والتدريب والتوجيه وبرامج التطوير الدولية في مجال الطيران، والتدريب، وتشغيل وصيانة المركبات البرية، وتقول المصادر إنَّ الشركة مَـرّت بمراحلَ توسّعية في أنشطتها، وُصُــولاً لتجنيد المرتزقة، وإبرام عقود الحروب بالوكالة.
وفي تقريرٍ لمنظمة “غلوبال بوليسي فورم” الأَمريكية عن هذه الشركة، أن معظم عناصرها ومجنديها يحملون الجنسية الكولومبية، وذلك لخبرتهم الكبيرة والواسعة في حروب العصابات والمدن، حيث كان لها نصيب الأسد من العقود المبرمة مع الحكومة الأَمريكية، فيما عُرِفَ “بحرب الكوكايين”، في مواجهة كبرى العصابات الكولومبية الناشطة في تصنيع وتهريب المخدرات إلى الولايات المتحدة.
وأضاف التقرير” أن هذه الشركة، وصمةُ عارٍ في التَّأريخ الأَمريكي لأنشطتها القذرة وأساليب العنف التي ينتهجها العناصر العاملين فيها، وأعمالها الإجْــرَامية المخالفة لنصوص القوانين والضوابط والإجراءات القياسية لعمل شركات الأمن الخاصة”، وذكر التقريرُ نماذجَ عن هذه الأعمال الإجْــرَامية من ضمنها “جرائم الإتجار بالبشر والدعارة المنظمة في بالبوسنة، في تسعينيات القَرْن الماضي والتي نُسِبَت لقوات حفظ السلام التابعة للأُمَــم المتحدة آنذاك حتى أثبتت الأدلة اقتراف هذه الشركة لتلك الجرائم، وعمليات النهب والاستخراج غير الشرعي للثروات والموارد الطبيعية في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وجرائم إبادة جماعية لقرى بأكملها في أفغانستان، أواخر عام 2003م”.
كما نشرت صحيفة “وال ستريت جورنال”، في شهر ديسمبر عام 2009 م، مقالاً عن جرائم شركة “داين كورب”، تضمن عمليات تهريب عناصر الشركة للمخدرات والأسلحة على الحدود الأَمريكية، بعد أن وقّعت الشركة عقود أمنية في مجال “محاربة المخدرات” في كولومبيا!
واستشهدت الصحيفة بأقوال العديد من عناصر الشركة، حيث قال أحدهم ويدعى “روبيرت كول”: “أنه تم غسيل أدمغتهم وبرمجتهم؛ ليتحوّلوا إلى قَتَلة محترفين”، وأضاف كول “أنَّ أهمَّ الدروس التي تم تدريسها لهم في العراق هي “أن العراقيين لا يفهمون إلا القوة”، وقد قيل له أثناء التدريب “أطلق النار أولاً ثم فكر لاحقاً”.
وضَجّت الصحفُ الأَمريكية عام 2009 بفضيحة أخرى للشركة، عُرِفَت بـ “فضيحة السفارة في كابول”، حيث قام مجموعةُ من العناصر التابعين لها والمكلفين بحماية السفارة الأَمريكية في كابول بأفغانستان، بالرقص والقيام بطقوس غريبة ومهينة وهم عُراة تماماً، وانتشرت صورهم بشكل كبير في المواقع الإلكترونية، فيما خلت السفارة من الحراس، وأعلنت وزارة الخارجية الأَمريكية بعد ذلك طرد ثمانية حراس بالإضافة لرؤسائهم.
وانفجرت بعد هذا الحادث سلسلةٌ أخرى من الفضائح التي تم التكتم عليها آنذاك، ومنها بيع الأسلحة في السوق السوداء للجماعات التي تقاتلها أَمريكا، ومنها طالبان والاتجار بالبشر وخصوصاً الفتيات في سوق الدعارة، حيث كشف الرئيس السابق للشركة “جيمس قوردن” في حديث لشبكة “سي بي إس نيوز”، أن أحد العاملين في الشركة أراد شراء فتاة بمبلغ 20 ألفَ دولار وزعم أنه قادرٌ على استرجاع المبلغ بفوائد بعد شهر واحد فقط.
كما كشف غوردن في اللقاء أنّ الشركة رغبت بقوة في الفوز بالصفقة فقدمت أقل سعر وهو 189 مليون دولار واستأجرت نظيرَ ذلك 400 مرتزق غير مؤهلين، ومشكوك في ماضيهم مما تسبب في سيل الفضائح المتوالية من كابول.
بلاك ووتر والانسحابُ المثقلُ بالنعوش
وَفيما يتعلق بالتعاقد الإمَارَاتي مع شركة “داين كورب”، يرى مراقبون محليون أن هذا التعاقد جاء بعد الصفعة المذلّة التي تلقتها الإمَارَات بإعلان مرتزقة “بلاك ووتر” الشركة التي تعاقدت معها سابقاً واستجلبتهم للقتالِ نيابةً عنها، الانسحابُ المفاجئُ من الـيَـمَـن، وذلك لارتفاع نسبة ضحاياها في المعارك التي خاضوها أمام أبطال الجيش واللجان الشعبية في باب المندب وذو باب والوازعية؛ ولضَراوة وشراسة المقاتل الـيَـمَـني التي لم تكن في حُسبانهم ولا في حساباتهم، حين اعتقدوا وصدّقوا الأساطير التي نسجتها السينما الأَمريكية والإعلام الغربي عنهم، أنهم مقاتلو الماء الأسود الذين يغيّرون مجريات أي معركةٍ يقتحمون غمارها.
وفي تقريرٍ للزميل “أحمد داوود” والذي نشرته صدى المسيرة في عددٍ سابقٍ لها بعنوان “مرتزقة بلاك ووتر.. عصفٌ مأكولٌ في الـيَـمَـن!”، تناول تفاصيلاً عن مائة يومٍ من مشاركة مرتزقة “بلاك ووتر” في العدوان الأَمريكي السعودي على الـيَـمَـن، ومعلوماتٍ عن بعض مقاتليها، الذين لقوا مصارعَهم على أيدي أبطال الجيش واللجان الشعبية، والنعوش التي كانت تحملها طائرات الهليكوبتر لجُثَثِهم المُنتَشَلة من ساحات المعارك، حيث أكّد التقريرُ “أنّ في الثالث من يناير الماضي لقي عددٌ من مرتزقة “بلاك ووتر” مصارعَهم، بينهم نقيب أَمريكي وإصابة فرنسي في قصفٍ صاروخي للجيش واللجان الشعبية، لتجمعٍ لهم في منقطة ذو باب بمحافظة تعز، وفي الثالث والعشرين من شهر ديسمبر من عام 2015 م، لقي أحدُ مرتزقة “بلاك ووتر” ويُدعى “اليخاندرو تورينوس” مصرعَه خلال قصفٍ صاروخيٍّ استهدف تجمعاً للغزاة في منطقة ذو باب بتعز، كما لقي عددٌ من هؤلاء المرتزقة مصارعَهم في 18 ديسمبر 2015 م، في محاولة للتقدُّم في تعز ومن بينهم عريف أَمريكي من أصول باكستانية يدعى “جاويد ألطاف خان” ومرتزق آخر يدعى “صموئيل بريبوتاتانا راوندي”، وكان من بين القتلى أيضاً إيطالي يُدعى “أبيتي كاربوني”، وَجنوب أفريقي يدعى “مازولو كنياتي”، وفي 14 ديسمبر 2015 م، لقي الأَمريكي المتورِّط في أعمال إجْــرَاميةٍ بالعراق “جورج إدغر ماهوني” مصرعه وذلك في ضربة التوشكا التي استهدفت بابَ المندب، كما لقي قائد كتيبة مرتزقة “بلاك ووتر” الكولومبي “كارل” مصرعه في هذه الضربة، وقبلها بيومين في 12 ديسمبر 2015، لقي مرتزقٌ تابعٌ لشركة “بلاك ووتر” الأَمريكية مصرعه في قصفٍ مدفعيٍّ استهدف نقطة تجمعٍ لهؤلاء المرتزقة في منطقة كرش بمحافظة لحج”.
وأشار التقريرُ إلى ووصول طائرة بوينج إلى مطار عدن في 11 ديسمبر 2015 م، كانت تقل دفعةً جديدةً من هؤلاء المرتزقة وعددهم ما يقارب 200عنصر.
كما أكد التقرير مصرع مسؤولُ عمليات مرتزقة “بلاك ووتر” الأَمريكية، يُدعى “ماسياسي باكنباه” مكسيكي الجنسية في جبهة العمري بمحافظة تعز.
ومن جهةٍ أخرى، يعتقد بعضُ المحللين السياسيين والمراقبين المحلّيين “أنّ التعاقُدَ الإمَارَاتي الثاني لاستجلاب مرتزقة أجانب للقتال في الـيَـمَـن، واختيارهم لشركة “داين كورب “الأسوأ إجْــرَاماً وسمعةً من شركة “بلاك ووتر” يندرج تحت عنوان الرغبة الإمَارَاتية الحثيثة لاحكام قبضتها وسيطرتها الأمنية على عدن مهما كانت النتيجة والجرائم التي سيقترفها عناصر ومرتزقة هذه الشركة، وذلك بعد الانفلات الأمني الذي تشهده المدينة، والذي وصل لذروته في الآونة الأخيرة، بسبب سعي السعودية لإفشال النفوذ الإمَارَاتي في عدن، على خلفية صراع النفوذ الناشب بينهما على هذه المدينة الاستراتيجية والحيوية”.
جيوشُ الظل، أدواتٌ للهروب من العدالة الدولية
الجديرُ بالذكر، أنّ ما يميَّــزَ هذه الشركات الأمنية ويثير اهتمام الراغبين بخدماتها في الحروب، تأديتها لنفس المهام العسكرية التي تؤديها الجيوش، بعيداً عن عيون الرقيب، وعدم اكتراثها بالأعراف الدولية، فلا تتم ملاحقتها ولا تعتبر أفعالها مهما بلغت بشاعتها ضمن مسؤولية الدولة المستعينة بخدمات تلك الشركات.
ووصفت الدكتورة “أنجيلا سنيل” الباحثة الأَمريكية في جامعة إلينوي- كلية القانون، التعاقد مع هذه الشركات أنه “طريقة مريحة لحكومة الولايات المتحدة وغيرها من الحكومات الأخرى؛ للتهرب من التزاماتها القانونية، بما في ذلك مسؤولية حماية حقوق الإنْسَـان والمدنيين في الحرب والسلم، من خلال السماح للأفراد والشركات الخاصة، بدلاً من الجهات الرسمية الحكومية، لأداء المهام الحربية نيابة عن جيوشها”.
يقول “إريك برينس”، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة “بلاك ووتر”: “إنَّ خصخصة الحرب تضمن كفاءة عسكرية أكبر وتقلل من الإسراف في الإنفاق”. ويضيف برينس “ما نحاول القيام به لجهاز الأمن الوطني، يوازي ما تقوم به شركة فيديكس للخدمات البريدية الحكومية، فنحن نقدم الخدمات نفسها بشكل أفضل وأسرع وأرخص”.
هذا وتفيدُ المراجعُ والمصادر، أنّ أول شركةٍ أمنية تأسست في العالم هي “ووتش قارد إنترناشونال” البريطانية، قام بتأسيسها “ديفيد سترلينغ”، “وجون وودهاوس”، عام 1956م، ومن المصادفات الغريبة، أنَّ أولى مهام هذه الشركة كانت في الـيَـمَـن لمساندة قوات الاحتلالِ البريطاني في عدن، ثم توسّعت لدول أخرى أفريقية وآسيوية.
ويعتقدُ البعضُ أنَّ “الارتزاقَ” ظاهرةٌ مرتبطةٌ بالدول الفقيرة أو النامية، حيث يقتات البعض على آلام الآخرين أو أن الشُّعْث الغُبْر المنقطعة بهم السُّبُل هم الأقرب لهذه الأعمال القذرة، لكن ذلك غير صحيح، ففي الولايات المتحدة مرتزقةٌ مهندمون بشعرٍ أشقرَ وعيون ملونة، وتحت مسمياتٍ براقةٍ لشركاتٍ تتنافس فيما بينها، والأدهى أنّهم برعاية الحكومة الأَمريكية، التي تحتضنُ هذه الشركات وتتعاقدُ معها بل وتحميها من الملاحَقَة الدولية، ابتداءً برفض الولايات المتحدة وبريطانيا التوقيع على الاتفاقية الدولية التي تجرّم أعمال المرتزقة، التي أقرّتها الأُمَــم المتحدة في، الرابع من ديسمبر 1989 م، والمعروفة بـ “الاتفاقية الدولية لمناهضة تجنيد المرتزقة واستخدامهم وتمويلهم وتدريبهم”، وجرّمت كُلّ مرتزق وكل من يقوم بتجنيد أو استخدام أو تمويل المرتزقة، كما حظرت على الدول تجنيدهم واستخدامهم، إذ لا يتمتع المرتزق بوضع المقاتل أو أسير الحرب.