غزوةُ بدر.. الدروسُ والعِبَـر (١)..بقلم/ عدنان علي الكبسي
القرآنُ الكريمُ -في سورة الأنفال- قدَّم لنا عرضًا عظيمًا ومهمًّا، وغنيًّا بالدروس والعبر، ومليئاً بالحقائق المهمة التي تستفيد منها الأُمَّــة في موقفها العسكري، وفي صراعها مع أعدائها، وفي مواجهتها للتحديات والمخاطر، خَاصَّةً والأمة الإسلامية مظلومة مقهورة مغلوبة على أمرها، تواجه الكثير من المخاطر، تواجه الكثير من الأخطار، فالأمة تحتاج في واقع كهذا إلى الاستفادة من التاريخ، لا سِـيَّـما تاريخنا، واستلهام الدروس والعبر منه، والاقتدَاء بقدوتنا وأسوتنا وهادينا رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله-.
ولكن في البداية: ما هي دوافع غزوة بدر الكبرى؟! ولماذا حدث الصراع بين المسلمين وقريش؟! وهل كانت قافلة قريش التجارية بغرض سد حاجات مجتمع قريش المعيشية والاعتيادية، أم كانت قافلة تجارية تمويلية لمعركة تخطط لها قريش ضد المسلمين؟! وهل قبل هذه المعركة كانت قريش قد تركت المسلمين وشأنهم من بعد هجرتهم إلى المدينة؟!
كان من بعد الهجرة كُـلّ من يشهر إسلامه في مكة يتعرض إما للقتل، وإما للاعتقال والتعذيب والاضطهاد، وتصادر أموالهم وممتلكاتهم، إلا القليل جِـدًّا الذين لهم حماية لاعتبارات أسرية، أَو قبلية، أَو نحو ذلك، وكانت حالات قليلة.
تحَرّكت قريش في المحيط العربي مستغلةً نفوذها بين أوساط القبائل لتحاصر الإسلام والمسلمين في المدينة المنورة، ونشطت في عملية فرض حصار اقتصادي على المسلمين، لتكون الحركة التجارية من المدينة إلى المناطق العربية الأُخرى محفوفةً بالمخاطر، وعُرضةً للاستهداف، وعُرضةً للقمع والقتل، وهذا سبَّب ضائقة للمسلمين في المدينة المنورة، ونتج عنه معاناة كبيرة لمجتمع المدينة المنورة.
ثم بدأت قريش بالتحضير لعملية عسكرية واسعة تستهدف النبي والمسلمين إلى المدينة، وبدأت بالإعداد الاقتصادي بدايةً من هذه القافلة التجارية العائدة من الشام، والتي كانت عبارة عن قافلة التموين للعملية العسكرية التي ستتحَرّك للقضاء على النبي -صلوات الله عليه وعلى آله- وعلى المسلمين في المدينة؛ فكانت القافلة ذات طابع عسكري متحَرّكة لهدف عسكري.
كانت قريش عدوة واضحة، فتنت وعذّبت وقتلت وضايقت وهجّرت ونهبت الأموال والممتلكات في مكة، وحاربت إعلاميًّا، متحَرّكة بكل أنشطتها العدائية، حاملة راية العداء للإسلام والمسلمين ونبي الإسلام، واستفادت من قوتها العسكرية وإمْكَاناتها المادية، وموقعها الاجتماعي الاعتباري، وحاولت أن تستغل تواجدها في مكة بجوار بيت الله الحرام كما يفعل اليوم النظام السعوديّ، الذي يسوّق لنفسه، ويجعل من سيطرته على مشاعر الحج وعلى الكعبة (البيت الحرام) وسيلة دعائية، لخداع الكثير من الناس، والله قال في كتابه الكريم: {وَمَا كَانُواْ أولياءهُ إِنْ أَوْلِيَآؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ}، قال أيضاً: {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَاجِدَ الله شَاهِدِينَ عَلَى أنفسهِمْ بِالْكُفْرِ}، والذي من الطبيعي أن يتحَرّك المسلمون للتصدي لهذا العدوّ، كما هو من الطبيعي أن يتحَرّك الشعب اليمني لمواجهة النظام السعوديّ الذي ارتكب أبشع الجرائم في حقه، وذنب اليمنيين هو: تحرّرهم من هيمنة الطاغوت، تحرّرهم من سيطرة المستكبرين، من سيطرة الظالمين والطغاة والمستكبرين؛ فيكون هذا ذنباً كَبيراً بالنسبة لهم، {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ}، ذنب اليمنيين أنهم كفروا بالطاغوت الأكبر (أمريكا).
من أهم الدروس من هذه الغزوة والتي نحتاج إليها في هذه المرحلة، كيف يتحقّق الحق؟ كيف يُدفع الشر؟ كيف بالإمْكَان إقامة العدل؟ كيف بالإمْكَان وقف العدوّ عند حده من العدوان والبغي والإجرام؟ كيف تصد بطشه وجبروته؟
رسولُ الله -صلوات الله عليه وعلى آله- قُدوة لنا في تحَرّكه {كَمَا أَخرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيتِكَ بِالحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ المُؤمِنِينَ لَكَارِهُونَ}، فالله سبحانه وتعالى جعل رسول الله هادياً لنا، وقُدوةً لنا، وأسوةً لنا في كُـلّ الأمور، ولذا علينا أن نعود لدراسة سيرة الرسول الأعظم -صلوات الله عليه وعلى آله- على أَسَاس الاهتداء بحركة رسول الله -صَلَواتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلى آلِه-، والاقتدَاء به، والاستلهام للدروس والعبر من سيرته، ومن حركته؛ فقد كانت مسيرة الرسول -صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلى آلِه- مسيرة جهاد، ومسيرة تضحية، وأتت الآيات الكثيرة في القرآن الكريم التي تجعل من الجهاد في سبيل الله عنواناً رئيسياً، وفريضةً عظيمةً ومهمةً في الإسلام من أهم فرائض الإسلام، تحمي الأُمَّــة، تكسب بها الأُمَّــة المنعة والعزة والقوة، وتحرّر الأُمَّــة من ولاية الطاغوت، ومن سيطرة الطاغوت، وتحمي الأُمَّــة من الذل والهوان والاستعباد والقهر.
يكفينا درسًا من غزوة بدر أن رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- والذين آمنوا معه كانوا مجاهدين، {لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُ جَاهَدُواْ بِأَموَالِهِم وَأنفسهِم وَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الخَيرَاتُ وَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفلِحُونَ}.
بعض المتدينين الجهلة حولوا الدين إلى رهبانية، منعزلين عن المسؤوليات العامة، وعن الاهتمامات العامة، وعن القضايا الكبرى، وعن التحديات والأخطار، وكأن الدين ليس فيه أي موقف تجاه أي ظالم، ولا أي ظلم، ولا أي مستكبر، ولا أي خطر، ولا أي تحدٍ، كأن الدين ينعزل فيه الإنسان؛ فيذهب إلى المسجد ليؤدي صلواته، له شكل معين، له ملابس معينة، وكأن التدين حالة من المسكنة والخنوع، حالة من خفض الرأس نحو الأسفل، حالة معينة، وله زي معين، وشكل معين.. نمط معين! أصبح هو النمط المتدين!
والحقيقة أن المتدينين هم الذين يقتدون ويتأسون برسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- في كُـلّ الأمور، يسيرون بسيرة رسول الله، يتحَرّكون بحركة رسول الله في كُـلّ صغيرة وكبيرة.