“ويطعمون الطعام” (ح4) نماذجُ مشرقةٌ في سماءِ الإطعام والعطاء
1- الرسولُ الأكرم محمد -صلى الله عليه وآله وسلم-
المسيرة| إبراهيم محمد الهمداني
إن الحديثَ عن الرسول الأعظم، محمد -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ-، هو حديثٌ عن منتهى الكمال الإنساني، وأبهى تجليات الرعاية والتربية والعناية الإلهية، وأعظمُ نماذج الإعداد والصنع والاصطفاء الإلهي، وهو في مقام الكمال المطلق، المثل الأعلى والنموذج الأرقى، في التحلي بمكارم الأخلاق وحميد الصفات، وأعلى القيم والمبادئ، في جميع صفاته وسلوكياته وأفعاله؛ فهو كمال الشجاعة والمروءة والكرم والجود والسخاء والبذل والعطاء، وهو أجود الناس وأكثرهم بذلاً لما يقدر عليه، وهو الذي ما سُئل شيئاً قط، إلا أعطاه وجاد به، وهو الصادق في وعده، القاضي حاجة من طلبه، وكان لا يرد سائلا، ويعطي عطاء من لا يخشى الفقر، وهو كما يصفه السيد القائد يحفظه الله:- “بما أعطاه الله من الكمال العظيم، وأهَّله به، جسَّد كُـلّ مكارم الأخلاق إلى حَــدّ بلغ فيه مستوى العظمة، مستوى العظمة، فما من خُلُقٍ من مكارم الأخلاق إلَّا وهو بلغ فيه مستوى العظمة، وجاء القرآن الكريم ليعبِّر تعبيرًا جامعًا عظيمًا وراقيًا ليقول: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}[القلم: الآية 4]، الله يشهد لنبيه لرسوله محمد “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله” في هذه الآية المباركة بأنه بلغ مستوى العظمة في كُـلِّ مكارم الأخلاق”، التي جسّدت الرعايةَ الإلهيةَ الخَاصَّة، والإعدادَ العالي، لخاتم الأنبياء والمرسلين، وحامل الرسالة الإلهية الخاتمة، ليكون القائد والمعلم والمزكي والهادي والقُدوة الحسنة، في كُـلّ تصرفاته وأفعاله.
يمكن القولُ إن دلالاتِ الآية الكريمة، التي يشهد اللهُ فيها لنبيه، بأنه على خلق عظيم، هي بمثابة النافذة، التي تنقلنا على إطلالة ساحرة وعظيمة وراقية، تجلت فيها مظاهر التربية والعناية الإلهية، بهذا الإنسان العظيم، الذي امتاز بمؤهلات راقية، بلغ بها أعلى مراتب الكمال الإنساني، كما يوضحها السيد القائد يحفظه الله بقوله:-
– فهو في سلوكه، وتعامله، وتصرفاته، وأعماله، يجسد مكارم الأخلاق، وبلغ في ذلك إلى مستوى العظمة، كما قال الله تعالى:- {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}[القلم: الآية4].
– وهو في رُشدِه ووعيه وفهمه ومعارفه، وتعليماته وحكمته وبيانه، من بلغ أعلى المراتب في أنبياء الله ورسله، فكان كما وصفه الله تعالى، بقوله في القرآن الكريم: {وَداعياً إلى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا}[الأحزاب: الآية46]، فقوله تعالى: {وَسِرَاجًا مُنِيرًا} هو أرقى تعبير، يبين لنا مستوى ما كان عليه رسول الله “صلى الله عليه وآله” من الهداية والنور.
– وهو الذي اتصل بالوحي الإلهي بشكلٍ مباشر، فكل معارفه وعلومه من الله تعالى، لا تشوبها أية شائبةٍ من ضلالٍ، أَو خرافةٍ، أَو باطل، بل كما قال الله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}[النجم: 3-4].
– ثم هو في حرصه العجيب على هداية الناس، واهتمامه الكبير بإنقاذهم من الضلال، من بلغ إلى درجةٍ عجيبةٍ في ذلك، فكان يتألم أشد الألم لحالهم، إلى المستوى الذي عبَّر عنه القرآن الكريم في قول الله تعالى: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}[الشعراء: الآية3]، فيما يعنيه ذلك أنه يكاد أن يهلك نفسه حزناً عليهم.
– وهو في قدرته البيانية، ومستوى التقديم للهدى، ومواهبه في الإقناع، والتأثير إلى درجة الإقناع بالحق، ومصداقيته المعروفة، من كان يصل بالمتعنتين الجاحدين إلى مستوى الإقرار بالحق في قرارة أنفسهم، حتى ولو جحدوا بألسنتهم، كما قال الله تعالى: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ}[الأنعام: الآية33].
– وهو في حكمته، وطريقته في العمل، والتزامه بتعليمات الله له في ذلك، من قال الله عنه: {وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا}[النساء: من الآية113]”.
وهو الذي لا يمكن سبر أغواره، ولا الإحاطة بعظيم شمائله، ومكارم أخلاقه، حتى قيل أنه كان أجود من الريح المرسلة، خَاصَّة في شهر رمضان المبارك، بما يمثله من قداسة وعظمة، وبما فيه من نفحات الرحمات الإلهية، ومضاعفة الأجر والثواب، لمن صامه وقامه، وتقرب إلى الله فيه بالعبادات والنوافل والطاعات، وأعمال الخير والبر والإحسان، وإطعام الطعام للفقراء والمحتاجين، وغير ذلك من وجوه البر وأبواب القربى إلى الله تعالى، وما فيها من عظيم الثواب وجزيل الأجر من الله تعالى، وينقل لنا السيد القائد – يحفظه الله – ما رواه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب -عليه السلام-، من خطبة الرسول الأعظم -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ- عند قدوم شهر رمضان، نختارُ منها قوله عن هذا الشهر الكريم:- ((وهو شهر المواساة))، نتعوَّدُ فيه على المواساة على الاهتمام بالآخرين، على الالتفات إلى الآخرين.
((وهو شهر المواساة))، نتعود فيه على المواساة على الاهتمام بالآخرين، على الالتفات إلى الآخرين.
((وهو شهرٌ يزيد الله تعالى فيه في رزق المؤمن، ومن فطَّر فيه مؤمناً صائماً))، وفَّر له الفطر ليفطر، ((كان له عند الله بذلك عتق رقبة))، فضيلةٌ كبيرة كأنه أعتق رقبة من رق العبودية، ((ومغفرة لذنوبه فيما مضى، فقيل له يا رسول الله: ليس كلنا يقدر على أن يفطر صائما))، يعني: البعض من الناس ظروفهم صعبة، ما عنده قدرة وإمْكَانات، فقال: ((إن الله تعالى كريم، يعطي هذا الثواب من لا يقدر إلا على مذقةٍ من لبن يفطر بها صائما، أَو بِشَرْبَةٍ من ماءٍ عذب، أَو تُمَيْرَات لا يقدر على أكثر من ذلك))، يعني يعطيك الله هذا الفضل والأجر حتى بحسب ظروفك، إذَا كنت لا تمتلك من الإمْكَانات والقدرات في أن تقدم شيئاً للصائمين الآخرين إلا شربة الماء العذب، لا تقدر على أكثر من ذلك هنا ستنال هذا الأجر، أَو تميرات، أَو يسيراً من الطعام حسب ما تستطيع، ما كان بمقدورك، قدم بمستوى ما تقدر؛ أمَّا أن تتباخل لا تقدِّمُ شربة من ماء عذب ولديك ما تستطيع أن تقدمه لمن يحتاج إلى من يعطيه ما يفطر عليه، البعض يعاني من ظروف كهذه، لا يجد ما يفطر عليه”.
ويعد الإطعام للفقراء والمساكين، والإحسان بمختلف وجوهه وطرقه، من أعظم القربات والأعمال، التي يجب على الإنسان المسلم الحرص عليها، والمواظبة على القيام بها، في إطار التكافل الاجتماعي، والإسهام في إطعام جائع، من خلال التبرع لبرنامج إطعام، والمشاركة في فعل الخير، واغتنام الأجر والثواب، من الله الذي يعطي بغير حساب، ويجزي الجزاء الأوفى، ليتحقّق من خلال الإنفاق، تمام التقوى المبتغاة من فريضة الصيام، نظرا لما يعانيه أبناء المجتمع اليمني، من تداعيات العدوان والحصار، وشظف المعيشة وصعوبة الحصول على القوت اليومي، إلا بمشقة بالغة، خَاصَّة في ظل انقطاع المرتبات، ومؤامرة نقل البنك المركزي إلى عدن، والاستحواذ على عائدات الثروات النفطية اليمنية، وأول عمل من أعمال الخير، يجب على الجميع القيام به، والمسارعة في تحقيقه، هو إطعام الطعام، “ومن فطّر مؤمناً كان له عند الله بذلك عتق رقبة”، وما أعظمه من أجر، وما أعظمه من عمل، تعود آثاره الطبية على جميع أبناء المجتمع، بالخير والمحبة والتعاون والبذل، وتعزيز حالة مواجهة العدوان، وسد ثغرات الجوع والفاقة، التي قد تضعف بعض الأسر عن الاستمرار في الصمود، والإسهام في إطعام جائع، له فضل كبير وثواب عظيم، ولا يحتقرن أحد قلة ما جاد به؛ فكل عطاء وإن قَلَّ، فالحرمان أقل منه، وليس هناك ما هو أفضل من الجود بالموجود، خَاصَّةً في هذا الشهر الفضيل المبارك، شهر الخير والإحسان، الذي يجب أن يتسابق فيه أبناء يمن الإيمان، إلى إقامة ونصب موائد الرحمن، عبر التبرع لبرنامج إطعام؛ ليعم الخير الجميع، ويتحقّق بذلك فلاحهم، كما تحقّق لأجدادهم الأنصار، الذين امتدحهم الله تعالى بقوله:- “ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوقَ شُحَّ نفسِه فأُولئك هم المفلحون”.