“ويطعمون الطعام” (ح5-6) نماذجُ مشرقةٌ في سماءِ الإطعام والعطاء
إبراهيم محمد الهمداني
2- أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام:
كان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، شخصية فارقة متميزة على كافة المستويات والأصعدة، وقد رافقه ذلك التفرد والتميز، في كُـلّ محطات حياته الكريمة، بدءا من أول لحظات حياته، ومولده الشريف في جوف الكعبة المشرفة، بتلك الطريقة الإعجازية العجيبة، التي لم تكن لأحد سواه، ثم طفولته المبكرة، التي حظي فيها بتربية وعناية ورعاية، الرسول الأعظم محمد -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ- الذي صب فيه مكارم الأخلاق، وكل القيم الحميدة الفاضلة، وغذاه بالتربية العظيمة، التي توافقت مع ما منحه الله، من التهيئة والقابلية العالية، لاستيعاب واستلهام أخلاق صاحب الخلق العظيم، وعلومه ومعارفه ويقينه، فكان الامتداد الحقيقي للرسول الكريم في كُـلّ مواقفه وتحَرّكاته وصفاته وسلوكياته، ومثَّل الإسلام الحقيقي، في أبهى تجلياته وأنصع صورة، وقدم نموذج الكمال الإيماني والإنساني، في أرقى مظاهره وتجسداته؛ فكان لسان الحق، وشاهد الصدق، ومعدن المكارم، وموضع العلم، وصالح المؤمنين، وإمام المتقين، وسيد الوصيين، وأخو النبي ونفسه ووصيه وخليفته، والقائم بأمره، والمنجز عداته، والمتمثل رحمته وأخلاقه وعظيم شمائله.
لم تقف عظمة وإنسانية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، عند حَــدّ أَو نهاية، فقد كان مطلق التضحية والعطف والرحمة والإحسان والعطاء والسخاء والجود والبذل، وقد خلَّد القرآن الكريم بعضا من تلك المواقف العظيمة، الدالة على عظمة الإيثار والعطف، عند هذا الرجل العظيم وزوجته وابناهما، عليهم الصلاة والسلام جميعاً، في تلك القصة المشهورة المذكورة في سورة الإنسان، في قوله تعالى:- “وَيُطۡعِمُونَ ٱلطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِۦ مِسۡكِينٗا وَيَتِيمٗا وَأَسِيرًا”، وهذه القصة مشهورة في كتب التاريخ والسير والتفسير، وهناك إجماع كبير بين علماء المسلمين، أنها نزلت في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وفاطمة الزهراء والحسن والحسين عليهم السلام، وجاء في التيسير في التفسير، للمولى العلامة العالم الرباني، السيد بدرالدين الحوثي رضوان الله عليه، قوله:- “وَيُطۡعِمُونَ ٱلطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِۦ مِسۡكِينٗا وَيَتِيمٗا وَأَسِيرًا”، على حب الطعام وشهوته؛ بسَببِ أن هؤلاء الأبرار جائعون، لكنهم آثروا على أنفسهم ﴿مِسْكِينًا﴾ محتاجاً شديد الفقر ﴿وَيَتِيمًا﴾ صغيراً لم يبلغ، وقد مات أبوه، ﴿وَأَسِيرًا﴾ مقيداً من الأعداء، قد أخذه المسلمون في الحرب”، وقد نقل السيد المولى، في سبب نزولها، عن الإمام الهادي عليه السلام، ما أورده في كتاب (الأحكام)، من قوله:- “إن هذه الآيات من قوله تعالى: ﴿إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ..﴾ إلى قوله تعالى: ﴿فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إلى رَبِّهِ سَبِيلًا﴾ نزلت في رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم)، وعلي، وفاطمة، والحسن، والحسين (عليهم السلام)”، كما نقل عن السيوطي – وهو من كبار علماء أهل السنة – ما أورده في (الدر المنثور) عند ذكر هذه الآيات، قوله:- “وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ..﴾ الآية. قال: نزلت هذه الآية في علي بن أبي طالب، وفاطمة بنت محمد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم”.
وعن هذا المستوى العالي من الإيثار، يقول الشهيد القائد رضوان الله عليه:- “وتتجلى أحياناً الأشياء بمظاهر معينة صادقة، حَيثُ قد لا تكون عادة مظاهر جذابة، كما حصل من علي وفاطمة عليهما السلام، في إطعامهم المسكين واليتيم والأسير. ألم يكشف هناك أَيْـضاً كيف أنهم يؤثِرُون الآخرين، وكيف أنهم ينطلقون في إطعام الآخرين والاهتمام بهم وإيثارهم على أنفسهم، من منطلق ابتغاء وجه الله، وإن كان هذا الشيء الذي أعطوه وقدموه هم في، أمس الحاجة إليه”، ولا غرابة ولا عجب، أن يصدر هذا الموقف العظيم والعطاء والإيثار، من النموذج المتكامل، الذي يمثل الرسول الأكرم، والرسالة السماوية الكريمة، خير تمثيل، بوصفه المصداق الأول، لكل العناوين والصفات الإيمانية العظيمة، التي يجسد من خلالها – كما يقول السيد القائد يحفظه الله – “النموذج الإنساني الراقي، المكتمل، الذي قدمه القرآن أَيْـضاً في سورة الإنسان، في عطائه الإنساني، وهو كما قال عنه “سبحانه وتعالى”، وهو يقدم صورةً من عطائه مع أصحاب الكساء: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا 8 إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا 9 إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يوماً عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا}[الإنسان: 8-10]، وهكذا تقدمه هذه الآيات المباركة، وهو في عطائه إلى هذا المستوى، الذي يؤْثر على نفسه في أضيق الحالات، في أشد الظروف، في أقسى الظروف، على المستوى المعيشي، فيؤثر حتى بطعامه، الذي لا يمتلك غيره، يؤثر الفئات المحتاجة، من:
– مسكينٍ.
– ويتيمٍ.
– وأسير.
ويبقى جائعاً. هذا هو عليٌّ “عليه السلام” في عطائه الراقي جِـدًّا، وبإخلاص عظيمٍ لله “سبحانه وتعالى”، ليس لأهداف أُخرى، حتى على مستوى الشُّكور، على مستوى الثناء، على مستوى المديح، لم يسع لذلك من خلال عطائه، فكان ذلك النموذج الراقي في عطائه، في إخلاصه، تجسدت حالته الإيمانية:
– في اهتمامه بأمر الناس.
– واهتمامه بعباد الله.
– ورحمته بالمستضعفين.
– ودفاعه عنهم.
– وعطائه لهم.
– مع خوفٍ من الله “سبحانه وتعالى”.
– ومحبةٍ عظيمةٍ لله “جلَّ شأنه”.
– وصلةٍ إيمانيةٍ راقية”.
ويقدم لنا القرآن الكريم، صورة مشرقة أُخرى، من صور العطاء والإيثار، المتصل بأداء الصلاة، في حالة السجود بين يدي الله، فنرى هذا الرجل العظيم، وهو يتصدق بخاتمه، وهو ساجد أَو راكع في صلاة النافلة، لينزل الوحي الإلهي على النبي الكريم، مشيدا بهذا الفعل العظيم، الذي يمثل تمام وكمال الإيمان، واستحقاق الولاية بعد الله ورسوله، يقول تعالى:- “إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55) وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ”، وفي هذا السياق، يقول السيد القائد يحفظه الله:- “نجد أَيْـضاً تقديم هذه المسألة وهي قدِّمت بالمعايير والمواصفات الإيمانية العظيمة، المعايير الإلهية المهمة، نجد أَيْـضاً أنَّ الموضوع له أهميته الكبيرة في موقعه في الدين، وفي علاقته بالأمة، في قوله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}”.
ويضيف السيد القائد العلم يحفظه الله، قائلا:- “وهؤلاء بمواصفاتهم هذه يلتزمون بالتولي العملي، لله ولرسوله ولأوليائه، وللإمام عليٍ “عَلَيْهِ السَّلَامُ”، ولذلك فبتوليهم العملي الذي يبنون عليه حركتهم، مواقفهم، مسيرتهم العملية، يتحقّق لهم هذا الوعد الإلهي في نهاية المطاف: “فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ”.
مما سبق يمكن القول إن كمال التولي، مرتبط بمعايير العطاء والإيثار والإحسان، التي جسدها القرآن الناطق، في أخلاقه وسلوكياته، ونظرا لخصوصية العلاقة التي تجمعنا نحن اليمنيين، بهذا النموذج الإيماني والإنساني الراقي، يتوجب علينا التحلي بمكارم أخلاقه، وتمثيل جليل عطائه ورحمته وتكافله وإيثاره، لنحقّق بذلك تولينا الفعلي، ونجدد عهدنا بأمير المؤمنين عليه السلام، خَاصَّة وأن مجتمعنا يكتظ بالمساكين، الذين لم يترك لهم تحالف العدوان والحصار، ما يسدون به رمقهم، ومثلهم من الأيتام، الذين حرمتهم قوى الاستكبار والإجرام، نعمة العائل وحنان وعطف ورحمة الوالدين، وكذلك الحال بالنسبة للأسرى، الذين يحظون عندنا بالعزة والكرامة والكفاية الشاملة، بخلاف أسرانا الذين يتعرضون في سجون دول العدوان، لمختلف أشكال التعذيب والانتهاك، وأسوأ وأقبح صور المعاملة الوحشية والتجويع.
وما دمنا نعيش أجواء الشهر المبارك الإيمانية، فَـإنَّ صدق تولينا للإمام علي عليه السلام، ومصداق كمال إيماننا، يحتم علينا المسارعة في البذل والعطاء، والمبادرة في الإسهام – بقدر الاستطاعة – في مشاريع برنامج إطعام، وخَاصَّة مشروع الوجبة الرمضانية، فليس هناك أعظم قربة في هذا الشهر الكريم – بعد الصيام – من إطعام جائع، ومن فطَّر مؤمنا كان له عند الله بذلك عتق رقبة.
3- الأنصارُ في مقام الإيثار والسخاء “١”:
الأنصار هم مجتمع الأوس والخزرج، القبيلتان اليمنيتان، اللتان هاجرتا من أرض اليمن، إلى “يثرب/ المدينة المنورة”، منذ مئات السنين، بأمر من الملك “تبع اليماني”، ملكهم في ذلك الزمان، حَيثُ أمرهم بالهجرة إلى ذلك المكان، والاستقرار هناك، والانتظار إلى أن يظهر نبي آخر الزمان؛ فيقوموا باتباعه ونصرته، ولم يكن اختيارهم لهذه المهمة، قرارا سياسيًّا خالصا، أَو رغبة سلطوية فردية، لأهداف مادية أَو معنوية نفعية دنيوية، وإنما كانت استجابة لأمر إلهي، أوكل إليهم تلك المهمة، كما أوكل إلى أسلافهم من قبل، الهجرة إلى مكة المكرمة، لاحتضان ورعاية ونصرة نبي الله إسماعيل وأمه عليهما السلام، ونفس الهدف هذا هو الذي حمل الأوس والخزرج، على ترك الوطن والأهل والأحبة، والهجرة إلى المدينة المنورة؛ مِن أجل هدف سام، وغاية نبيلة، وشرف عظيم، انفردوا به على مدى تاريخ البشرية.
رغم تعاقب الزمن وطول الانتظار، إلا أن الأوس والخزرج، ظلوا محافظين على عهدهم لله، أوفياء لقضيتهم ومهمتهم، التي عهد إليهم بها، وتناقلوها فيما بينهم خلفا عن سلف، بنفس الروحية الإيمانية والأخلاقية، والإخلاص لله تعالى، والشوق لنيل ذلك الشرف العظيم، ولم يشغلهم عن غايتهم – من فترة لأُخرى – سوى ما زرعه بينهم اليهود، من الأحقاد والعداوات والحروب والثارات؛ بهَدفِ تشويه نقائهم القيمي والديني والأخلاقي، وتدنيس نفوسهم بالأنانية والأطماع والأحقاد، لينحرفوا بذلك عن مسار التلقي الإيجابي لهدى الله، فتعمى بصائرهم عن إدراك النور الإلهي، وبالتالي تنعدم الاستجابة الإيمانية لديهم، فيفقدون فاعلية الدور، ويحرمون شرف المهمة، وهو ما سعى لتحقيقه، ذلك النبت الشيطاني الخبيث، ممثلا في الكيان اليهودي، الطارئ على مجتمع المدينة، ولأن اليهود أهل كتاب، وعندهم أَيْـضاً نبوءات وعلامات، عن نبي آخر الزمان، فقد هاجروا هم أَيْـضاً إلى يثرب، طمعا في أن يكون النبي الموعود منهم، حسب ما تزينه لهم أنفسهم الخبيثة، وميولهم الاستكبارية التسلطية الانتقامية الشريرة، وفي حال لم يكن الموعود منهم – وهذا هو الاحتمال الراجح في قرارة أنفسهم – فَـإنَّهم سيعمدون إلى إفساد حاضنته – مجتمع الأوس والخزرج – وسلبهم كُـلّ مؤهلات التلقي الإيمانية، وعوامل الوحدة والقوة، الكفيلة بحماية هذا الدين وصاحبه، والمضي قدما في المهمة المقدسة.
لكن دسائس ومكر وخداع اليهود، الرامية إلى تفريق وحدة الصف اليمني المناصر، قد باءت بالفشل والخسران، رغم أنها أفرزت حالات من العداء والحروب، إلا أنها سرعان ما تلاشت بظهور النبي الخاتم محمد -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ-، حَيثُ هرع إليه ممثلو الأوس والخزرج، وهو في مكة المكرمة، فآمنوا به وبايعوه، وعرضوا عليه الإيواء والنصرة، في بيعتي العقبة الأولى والثانية، في حين كان مجتمع مكة متشبثا بطواغيته ومجرميه المستكبرين، الذين عارضوا الاصطفاء الإلهي، قائلين “لولا أنزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم”.
لم يذهب رسول الله -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ- مع أهل المدينة مباشرة، رغم إلحاحهم عليه، حَيثُ عرض نفسه في مواسم الحج، على مختلف القبائل العربية، الذين زهدوا عن شرف أولية الانتماء، والسبق في هذا الأمر، مقابل ما سيترتب عليه من خسائر؛ بسَببِ معادَاة قريش واستعداء حلفائها، في سبيل أمر ليس مضمونا، ونسبة نجاحه ضئيلة جِـدًّا، وفقاً لحساباتهم المادية البحتة، وفي وقت عز فيه الناصر، وغاب المعين والسند، من كُـلّ القبائل العربية آنذاك، زاد إصرار وإلحاح الأوس والخزرج، على النبي بالقدوم عليهم، ومنحهم شرف الإيواء والنصرة، كونهم أهل هذا الشرف، المختارين للقيام به، منذ زمن هجرتهم بإيمانهم، الذي سكنهم وسكنوّه، بمقدار سكنهم وامتزاجهم بالمكان/ الدار، كما شهد لهم بذلك الله تعالى، وخلد تلك الصورة المشرفة الناصعة، المرصعة بجليل صفاتهم ومكارم أخلاقهم، التي تفردوا بها عبر الأزمان، قرآنا يتلى إلى يوم القيامة، فقال تعالى:- “وَٱلَّذِينَ تَبَوَّءُو ٱلدَّارَ وَٱلۡإِيمَٰنَ مِن قَبۡلِهِمۡ يُحِبُّونَ مَنۡ هَاجَرَ إِلَيۡهِمۡ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمۡ حَاجَةٗ مِّمَّآ أُوتُواْ وَيُؤۡثِرُونَ عَلَىٰٓ أنفسهِمۡ وَلَوۡ كَانَ بِهِمۡ خَصَاصَةٞۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفۡسِهِۦ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ”.
يقول السيد المولى العلامة المجاهد العالم الرباني، سيدي بدرالدين الحوثي رضوان الله عليه، في تفسير هذه الآية:- “{وَٱلَّذِينَ تَبَوَّءُو ٱلدَّارَ وَٱلۡإِيمَٰنَ مِن قَبۡلِهِمۡ يُحِبُّونَ مَنۡ هَاجَرَ إِلَيۡهِمۡ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمۡ حَاجَةٗ مِّمَّآ أُوتُواْ وَيُؤۡثِرُونَ عَلَىٰٓ أنفسهِمۡ وَلَوۡ كَانَ بِهِمۡ خَصَاصَةٞۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفۡسِهِۦ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ} (الحشر:٩)
﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ ويعطي الفقراء الذين تبوؤوا الدار أي المدينة المنورة تبوؤها استمروا في سكناهم لها لكونها قد صارت بلاد الإيمان والإسلام فتبوؤها لهذا، ولو كان النبي في غير بلادهم لهاجروا إليه وهؤلاء هم الأنصار. ﴿يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ﴾؛ لأَنَّهم أحبوا الله ورسوله، وأحبوا الإسلام فما كان فيه نصرة للإسلام وزيادة في قوته أحبوه، فلأن هؤلاء المهاجرون جاءوا ليجاهدوا مع الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أحبوهم بحب الإسلام. ﴿وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا﴾ مهما أوتي المهاجرون من المال لا يجد الأنصار في صدورهم أي شيء من حسد أَو غيرةٍ، بل يفرحون بذلك. ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أنفسهِمْ﴾ بل حازوا الدرجة الرفيعة، وهي: أنهم يؤثرونهم على أنفسهم يؤثرون المحتاج ﴿وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾ حاجة شديدة. ﴿وَمَنْ يُوقَ﴾ من يقه الله ﴿شُحَّ نَفْسِهِ﴾ بأن أعانه على نفسه حتى أنفق في سبيل الله وفي مرضات الله ﴿فَأُولئك هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ فشح النفس خطر على المؤمن، وقد فاز من وقاه الله شره”.