من علوٍّ إلى علو ثم إذَا (جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ)..بقلم/ عبدالإله محمد أبو رأس
العلوُّ والتكبُّرُ والتعالي وتصلب الرقبة من صفات بني إسرائيل من قديم الزمان، وفي التوراة المتداولة -كما يزعمون-: “يدخل النبي يعقوب في مصارعة حرة مع الله في رؤية منامية ويغلبه، والأحبار الذين كتبوا هذا الكلام في توراتهم لا شك قد بلغ بهم الغرورُ والكبر غايتَه؛ فتصورا نبيهم قادراً على كُـلّ شيء فتحدوا قدرة الله ذاته، تعالى ربنا عن هذا العبث علوًّا كبيراً”.
ويأتي اليوم الفرخُ الكسيحُ الإسرائيلي في تجمُّعه الختامي والمسنود بالمرضعة الأمريكية وحاضنته الغربية ومسلحا بالقنابل الذرية والصواريخ النووية ليعزف لحنَ الختام في سيمفوينة العلو والاستكبار على مشهدٍ من الملأ العالمي وعلى مسرحٍ بعرض التاريخ.
ويقول ربنا عن هذا الحدث: (وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا) (4 – الإسراء)، (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولًا) (5 – الإسراء)، وهؤلاء العباد التي تحدثت الآية عنهم هم عباد الله المؤمنون وعما فعلوه عند غزو خيبر؛ فهؤلاء هم الذين جاسوا خلال الديار، ديار خيبر وبني النضير وقينقاع، وكان انتصاراً ولم يكن دماراً، كما زعم بعض المفسرين.
ثم يقول ربنا: (ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا) (6 -الإسراء)، وليس النفير هنا من “النفر” وإنما من الصوت المدوي الذي يستنفر الناس، وهو النفير الإعلامي ووسائل الإعلام المتعددة من كتب وصحف ونشرات وإذاعات وتلفزيونات ومحطات فضائية وأقمار صناعية؛ فتمكّنوا من خلال ذلك التسلل إلى منابر صنع القرار في الدول الغربية وإثارتها.
وما فعلوه في جولتهم الإفسادية الثانية هو عين ما فعلوه في الأولى: تشويه الإسلام، ووصمه بالإرهاب والدموية، وتأليب الدول الغربية كلها وأمريكا وحشدها ضد الإسلام، كما فعلوا بقبائل شبه الجزيرة قبيل غزوة الخندق، وهذه المرة أثاروها فتنةً شعواءَ في كُـلّ دولة وفي كُـلّ بؤرة مشتعلة، من لبنان إلى أفغانستان مُرورًا بالصومال والسودان والبوسنة وكشمير والجزائر سعياً بالفتن وإشعال الحروب في كُـلّ مكان على اتّساع القارات حتى وصلوا إلى العراق وسوريا وليبيا واليمن جزءٌ من مؤامرة كبرى؛ تمهيدًا لمعركة حاسمة تقوم بها إسرائيل لإخضاع المنطقة العربية واقتلاع الإسلام من جذوره.
والأيّام تتحدث حول ما يجري من حولنا، ويقول ربنا لليهود في تحذير (إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا) وهو يعلم بأنهم لن يحسنوا فقد أضمروا الشر وخططوا له من البداية، فيقول الله عن تلك النهاية (فإذا جاء وعد الآخرة) -أي ميقات الإفساد الثانية- (لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا) (الإسراء – 7) وهذا يعني أن المواجهة ستتم والحرب ستحدث وسوف يسترد المسلمون بيت المقدس ويدمّـروا كُـلّ ما بنت وعمرت إسرائيل، ويختصر القرآن ما سوف يحدث في غموض شديد مؤداه أنه ستكون هناك هزيمة كبرى لإسرائيل.
وفي آيةٍ أُخرى يقول ربنا عن اليهود: (إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَّا هُم بِبَالِغِيهِ) (56 – غافر)؛ أي أنهم لن يبلغوا أبداً ولن يحقّقوا ذلك العلو والتكبر الذي يحيك في صدورهم، والنبرة القاطعة في الآيات تقطع أي أمل في أن إسرائيل سوف تحقّق ما تحلم به يوم من الأيّام.
أما السبب في هذه القطعية والحسم فهو أن القضيةَ هذه المرة ليست مُجَـرّد الإفساد في الأرض، وإنما الإفساد هذه المرة هو إفساد الإسلام ذاته.
إنهم في أُورُوبا وأمريكا يحاولون الآن طمس هذه الحقيقة، وَتزوير التاريخ، وينفقون الملايين لتشويه الإسلام، وتبشيع صورته: إرهاب وجرائم قتل، وتفجير قنابل، وإشعال حرائق في الصفحات الأولى من جميع جرائدهم”.
“لقد انتهت الشيوعية ولم يبقَ لهم عدو سوى الإسلام، هذا هو المعنى الذي يغرسونه في كُـلّ صفحة وفي كُـلّ عمود وفي كُـلّ خبر ليستقر في وجدان العالم تمهيدًا للعدوان الذي يدبرونه على الإسلام وأهله”.
“ونحن أصبحنا أضعف من أن نرد على هذا الطوفان الإعلامي التشويهي الذي يصبونه علينا صباً من كُـلّ المنافذ، والقوى الصهيونية تغذي هذا التآمر وتدفع به إلى الذروة”.
والله يقول لنا: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ)؛ فماذا نفعل إذَا كان القتال من سنن الحياة، والإفساد والعلو من صفات بني إسرائيل والمعركة حول القدس في صريح القرآن، والتاريخ يقول لنا أن المنتصر دائماً ليس الأكثر سلاحاً ولا الأكثر عتاداً؛ فالروم والفرس كانوا أكثر من المسلمين عدداً وعتاداً حينما هُزموا، والمسلمون كانوا في بدر الأقل عدداً وعتاداً حينما انتصروا، وبالإيمان تنتصر الفئة المؤمنة ذلك وعد الله، والله يقود الحروب من فوق سبع سموات، فهل أنتم مؤمنون؟