استثمارُ نعمة الأمطار في اليمن.. إلى أين؟!..بقلم/ هلال الجشاري
يهل علينا موسم الأمطار بفضل من الله، وتزامنًا معه يبدأ موسم زراعي جديد وهنا يجب علينا التوقف لنسأل أنفسنا، ماذا أعددنا لموسم الأمطار وهل استفدنا من تقصيرنا وعدم اهتمامنا في المواسم السابقة؟!
فالموسم الماضي الأمطار والسيول جرفت كثيراً من الأراضي بالقيعان والوديان الزراعية وكادت تغرق بعض المناطق وأطراف المدن، ومع ذلك تجد انخفاضاً مُستمرّاً في المخزون المائي ويكاد يجف في أغلب مواقع القيعان والتي كانت تقع على بحيرات مائية ومخزون مائي كبير، وباتت الموارد المائية المتاحة لا تكفي لسد الاحتياجات المختلفة للسكان وعلى وجه الخصوص الاحتياجات الزراعية.
وهَـا هي الأيّام تعيد نفسها ويبدأ موسم الأمطار والحال كما هو في الموسم السابق وستهدر هذه النعمة العظيمة، ونخاف إذَا استمرينا في تيهنا وسباتنا أن تتحول هذه النعمة إلى نقمة وعذاب، وتجرف التربة بالوديان والمناطق الزراعية باليمن، وما تبقى من هذه المياه يذهب إلى الصحراء أَو البحر، أَو تتوقف نعمة الأمطار وتجف الآبار والغيول وتنتهي الزراعة والحياة لا قدر الله، فما حصل وشاهده الجميع الموسم الماضي كان تهديدُه أكبرَ خطورةً من التوسع العمراني وانتشار زراعة القات؛ لأَنَّه يستهدف عدداً كَبيراً من أراضي الوديان التي كانت ولا زالت تشتهر بأخصب التربة وأجود الأصناف من المحاصيل الزراعية والذي تكاد أن تنقرض؛ بسَببِ الانجراف المُستمرّ للتربة طول عشرات السنين وعلى طول مجاري السيول في جوانب الوديان وعلى أعماق كبيرة تهدّد بكارثة، في ظل ما كان من غياب تام لحكومات سابقة، وقلة إمْكَانيات الحكومة الحالية؛ بسَببِ الحصار والعدوان، فرغم توجيهات وموجهات قائد الثورة -حفظه الله- والقيادة السياسية المتكرّرة في كُـلّ موسم زراعي وكذلك التوجّـه العام للحكومة باستغلال موسم الأمطار وحصاد المياه وعمل السدود والحواجز وتنفيذ المبادرات و… إلخ، إلا أن التحَرّك بطيء في هذا الجانب ولا يكاد يذكر للأسف، كما أن بعض الأحيان نجد هدراً للتمويلات وتنفيذ بعض المشاريع التي ليس لها أهميّة ولا تخدم القطاع الزراعي وخُصُوصاً التي رصدت لتنفيذ وتشجيع المبادرات والأعمال المجتمعية في مجال الزراعة والتنمية وبالأخص دعم أعمال ومنشآت الري وحصاد المياه، في حين كان من المفترض استغلال ذلك إلى جانب إمْكَانيات المجتمع المتاحة وتفعيل حصاد وإدارة مياه الأمطار والسيول، وتشكيل الجمعيات ولجان مستخدمي المياه وإدارة هذا القطاع الحيوي الهام؛ فكثير من المناطق تفتقر إلى أي شكل من أشكال نظم الحصاد المائي على الرغم من امتلاكها خصائص ومميزات تؤهلها من تطبيق نظم الحصاد المائي بالاعتماد على عدة ثوابت، أهمها: جريان أكبر كمية من مياه السيول المطرية عبر أراضيها، وكذلك توجد عدة مواقع أُخرى مناسبة لعمل كرفانات حصاد مياه وعمل برك ترابية وأخاديد كبيرة لحجز المياه في القيعان الرئيسية لتغذية الأحواض المائية بالقيعان والوديان المجاورة لبعض المدن والعمل في التخفيف من أضرار السيول وجرف الترب الزراعية والاستفادة من نعمة الأمطار والسيول المتدفقة في الزراعة وعمل السدود والحواجز والبرك المائية وبرك تغذية المخزون المائي وعمل قنوات ومخارج وتوجيه السيول وعمل الجابيونات ومصدات للسيول وإبراز دور الحصاد المائي كوسيلة لتعويض النقص الحاصل في المياه وتوفير مصادر إضافية لها يتم استخدامها في الري التكميلي أثناء تراجع كميات الأمطار أَو الجفاف، بالإضافة إلى استخدامها في زيادة منسوب المخزون الجوفي لاحتجاز مياه الأمطار والسيول المارة عبر المنخفضات الأرضية على شكل بحيرات وحواجز تتصف بشروط الخزن المثالية والاحتفاظ بالمياه قبل دخولها مناطق الشقوق والفوالق، واختيار المناطق المناسبة لحصاد مياه الإمطار والسيول، وكما أن ما يلفت الانتباه في كُـلّ موسم أن معظم الشوارع بالمدن تحتقن بمياه الأمطار وتختلط مع مياه الصرف الصحي نتيجة عدم صيانة وتجديد شبكة الصرف الصحي وعدم وجود مخارج للسيول، كُـلّ هذا وغيره يدفعنا للتفكير المبدع وسرعة عمل الحلول المناسبة للاستفادة من نعمة الأمطار؛ لأَنَّها فرصة ومواسم تعبر علينا يجب أن نحسن استثمارها.
فعلينا جميعاً “حكومةً، مجتمعاً، مزارعين” استشعار المسؤولية أمام الله أولاً، والاهتمام وعدم التبذير ونكران النعم، وَالاستفادة من مياه الأمطار والسيول الاستفادة القصوة، وكما يتطلب نشر الوعي المجتمعي بأهميّة ترشيد استخدام المياه بشكل عام وخُصُوصاً المياه الجوفية والعمل بروح الإخاء والمبادرة، والحكومة تساهم والقطاع الخاص يساهم والمزارعين وتفعيل العمل بالمشاركة المجتمعية، فمن العيب أن نقف مكتوفي الأيدي ونظل نتفرج على نعمة الأمطار والسيول وهي تهدر للبحر والصحراء في حين أرضنا وثروتنا الزراعية تنجرف دون أي تدخل من قبلنا غير مدركين خطورة المرحلة وما حولنا من تهديدات وتغيرات اقتصادية عالمية وحتى نتحرّر من الوصاية الدولية، ولو امتلكنا قوتنا بأيدنا فسيكون قرارنا بأيدينا ولن تؤثر فينا أية أزمة يفتعلها الغرب “من امتلك قوته امتلك قراره” فلننهج كما كان ينهج عليه أجدادنا وتفعيل ما كان يسمى الشملة أَو الغرامة وغير ذلك من أعمال مجتمعية تعاونية، وشيدوا أعظم الحضارات، وما السدود والبرك والمدرجات الزراعية وقنواتها التصريفية الضاربة في التاريخ إلا أكبر شاهد على عظمتهم، وُصُـولاً لإدارة متكاملة للوديان والأراضي الزراعية والتوسع في الزراعة التي هي مصدر عزتنا وقوتنا وصمودنا واستغلال الموارد المتاحة في زراعة الأرض وإيجاد نهضة زراعية شاملة، وُصُـولاً إلى تحقيق الأمن الغذائي، ولننتصر في جبهتنا التنموية لتعزيز الصمود قال تعالى: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) صدق الله العظيم.