زيارةُ المبعوث الأممي إلى صنعاء.. التوقيتُ والأهداف..بقلم/ محمد علي الحريشي
اختتم مبعوث أمين عام الأمم المتحدة لشؤون اليمن «هانس جروند بيرج» الأربعاء 3 مايو زيارته إلى العاصمة صنعاء بعد لقائه برئيس المجلس السياسي الأعلى مهدي المشاط وعدد من المسؤولين، فما هي المِلفات التي حملها في جعبته؟ وهل تحقّقت أهداف الزيارة؟
تأتي زيارة المبعوث الأممي إلى صنعاء وسط متغيرات دولية متسارعة تصب عكس اتّجاه الرغبات الأمريكية، ففي الفترة الممتدة ما بين عودة الفريق المفاوض السعوديّ وفريق الوساطة العمانية من صنعاء في شهر أبريل الماضي، ووصول المبعوث الأممي إلى صنعاء، الثلاثاء، مارست الإدارة الأمريكية ضغوطاً وصفت بالشديدة على النظام السعوديّ لتعطيل ما تم التفاهم حوله من ملفات تتعلق بالجانب الإنساني بين الجانبين اليمني والسعوديّ أثناء وجود الوفد السعوديّ في العاصمة صنعاء، فما هي المخاوف الأمريكية من تحقيق السلام في اليمن؟ ولماذا لجأت الإدارة الأمريكية إلى عرقلة السلام؟
من خلال قراءة دقيقة للأحداث والمتغيرات السياسية الدولية المتسارعة عقب عودة العلاقات الإيرانية السعوديّة، أدركت الإدارة الأمريكية أن زمام الأمور في المنطقة والعالم ينفلت من يدها وهناك صعود متسارع للاعبين جدد على المسرح الدولي تتزعمه روسيا والصين ومعهما قوى دولية مؤثرة، مثل قوى محور المقاومة وكوريا الشمالية وعدد من الدول في قارات أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، قرأت أمريكا في وصول الوفد السعوديّ المفاوض إلى صنعاء الشهر الماضي، أن القوى الدولية المناهضة للسياسة والنفوذ الأمريكي تقف خلفه، ولا بُـدَّ أن يأتي بنتائج لا تصب في صالح السياسية والأهداف الأمريكية.
المحاولات الأمريكية لإفشال نتائج تفاهمات صنعاء جانب منها سياسي وهو إفشال الدور السياسي الذي تلعبه الصين في المنطقة والذي نتج عنه عودة العلاقات الإيرانية السعوديّة، من ناحية أُخرى تريد أمريكا الإمساك بمِلف إنهاء العدوان وفرض رؤيتها على السلام لتحقّق من خلاله أجندات تخدم مصالحها الاستراتيجية في اليمن والمنطقة، أمريكا وجهت ضغوطها على الجانب السعوديّ ولم تمارس أي ضغط على الجانب اليمني لإدراكها المسبق أن اليمن يرفض الضغوط الأمريكية ويرفض التدخل الأمريكي في طرح مقترحات حلول تنهي العدوان وتحقّق السلام، حسب الرؤية الأمريكية، فهي طرف رئيسي في العدوان ولا تريد إنهاءه خدمة لأجندات تخدم الكيان الصهيوني والأطماع الأمريكية.
النظام السعوديّ في مفترق طرق عليه الاختيار بين طريقين لا ثالث لهما، إما يخضع للضغوط الأمريكية وبالتالي تهديد كيانه ومستقبل دولته ومصالحه للخطر بفعل تغير موازين القوى العسكرية لصالح اليمن، أو اختيار المضي في طريق السلام مع اليمن حفاظاً على مصالحه وكيان دولته والخروج من الوحل الذي ولغته خلال ثماني سنوات دون تحقيق هدف واحد من أهداف العدوان.
أرجح أن تختار السعوديّة الخيار الثاني وهناك مؤشرات تدل على ذلك منها التطور السريع في علاقاتها مع إيران وما قامت به الحكومة السعوديّة من سرعة مبادرة لإجلاء الرعايا والدبلوماسيين الإيرانيين من السودان إلى إحدى القواعد العسكرية السعوديّة، والحفاوة التي حظوا بها من الجانب السعوديّ وكذا شروع الرياض في تسريع عودة سوريا إلى الجامعة العربية خلال القمة العربية القائمة في الرياض، كلها مؤشرات تدل على اختيار النظام السعوديّ المضي في السلام مع اليمن وفق الوساطة العمانية، لإحساس السعوديّة أن اليمن لن يتعامل مع المبادرة الأمريكية ولن يعير لها أي اهتمام بالمقترحات التي تقدمها سواءً عبر مبعوثها للسلام أَو عبر المبعوث الأممي الذي وجه له الرئيس مهدي المشاط، صفعة قوية خلال مقابلته معه في صنعاء عندما هدّد بأن عودة التصعيد في اليمن لن تسلم منه أمريكا وبريطانيا.
موقف الرئيس المشاط خلال مقابلته مع المبعوث الدولي هو رفض مبطن ومعلن لأي دور أمريكي في السلام مهما كانت المقترحات وجيهة، رسالة المشاط لا شك أن أمريكا التقطتها وهي التي فرملت الاندفاع الأمريكي نحو تثبيط عملية السلام والتأثير على الموقف السعوديّ.
كان من المفروض أن يلتقط المبعوث الدولي “هانس جورند بيرج” تصريحات المبعوث الدولي الأسبق إلى اليمن “جمال بن عمر” الذي أكّـد فيه استحالة نجاح أي مبعوث دولي في اليمن في ظل قرار مجلس الأمن الدولي 2216 الذي تجاوزته الأحداث والمستجدات السياسية والعسكرية وخطوات السلام المقطوعة بين اليمن والسعوديّة منذ إعلان الهدنة الأولى في شهر مارس المنصرم من العام الماضي.
كان مفروض من المبعوث الدولي ليثبت مصداقيته ومصداقية الأمم المتحدة كوسيط محايد أن يطالب بإلغاء قرار مجلس الأمن الدولي ضد اليمن قبل وصوله إلى صنعاء، لا أن يأتي يمثل الدور الأمريكي ويجس النبض ويسوق الرؤية الأمريكية، وينسب خطوات حقّقتها الوساطة العمانية على أنها مطالب أممية كما صرح لحظة مغادرته العاصمة صنعاء عندما قال: “على أهميّة استئناف صادرات النفط وفتح الطرق الرئيسية ودفع المرتبات وعلى ضرورة زيادة عدد الوجهات للرحلات الجوية من وإلى مطار صنعاء الدولي والفتح السلس لموانئ الحديدة”، هذه الملفات كلها تم التفاهم عليها بين الوفدين اليمني والسعوديّ في العاصمة صنعاء بوجود الوسيط العماني في شهر رمضان الماضي، فلماذا كرّر المطالبة بها المبعوث الدولي، وهي تفاهمات لم تشارك المنظمة الدولية في بحثها والاتّفاق بشأنها؟ هذا يدل على فشل المبعوث الدولي من تحقيق أي هدف كانت تريده أمريكا من خلال زيارته إلى صنعاء وعودته خالي الوفاض يجر أذيال الفشل والخيبة.