شهداءُ فلسطين.. وصناعةُ المقاومين..بقلم/ مُؤمن منصور*
كلّما ارتقى شهيدٌ في الضفّة الغربية المُحتلّة، وَلَّدت دماؤُه الطاهرة الزكية مقاومينَ جُدُد. ظاهرةٌ فريدةٌ في منظومةِ المقاومةِ توقّفتُ عندها، بعدما لاحظتُ عقِبَ كلِّ عمليةٍ ينفِّذها مقاومٌ بطلٌ يثخِنُ في العدو، ويُظهِرُ شجاعةً وإقداماً وجرأةً غيرَ مألوفةٍ نسبيّاً في بيئةِ العمل المقاوم، ويستمرُ في إطلاقِ النارِ وهو ينزفُ ويلفظُ أخرَ أنفاسِ الحياةِ لديهِ غيرَ مُضيِّعٍ لحظةً منها دونَ مقاومة.
يعرفُ جميعُنا فضلَ الشهيدِ عند الله وما أعدَّ له من نعيمٍ استثنائي في الآخرة، ونحنُ نتوقُ شوقاً لنيل شرفِ هذا المقامِ الرفيع. كما أنّ شعبَنا الفلسطيني البطل يقدِّر عالياً الشهداءَ في مسيرةِ نضاله الوطني التحرُّري، ولذلك كَتب عنهم الأُدباءُ نثراً، والشعراءُ شعراً، والمُنشِدون أغاني وأناشيد، وزغردت لهم الأمَّهاتُ والأخواتُ والبناتُ زغاريدَ الشهادة.
ولكنّنا نقفُ اليومَ عندَ ميّزةٍ تكاد تكون معروفةً في عالمِ الشهداء، ولكنّها جديدةً وذاتِ تأثيرٍ منقطعَ النظير في الضفّة الغربية. فالمقاومُ الفدائيُّ المجاهدُ ينفِّذُ عمليةً ويرتقي شهيداً أو يغادرُ بعيداً ويختفي ليُعيدَ الكرّة ثانيةً ويتمُ اكتشافه واستهدافه ويرتقي شهيداً، فإذا بعشراتِ الشبابِ الجُدُد من أبناءِ فلسطينَ المِعطاءةِ ينتفضون مقاومينَ ضدَّ الاحتلال لم يجنِّدهم أو يدعُهم أيٌّ من القيادات الميدانية في المقاومة، ولا حتّى يعرفونهم قبل ذلك، بل ومن المعروفِ عنهم في أوساط أبناءِ شعبهم بأنّهم أبعدُ ما يكونون عن الفِعل المقاوم، إنّه نداءُ دماءِ الشهيد الطاهرة الذي تردّدت أصداؤهُ في عمقِ كيانِ هؤلاء الشباب، وكأنّه روحٌ جديدةٌ سرت في أجسادهم.
والعدوّ عندما يقتلُ مقاوماً ظانّاً بأنّه بتحييده حقّق إنجازاً، لا يعرفُ بأنّه في واقعِ الأمر ساهم رغماً عن أنفه وبإرادةٍ وعنايةٍ ربانيةٍ مقاومينَ ومشاريعَ شهادةٍ جُدُد، إنّها البركة.
وإذا نظرنا إلى هذه الظاهرة من منظور معادلة الصراع مع الاحتلال في الضفّة الغربية في ظلِّ تصاعد المقاومةِ فيها، فإنّها تُشكِّلُ عاملَ دفعٍ استراتيجيٍّ حقيقيٍ للمقاومة، ومانعٍ جوهريٍّ أمامَ محاولات الاحتلال ومن يدعمه ويعقد الاجتماعات والقمم لاحتواءِ المقاومةِ ووقفها وإنهائها، وهذا ما يفسّر ارتباكَ العدو وعجزِهِ عن التعامل مع المقاومةِ المتصاعدة في الضفّةِ الغربية.
أكاديميةٌ تأهيليَّةٌ وتدريبيَةٌ ربَّانيةٌ مباركةٌ، تصنع المقاومينَ والمجاهدينَ الأبطال، ومادّتُها هي صورُ البطولةِ والتضحيةِ والفداءِ التي يبثُّها المقاومُ الشهيدُ بشكلٍ حي، ومادَّتُها أيضاً دماؤُهُ الزكيةُ التي تُصدِرُ إشعاعاتٍ نورانيةٍ فتخترقُ الأجسادَ وتبعثُ فيها روحَ الجهادِ والمقاومةِ والشهادة.
إنّها فلسطينُ والشعبُ الفلسطينيُّ والقدسُ والمسجدُ الأقصى يا قوم.
* الكاتب والخبير الاستراتيجي الفلسطيني