النزعةُ التصعيدية الأمريكية البريطانية كـ “ورطة” جديدة لدول العدوان وسببٌ لتوسيع الردع والوجع
وسطَ تعدد خيارات صنعاء ورسائلها المتتابعة شديدة اللهجة:
المسيرة: محمد يحيى السياني
حساباتُ الواقع والعقل والمنطق والمصالح الاستراتيجية التي يجب على تحالف العدوان قراءَتُها والتعاطي معها بإيجابية، هي البحثُ عن مخرج عادل لليمنيين؛ لأَنَّها -اليوم وفي هذه المرحلة- هي السبيل الأمثل الذي يمهِّدُ للخروج من المستنقع اليمني الذي أوقعهم فيه الأمريكي والبريطاني، الذي جعل منهم وكلاءَه وأدواتِه في شن العدوان والحصار على الشعب اليمني، دون أي وجه لشرعيته أَو سبب مبرّر له، وارتكب على مدى ثماني سنوات أبشع الجرائمَ الإنسانية بيد أعتى تحالف دولي وتآمر إقليمي حصل في التاريخ الحديث.
هذه الحساباتُ والمعطيات -التي عكسها واقع اليوم وأفرزتها المتغيراتُ والتحولات في هذه المرحلة- هي ما يجب على السعوديّ والإماراتي اليوم الأخذُ بها والتعاطي معها بجدية وإيجابية أكثر من أي وقتٍ مضى، وأن يكون لديهم إدراك بأن أمريكا قد أوقعتاهم في مأزِقٍ كبير وتسعيان إلى المزيد لإغراقهم في مستنقعٍ لا يمكن الخروج منه بسهولة ودون خسائر فادحة، كما أن استمرار تبعيتهم للأمريكان والبريطانيين وتنفيذ أجنداتهم في اليمن هو ما يشكل اليوم عليهم خطورة بالغة تهدّد كياناتهم الاقتصادية والسياسية ومستقبل دولهم برمته؛ فصنعاء كانت ولا زالت واضحة وثابتة في جميع مواقفها ومطالب الشعب اليمني كحقوق أصيلة ومشروعة عبر كُـلّ المحطات ومراحل المفاوضات مع دول العدوان.
وهو ما عبّر عنه أخيراً رئيسُ المجلس السياسي الأعلى، المشير مهدي المشاط، خلال لقائه الأخير مع الممثل الأممي الخاص إلى اليمن، هانس غروندبرغ، بأن صنعاء «جاهزة للسلام بمثل جهوزيتها للحرب، فنحن في موقف الدفاع المشروع عن بلدنا وحريتنا واستقلالنا» وهذه رسالة واضحة وقوية معاً تؤكّـد مبدئيةَ الموقف الثابت وجهوزية الخيارات، وهي اليوم مطروحة على طاولة دول التحالف العدواني.
ومع جُمْلة الرسائل التي أطلقها بقوة الرئيس المشاط، عبر الممثل الأممي ليوصلها للأُورُوبيين ودول التحالف وأمريكا وبريطانيا والعالم؛ فهي خطابات بالغة الأهميّة والدلالات، حَيثُ أشَارَت بوضوح إلى المحرك الفعلي والحقيقي للتصعيد في اليمن والمهندس له، حذّر قائد القوات المسلحة من مغبة السيرِ وراء النزعة الأمريكية البريطانية؛ فيما اعتبر تلك النزعة سبباً لضرر وشيك قد يكبّد المنطقة والعالم أجمع، حَيثُ قال: «نحذر من سعي واشنطن وبريطانيا للدفع باتّجاه التصعيد ونؤكّـد أن العالم كله سيتضرر إذَا عاد التصعيد إلى اليمن» وهذه رسالة واضحة تؤكّـدُ أن الخيارات العسكرية للجيش اليمني في حال فشل مساعي تحقيق السلام هي خيارات كثيرة في ظل تعاظم القدرات العسكرية الرادعة التي فرضت قواعد اشتباك جديدة تغيرت وتبدلت مع تغير المرحلة؛ فمع أي تصعيد لدول العدوان ستجد الردَّ والحسمَ حاضراً وبقوة ويتخطى الجغرافيا اليمنية ولا يستبعد أن يتخطى مواقع ومواجع كبيرة سيتضرر منها العالم بكله حسب الرسائل القوية التي أرسلها الرئيس المشاط مع المُمَثِّـل الأممي الخاص إلى اليمن للأُورُوبيين والعالم ولدول التحالف وللأمريكي والبريطاني على وجه الخصوص واشنطن ولندن؛ فأمريكا وبريطانيا تعرقلان كُـلّ الجهود التي تُبذل لتحقيق السلام في اليمن، من خلال السعي الحثيث لإفشال عملية السلام في اليمن؛ خدمةً لمصالحها السياسية والاقتصادية، وقد أوضح ذلك الرئيس المشاط بقوله: «كلما تم الوصول إلى تفاهمات تسارع أمريكا إلى إرسال مبعوثها المشؤوم إلى المنطقة وتفشل كُـلّ الجهود لتحقيق السلام».
وهذه الرسائل تؤكّـدُ بوضوحٍ أن الدور الأمريكي البريطاني في اليمن هو دور خبيث وبارز ومكشوف ويسعى لعرقلة كُـلّ جهود تحقيق السلام؛ فالسلام -إن تحقّق في اليمن- سيغلق الباب أمام أطماعهم التي لن تتحقّق لهم إلَّا باستمرار العدوان والحصار وفرض مشاريع التقسيم ونهب الثروات والسيطرة عليها.
إن الرسائل التي أطلقها الرئيس المشاط عبر المُمَثِّـل الأممي هي رسائل واضحة وقوية وتحمل كامل الحجّـة المجتمع الدولي، الذي عليه الضغط على أمريكا وبريطانيا ووكلائهما الإقليميين بسرعة رفع أيديهم من اليمن وإعادة حقوق اليمنيين التي سلبوها بعدوانهم وحصارهم وترك اليمنيين لحل مشاكلهم بدون وصايتهم وهيمنتهم وخروج قواتهم المحتلّة من كُـلّ شبر في اليمن.
كما أن موقفَ صنعاءَ ورسائلَها المتتابعة تؤكّـد أن على العالم قراءة رسائل القيادة السياسية، والتي تعبر عن موقف الشعب اليمني ومطالبته بحقوقه المشروعة، وهي الصوت المرتفع الذي يعكس معاناته على مدى ثماني سنوات من العدوان والحصار، فصنعاء كانت ولا زالت دوماً وعبر كُـلّ المراحل تؤكّـد على لسان قائد الثورة والقيادة السياسية، أن يدَها ممدودة للسلام المشرّف الذي يكفل ويمنح للشعب اليمني كُـلّ حقوقه المشروعة وكامل حريته واستقلاله كحقٍ مشروع لا يمكن بأي حال التفريط به أَو المساومة عليه أَو التنازل عنه مهما كانت التضحيات، وكما هي جهوزية واستعداد السلام فَــإنَّ صنعاء اليوم أَيْـضاً على استعداد تام وجهوزية عالية لخوض جولة جديدة وشاملة للردع في حال عودة التصعيد من تحالف العدوان، فالتحذيرات التي أطلقها الرئيس المشاط هي تحذيرات جادة أتت بعد مرحلة طويلة من المفاوضات والتفاهمات مع دول تحالف العدوان، وبالأخص مع النظام السعوديّ المتصدر والقائد لهذا التحالف الإجرامي والذي عليه أن يدرك أن مصالحه اليوم تقف في مفترق الطريق وعليه أن يحسم قراره ويحدّد وجهته نحو السلام، والذي لن يأتيَ ذلك إلَّا بالتخلص من الضغوطات التي تمارسها عليه أمريكا وبريطانيا واللتان تصدّران المخاوف له وللنظام الإماراتي؛ لكي تدفعهما للاستمرار في الحرب وتوريطهما أكثر فأكثرَ؛ خدمةً لمصلحيتهما السياسية والاقتصادية، واعتبار دول التحالف العدواني مُجَـرّد وكلاء وأدوات لتنفيذ أجندات أمريكا وبريطانيا وإسرائيل في اليمن خَاصَّةً والمنطقة عُمُـومًا.
إن صنعاء عندما أعلنت استعدادها للسلام وجهوزيتها للحرب في حال عودة التصعيد فَــإنَّ سلام صنعاء مرهون باستعادة حقوق الشعب اليمني وتنفيذ اتّفاقيات الملفات الإنسانية كأولوية ملحة للتخفيف من معاناة الشعب اليمني؛ جراء العدوان والحصار، كما أن السلام مرهون أَيْـضاً بإنهاء الاحتلال وإخراج قوى الاحتلال وجبر الأضرار وإعادة الإعمار ورفع الوصاية والهيمنة الخارجية عن اليمن.
وبما أن السلام مرهون بمطالب مشروعة من كُـلّ اليمنيين وإن اعتبرها الأمريكي تعجيزية؛ فَــإنَّها مطالب ثابتة ومبدئية وشرط رئيسي لصنعاء لتحقيق السلام وبدت صنعاء مصرة وثابتة على ذلك عبر جميع المفاوضات مع الطرف الآخر متخطية سخافات الإدارة الأمريكية التي تحاول عرقلتها واعتبارها مطالب تعجيزية حسب زعمهم لكي تؤثر وتضغط على السعوديّة لإفشال أية خطوة تؤدي إلى السلام والدفع إلى تصعيد جديد لا يخدُمُ سوى مصالح وأطماع أمريكا وبريطانيا والعدوّ الصهيوني في اليمن والمنطقة.
أما جهوزية واستعداد صنعاء للحرب مع أي تصعيد قادم فأمريكا وبريطانيا ودول التحالف العدواني ومرتزِقتهم يدركون اليوم عجزهم وفشلهم في تحقيق أي نصر عسكري في أية جولة قادمة للحرب بعد فشلهم الذريع وهزائمهم النكراء أمام مجاهدي الجيش اليمني للعام الثامن على التوالي لم يتحقّق لهم أي نصر عسكري يذكر في كُـلّ ميادين المواجهة العسكرية، وأن أي تصعيد جديد تدفع به أمريكا وبريطانيا في هذه المرحلة هو قطعاً حماقةٌ لا يحسب عواقبها الوخيمة، التي لن تقتصر على قطع اليد الأمريكية والبريطانية والسعوديّة والإماراتية ومرتزِقتهم من اليمن وحسب، بل إن المعادلة العسكرية وقواعد الاشتباك الجديدة التي أعدها الجيش اليمني والقيادة الثورية والسياسية قادرة على خلق معادلات عسكرية وتغيرات كبرى لن تقتصر نتائجها في الجغرافيا اليمنية، بل ستعم المنطقة وستؤثر بقوة على التوازنات الإقليمية؛ فالمعطيات لدى صنعاء ثرية والخيارات عديدة ومتاحة معززة بالدعم الشعبي الكبير والمُستمرّ لخوض أية معركة شاملة.
وفي ظل مراوغات العدوان المُستمرّة بإيعاز أمريكي بريطاني؛ فالمؤشرات تشير إلى أن الردع القادم سيكون حاسماً، خُصُوصاً وأن الشعب قد قدم تفويضاً مطلقاً للقيادة في اتِّخاذ كُـلّ الإجراءات لإنهاء العدوان وكسر الحصار وطرد الاحتلال والسير في كُـلّ الإجراءات الرادعة لأية معركة قادمة مع قوى العدوان والاحتلال، وما رسائل القيادة الثورية والسياسية إلَّا شاهد ودليل على متانة وقوة ارتباط المواقف والمصير الذي يجمع القيادة والشعب ولا يعول على مواقف الأمم المتحدة والمجتمع الدولي المتواطئ دوماً مع قوى العدوان ضد الشعب اليمني في استعادة حقوقه.
ومن خلال الملامح الواضحة للمشهد السياسي والتطورات الأخيرة لما وصلت إليه المفاوضات والتفاهمات مع الطرف السعوديّ فَــإنَّ استمرارية الشد والجذب وتمطيط حالة الوصول لتنفيذ ما تم الاتّفاق عليه، خَاصَّة بالملف الإنساني ودخول الأمريكي والبريطاني كطرف ضاغط ومعرقل، فَــإنَّ هذا المشهد إن لم يتداركْه السعوديُّ والإماراتي بالتعاطي الإيجابي والحاسم، فَــإنَّنا سنشهد مرحلة مختلفة يمكن قراءتُها بوضوح من خلال الرسائل القوية للرئيس المشاط التي وجهها عبر المُمَثِّـل الأممي لقوى العدوان والعالم وقد تكون هي آخر الرسائل والحجج التي تقدمها القيادة والشعب اليمني، نحو طي مرحلة حالة اللا حرب واللا سلم ومرحلة المماطلة والتمطيط السياسي والتملص من الاستحقاقات الإنسانية والمشروعة للشعب اليمني.