أبعادُ الصراع في المنطقة.. “رؤى وتحليل”.. بقلم/ عبدالرحمن مراد
كانت السعوديّة قد عزمت على إنهاء نشاطها العسكري في اليمن، وكلفت وفداً رأسه سفيرها في اليمن آل جابر لزيارة صنعاء، وجلس الوفد السعوديّ بمعية الوفد الوسيط العُماني على طاولة الحوار مع صنعاء، وقالوا إن الحوار كان مثمراً وثمة قضايا عالقة سيتم البت فيها والعودة للحوار حولها عقب إجازة عيد الفطر.
بعد عيد الفطر تداول الإعلام خبراً مفاده أن السعوديّة سوف تستأنفُ حوارَها مع صنعاء، وأنها أبلغت صنعاء بتعهدها بصرف المرتبات، وفجأة وبدون مقدمات يتحَرّك المبعوث الأممي إلى اليمن، والمندوب الأمريكي، وتتوارى السعوديّة من المشهد، ويتحَرّك مؤتمر التشاور الجنوبي، ويثور الجدل حول مؤتمر التشاور في الجنوب، ويذهب السفير آل جابر إلى عدن ويضع مع العليمي رئيس ما يسمى مجلس القيادة حجر الأَسَاس لمصفوفة من المشاريع التي تمولها السعوديّة في اليمن ومنها إعادة تأهيل مطار عدن، وبناء مرفق صحي حتى يتمكّن من تقديم الخدمات الصحية للمواطنين حسب التصريحات.
في ذات السياق يصدر مركز إماراتي تقريراً حول اليمن، ويتوقع ثلاثة سيناريوهات حول مستقبل الصراع في اليمن، منها تقسيمه إلى يمنين، وقال مركز “تريندز” في دراسته: إن ملف الصراع في اليمن شهد مؤخّراً عدة تطورات مهمة، قد يكون لها دور في تشكيل مصير ومستقبل اليمن، مُشيراً إلى تلك التطورات المتمثلة في إعادة تطبيع العلاقات بين السعوديّة وإيران، والتفاوض المباشر بين السعوديّة وصنعاء.
وتوقعت الدراسة الإماراتية ثلاثة سيناريوهات مركبة في تكوينها، ومعقدة في سيرورتها، منها تقسيم اليمن إلى شطرين، وتقول الدراسة: إن السيناريو الأكثر احتمالاً هو تقسيم اليمن إلى شطرَينِ، وتحول الحرب إلى صراع منخفض المستوى بين الشطرين قد يستمر سنوات.
أما السيناريو الثاني: فيتلخص في تحول الصراع إلى حرب استنزاف طويلة المدى بين الأطراف المتصارعة، لعدم قدرة أي طرف على تحقيق الحسم العسكري لمصلحته.
وفيما يخص التسوية السياسية السلمية للصراع قال التقرير: إن نسبة تحقّق ذلك محدودة، فالصراع في اليمن مركب؛ بسَببِ أطرافه العديدة والمتباينة ومصالحهم المتعارضة وقال: إن التطبيع السياسي بين الأطراف في اليمن صعب للغاية؛ بسَببِ التنافر الايديولوجي والسياسي، وإن قضايا الصراع تتعلق بالثروة والقوة، ورأى أن هيكلة القوات المسلحة تظل من أهم العقبات التي يمكن أن تحول دون أية تسوية سياسية.
ويبدو أن ثمة تداخُلاتٍ بين المصالح السعوديّة الراغبة في الخروج من اليمن، والتفرغ لمستقبلها بعيدًا عن كوكب أمريكا وإسرائيل الرافضان للتقارب السعوديّ الإيراني، والرافضان للتنين الصيني من البروز حتى يلعب دوراً محوريّاً في استقرار المنطقة، ولذلك لم يكن تحريك الملف الفلسطيني من فراغ، بل حمل رسائلَ واضحةَ الدلالة من خلال تحييد حماس من المواجهات، والتفرغ لقتل قادة المقاومة الفلسطينية، وتحريك مؤتمر التشاور الجنوبي، وإعلان تقرير مركز الدراسات الإماراتي ومن خلاله تم الإعلان عن السيناريوهات المحتملة في اليمن، ويبدو أن صراع النفوذ والتأثير بين السعوديّة والإمارات سيبرز للسطح في قابل الأيّام، بعد حالة التصعيد والإعلان عن السيناريوهات التي لن يترك السعوديّة تستقر، فالهدف الاقتصادي الذي يشتغل عليه ابن سلمان لا يمكن قبوله؛ كونه سوف يترك أثرًا مدمِّـرًا على مركَزية دبي الاقتصادية؛ ولذلك لن يتركوه يبلغُ غايتَه.
ويبدو لي أن حلقة السعوديّة هي الحلقة الأضعف في سلسلة التداعيات والأحداث اليوم، فقد حاول العدوّ أن يبث الرعب في خيار التقارب الذي اشتغل عليه النظام السعوديّ في سالف أيامه؛ ولذلك بدأ يلوح للنظام السعوديّ بخيار “الربيع العربي” الذي سوف يشتعل أواره في السعوديّة في حال أصبحت تجدف ضد المصالح الأمريكية والإسرائيلية، أعني مصالح أمريكا في صراعها مع الصين وروسيا، ومصالح إسرائيل في دبي كمركزية اقتصادية، فضلًا عن التحكم بالممرات وطرق الملاحة البحرية؛ وهذا مؤشر دالٌّ أن الصراع بدأت تتسع دائرته باتساع حركة التبدلات الدولية والمصالح بين الدول.
فما يحدث في السودان اليوم ليس بعيدًا عن الكثير من الملفات الإقليمية؛ فالهدف من وراء اضطراب السودان مركب ومتعدد ومعقد، وثبوت ضلوع الإمارات فيه من خلال الدعم لميليشيا الدعم السريع يجعل الصورة أكثر وضوحاً وهو في أبرز تجلياته الوصول إلى مرحلة فشل الدولة الوطنية في المنطقة العربية، والعودة إلى مرحلة ما قبل الدولة، الأمر الذي يمهد لقيام دولة إسرائيل الكبرى؛ وهو الهدف الذي يعمل عليه اليهود في هذه المرحلة.
ولذلك من مصلحة نظام ابن سلمان الاستمرار في خوض غمار الحوار مع صنعاء والاعتراف بالذنوب والخطايا التي ارتكبها في حق اليمن وشعبه، فالحرب لم تكن نزهة ولا دعماً لفصيل هارب من داخل صنعاء، بل كانت حرب تحييد تستهدف تنمية مشاعر الغضب في قلوب أهل اليمن، حتى يتفرغ العدوّ للمملكة وهي محاصرة بالعداوات من جنوبها إلى شمالها وشرقها، فمن قتل ودمّـر وعاث في اليمن فسادًا هي السعوديّة والإمارات ولا أحد غيرهما مهما كانت الحجج والمبرّرات فتلك من الثوابت، وعلى السعوديّة أن تعترف بذلك قبل فوات أوانها، فالهروب إلى الأمام بالقفز على الحقائق الثابتة جنون قد لا تدرك تداعياته المملكة اليوم إذَا أخذتها العزة بالإثم، فأمريكا صديق غير شريف ولا يمكنها العمل إلا بما يتسق ومصالحها فقط، وثمة شواهد كثر في هذا المجال لمن ألقى السمع أَو كان بصيراً.