ثلاثُ خواطر عن قداسة العلم وفضيلة التعلم.. بقلم/ علي عبدالله صومل
1- لماذا لا نشعر بوحشة الجهل وحاجتنا للعلم كما نشعر بلذعة الجوع وحاجتنا إلى الطعام؟
لو كان الأمر كذلك لسقطت فضيلة العلم على رذيلة الجهل ولغابت مزية التفاضل بين الطالب للعلم والقانع بالجهل.
إن الأمور التي تكون مناطًا للتكليف وَسبباً للتشريف تركت إلى صدق الإرادَة ومحض الاختيار، مع منح الإنسان القدرة والقابلية على الفعل ولم يجبرهم الله عليها ويلجئهم إليها.
2- طلب العلم في الصغر يختلف عن طلب العلم في الكبر، وإن كان طلب العلم فريضة وفضيلة في أية مرحلة من مراحل العمر.
إلا أن الابتداء في طلب العلم في مرحلة الطفولة أشبه ما يكون بالمحافظة على تناول الغذاء، بينما طلبه في سن الرجولة والكهولة أشبه ما يكون بالاضطرار إلى تناول الدواء، وبلا شك أن بناء الجسد بلقيمات الغذاء أرجى لصحة البدن وقوته من معالجته بعقاقير الدواء، بل إن التفريط المرء في تناول الغذاء هو الذي يجبره على تعاطي الدواء، وكذلك الحال في طلب العلم، فمن يغذي عقله بالعلم النافع منذ ميعة صباه ونعومة أظفاره لن يحتاج إلى مداواته من مرض الجهل وآفة العمى، ولذا فتعب الإنسان الذي يتأخر في طلب العلم إنما يكون ناتجاً عن مضاعفة الجهد في الجمع بين عملين في آن واحد.
معالجة الأمراض الفكرية المتجذرة والمنتشرة في ملفات الذهن وخرائط الشعور، واستبدالها بالمعلومات المفيدة والمفاهيم الصحيحة، فهو كمن يهدم قلعة كبيرة بنيت بطريقة عشوائية وخاطئة ويعيد بناءها من جديد، ملتزماً بالاستفادة من أدق وأرقى الخطط العمرانية والتصميمات الهندسية وعلى يدي ذوي الكفاءة والمهارة في تشييد أفخم القصور وأوثق الحصون.
وزيادة في التوضيح نتوقف عند قول الإمام علي -عليه السلام- “إنما قلب الحدث “صغير السن” كالأرض الخالية، مهما ألقي فيها من شيء قبلته”، ومعروف أن التفكير في زراعة الأرض المليئة بالحشائش والأشواك يحتاج إلى جهدين في وقت واحد:- إزالة كُـلّ ما فيها من الحشائش الضارة والأشجار غير المثمرة، ثم المبادرة إلى زراعتها بالحبوب المطلوبة والفواكه المرغوبة لتجود بخيرات ثمارها على صاحبها، فإهمال الأراضي الزراعية يحولها إلى مراع للسوائم والبهائم وإهمال عقول الأطفال يحولهم إلى جهلة طغام أقرب شيء شبهاً بهم بهيمة الأنعام بينما العناية بزرع بذور العلم في عقولهم يجعل من أذهانهم حقول معرفة وحدائق حكمة تجود بأطيب الثمار وتفوح منها أذكى عطور الأزهار.
3- التربية والتعليم وظيفتان متلازمتان وفريضتان متكاملتان، فالتربية بغير علم تربية خاطئة والعلم بغير تربية علم ناقص، فثمرة العلم أن يبرمج لك عقلاً برهانياً يقبل الحقيقة ويرفض الخرافة، وثمرة التربية أن تهندس فيك قلباً عرفانياً يعشق الفضيلة ويبغض الرذيلة، والعلم هو تحليق في آفاق العقل، بينما التربية غوص في أعماق النفس، وبلا شك أن مشقة الغوص في البحر أعظم من مشقة التحليق في الفضاء، وأن خطورة موج البحر الهائج أشد على ربان السفينة من خطورة الريح العاصف على كبتن الطائرة، ففي البحر يجتمع على راكب السفينة والغائص والسابح عاصف الرياح مع هيجان الماء وقد سئل أحد البحارة عن أعجب ما وجده في البحر فقال “سلامتي منه”.
وبهذا تتضح لنا أن مهمة التربية والتزكية للنفس أصعب من مسؤولية التثقيف والتعليم للعقل، فذكاء العقل يجب أن يصحب بزكاء النفس وإلا كانت حدة الذكاء كارثة وقوة الذهن مصيبة، ففساد النفس قد يفقد العقل توازنه الفطري في التفكير والاستنتاج ويجعله يستخدم طاقاته الذهنية لنسج خيوط الانحراف ورسم خطوط الالتفاف.
نوّر اللهُ قلوبَنا وعقولَنا بنور بصائره التي تنقذنا من دياجي الظلمات ولجج الضلالات، وتفضل علينا بلطفه الخفي وعطفه الحفي، إنه أعظم مأمول وأكرم مسؤول.