إنذاراتٌ رئاسية أخيرةٌ للعدو: المماطلةُ قنبلةٌ موقوتة
المسيرة: ضرار الطيب
في ظل تصاعد مؤشرات إصرار تحالف العدوان ورعاته على المماطلة ورفض مطالب الشعب اليمني، جاءت الرسائل التي وجّهها رئيسُ المجلس السياسي الأعلى مهدي المشاط، الاثنين، بمثابة إنذار أخير تميز عن كُـلّ الإنذارات السابقة بأنه تضمن مكاشفاتٍ صريحةً حول حقيقة المواقف الأمريكية والسعوديّة على طاولة التفاوض، كما تضمن توضيحاً هاماً لطبيعة موقف صنعاء تجاه التردّد السعوديّ؛ وهو ما يعيد مجدّدًا ضبط المشهد الذي حاولت الرياض وواشنطن التلاعب به طيلة الفترة الماضية، على توقيت الصبر المشارف على الانتهاء، والخطر الذي يهدّد المنطقة كلها.
بين إيجابية صنعاء وتعنت واشنطن ومراوغة الرياض:
من أبرز ما تضمنته الرسائل الجديدة للرئيس المشاط، كانت المكاشفة الصريحة حول سبب ما وصفه بـ”ضبابية” المرحلة الأخيرة، حَيثُ أوضح أن صنعاء أرادت منح الرياض فرصة لاتِّخاذ قرار السلام العادل بعيدًا عن الابتزاز الأمريكي؛ وهو ما يعني أن الجهود التي بُذلت طيلة الفترة الماضية كانت تهدف لرسم طريق واضح أمام النظام السعوديّ لإخراج نفسه من مأزق اليمن بالشكل الصحيح، من خلال خطوات أهمها معالجة المِلف الإنساني، الذي أكّـد الرئيس بشكل واضح أن أمريكا تعرقلُه.
هذه الصورة الواضحة تساعد على تقييم الموقف السعوديّ بشكل أكثر دقة؛ لأَنَّ كُـلّ التصريحات والمؤشرات الإيجابية المحدودة للغاية التي برزت خلال الفترة الماضية من الجانب السعوديّ تصبح بلا قيمة أمام السؤال المهم، وهو: هل لدى الرياض الرغبة الحقيقية في تجاوز الإرادَة الأمريكية والوصول إلى سلام حقيقي، أمْ أنها تتعامل مع المفاوضات كفرصة جديدة للبحث عن مساومات وصفقات مشبوهة تحت مبرّر أنها تتعرض لضغوطات؟
ما بدا واضحًا خلال الفترة الماضية هو أن السعوديّة غير قادرة على تجاوز التوجّـهات الأمريكية؛ فقد سبق للمبعوث الأمريكي أن نجح في إعاقة تفاهمات كان قد تم الوصول إليها عقب انتهاء فترة الهدنة، وبرغم أن صنعاء واصلت الدفع نحو استمرار اللقاءات وُصُـولاً إلى مفاوضات رمضان في صنعاء، فَـــإِنَّ التأثير الأمريكي عاد مجدّدًا وانعكس بسرعة على الموقف السعوديّ الذي لم يكن إيجابياً بالشكل الكافي حتى في اللحظات التي تصاعدت فيها مؤشرات الحل إلى ذروة غير مسبوقة، كما حدث أثناء مفاوضات صنعاء، عندما حاول السفير السعوديّ أن يضلل الرأي العام بالحديث عن “المبادرة السعوديّة لجمع الأطراف اليمنية”.
وبرغم أن هذه المعطيات تضع إجَابَة واضحة للتساؤل السابق حول حقيقة رغبة السعوديّة، إلا أن الرئيس وضع في تصريحاته الأخيرة مكان هذه الإجَابَة مكاشفة أُخرى تتيح للرياض فرصةً أخيرةً لمراجعة موقفها، وتنذرها في الوقت نفسه بأن صنعاء ليست ساذجة، وهذه المكاشفة هي التأكيد على أن صنعاء لن تواصل مشوار التهدئة إلى ما لا نهاية على أمل دفع السعوديّة نحو اتِّخاذ القرار الصحيح، وأن الاستجابة للابتزاز الأمريكي هو خيار على السعوديّة أن تتحمل مسؤوليته، بغض النظر عن إدراكها لحتمية خسارة المعركة؛ فالأولوية لدى صنعاء هي تحقيق السلام العادل والمشرِّف للشعب اليمني، وليس مراعاة مصالح السعوديّة وطبيعة علاقتها بأمريكا.
هذه المكاشفة تضع السعوديّة أمام المسؤولية التي حاولت التهرب منها خلال الأشهر الماضية وإلقاءَها على عاتق “التعرض لضغوط أمريكية”؛ وهو ما كان نائب رئيس الوزراء لشؤون الدفاع والأمن، الفريق جلال الرويشان، قد رد عليه في وقت سابق بالقول: إن “الحديث عن ضغوط لا معنى له أمام استحقاقات مشروعة للشعب اليمني”، وبالتالي، على الرياض أن تدرك أن حديثها عن السلام وتعرضها لضغوط لا يمنحها أية ميزة بدون اتِّخاذ قرار واضح وعملي نحو السلام، خُصُوصاً وأن صنعاء قد منحتها فرصةً أكثرَ من كافية لترتيب كُـلّ ما تحتاج لترتيبه على امتداد ما يزيد عن عام كامل.
إنذارٌ أخير:
المتابِعُ لاستراتيجية صنعاء في التعاطي مع جهود السلام منذ بدء العدوان يعرف أن الإفصاح عن حقيقة مواقف الأعداء على الطاولة يأتي عادةً عند قُرب انسداد أفق التفاهمات، من باب إقامة الحُجَّـة، وتحميل العدوّ مسؤولية خياراته، وقد أوحت مكاشفةُ الرئيس الأخيرة حولَ طبيعة موقف السعوديّة وأمريكا بأن الأمرَ نفسَه يكاد يحدُثُ مع جهود السلام المبذولة برعاية الوساطة العُمانية.
هذا أَيْـضاً ما أكّـدته التحذيراتُ التي تضمَّنتها كلمةُ الرئيس، والتي حرص من خلالها على إعادةِ التذكير بحديث قائد الثورة حول “نفادِ الصبر”، وجذب الانتباه نحو حقيقة استمرار الحرب، والتذكير أَيْـضاً بـ”الأضرار” التي ستترتب على عودة التصعيدِ في اليمن، والتي كان قد وصفها في وقت سابق بأنها ستكون على مستوى “عالمي”.
إن الرسائل الجديدة الرئيس المشاط –بشقَّيها: التوضيحي والتحذيري– كانت أكثرَ من مُجَـرّد محاولة لضبط إيقاع العملية التفاوضية، خُصُوصاً وأنها تضمنت حديثاً صريحاً عن السعوديّة والمسؤولية التي تتحملها؛ نتيجة استجابتها للابتزاز الأمريكي، وما سيترتب على ذلك من تداعيات؛ فهذه التفاصيل تنطوي على تحذيرات واضحة من قرب الوصول إلى نهاية مسدودة إذَا استمر الوضع على ما هو عليه، كما تنطوي على إنذارات جادة بأن افتعال مراوغات جديدة لن يؤدي إلى إطالة أمد صبر صنعاء ومنح دول العدوان المزيد من الوقت.
وهذا أَيْـضاً ما يوضحه توقيت إطلاق هذه الرسائل، والذي يتزامن مع بروز مؤشرات خطيرة على توجّـه دول العدوان ورعاتها نحو اللعب بورقة “التقسيم” لخلط الأوراق وبدء مرحلة جديدة من المناورة؛ الأمر الذي يعني عدم وجود نوايا لتتويج فترة التهدئة بحَلٍّ عادل، بل يؤكّـد التوجّـه نحو افتعال ماراثون مماطلة جديد؛ وهو ما تأتي رسائل الرئيس لتؤكّـد استحالة القبول به وتحذر من العواقب التي ستترب عليه.
إجمالاً، لقد أوضح الرئيس المشاط، في رسائله الجديدة من محافظة حجّـة، أن الوضع الراهن يمثل قنبلةً موقوتةً يكاد عَدَّادُها التنازلي يصل إلى الصفر، وأية مراوغات أُخرى لن تسهمَ إلا في تسريع هذا الوصول، وعلى السعوديّة أن تتحمل المسؤولية؛ كونها الطرفَ الذي وضع نفسَه قائداً رسميًّا لتحالف العدوان؛ لأَنَّ استحقاقات الشعب اليمني لن تضيعها أية “ضغوط” أَو “أعذار”، ومحاولات تجنب كلفة الخروج من هذا العدوان، هي مثل محاولات إطالة أمده، لن تؤدي إلا إلى الانفجار؛ إذ لا توجد أية خيارات أُخرى بين تنفيذ متطلبات السلام الفعلي، ومواصلة المعركة، وَإذَا كانت دول العدوان قد ظنت أن حالة “الحرب واللا سلام” ستُفيدُها فعليها أن تستيقظَ قبل أن يتمَّ إيقاظُها بالقوة.