العلمُ رِزقٌ يزكو بالإنفاق..بقلم/ علي عبدالله صومل

 

العلم رزق من الله، مثله مثل المال وبقية النعم، وحول رزق العلم ونموه بالإنفاق أسجل ثلاث نقاط مفيدة وسديدة بإذن الله تعالى:

1- الرزق لا يجلبه حرص حريص ولا تمنعه كراهة كاره، فكم من طالب علم أَو مال يعود صفر اليدين فارغ الوعاء، وكم محاصر في رزقه العلمي والمالي من قبل الأعداء والخصوم يرزقه الله من حَيثُ لا يحتسب هو ولا أعداؤه المحاصرون له.

قد تضرب في الأرض فلا تجد سبباً للحصول على المال، وقد تبحث في الكتب فلا تجد جوابًا على السؤال حتى تيأس أَو تكاد، وبعد مضي مدة زمنية على وقت الطلب السابق وعلى غير قصد منك ولا انتظار يهجم عليك رزقك الذي بذلت جهدك في طلبه ولم تصل إليه، فتجد جواب المسألة العالقة في ذهنك أثناء مطالعة عابرة أَو قراءة خَاصَّة في موضوع آخر ويتيسر قضاء حاجتك المالية من نافذة أُخرى لم تكن مطلاً منها ولا متوجّـهاً إليها.

2- الرزق رزقان رزق تطلبه ورزق يطلبك، كما قال الإمام علي عليه السلام، الرزق الأول معروف والثاني قد أوضحته لك في النقطة السابقة ولكن لي هنا ملاحظة هامة جِـدًّا وهي أن الأصل في الرزق أن يكون مطلوباً، ولذا بدأ الإمام علي -عليه السلام- بذكره أولاً، فلا تترك السعي وراء الرزق المطلوب اتكالاً على الرزق الطالب؛ فالله سبحانه وتعالى لا يساعد من لا يساعد نفسه؛ فلا يهب نعمة العلم ولا نعمة المال ولا نعمة الصحة والنشاط… إلخ، من أهمل نعم السمع والبصر والفؤاد واليدين والغذاء… إلخ، ولكن مع هذا لا تظن أن كُـلّ رزقك هو هذا الذي حصلت عليه بكسبك ووصلت إليه بطلبك، فَـــإِنْ ظننت ذلك كان الله عند ظنك به وأغلق دونك أبواب فضله وخزائن جوده.

3- الرزق يزكو بالإنفاق مالًا كان أَو علمًا، أَو أي رزق آخر؛ فعوِّدْ نفسك على العطاء، ولا تستحِ من إعطاء القليل فالحرمان أقل منه، قد تعطي ألف ريال هي نصف ما تملك وقد تعلم سورة الفاتحة وأحكام الصلاة هي نصف ما تعلم، وقد يكون هذا العطاء في ناظرك زهيداً، بيد أنه عند الله وعند من أنفقت عليه عظيم وعظيم جِـدًّا، فتجد من أعطيته ذاك المبلغ القليل في وقت ضيقته وحاجته ممتناً منك طول حياته حتى وإن أصبح في ما بعد ثريا ويملك كنوزًا من الذهب وسيسعى دوماً ليكافئك على معروفك القديم بإحسان عظيم، وكذلك ذاك الشخص الذي علمته أبجديات المعرفة وأوليات العلم لن ينسى جميلك ما امتد به العمر وإن واصل رقيه في درجات العلم وأصبح عالماً موسوعياً محقّقاً فسيسعى ليرد الجميل لمعلمه الأول وقد يزكو علمك على يدي هذا التلميذ الوفي الذي وإن أصبح أُستاذك ومعلمك فَـــإِنَّه سيبقى يتمثل أمامك هيبة التلميذ المبتدئ الوقور المتواضع ويشعر بالخجل الشديد إن ناديته بلقب الأُستاذية أَو تعاملت معه بأدب المتعلم.

فأنت في نظره الأُستاذ وهو التلميذ ولا يبعد أن يكون هذا مما يمكن أن نفهمه من عبارة الوصي -عليه السلام- “والعلم يزكو بالإنفاق” ومن مصاديق العلم يزكو بالإنفاق أَيْـضاً أن تلاقح عقل الأُستاذ مع عقول الطلاب يفتح أمامه -خُصُوصاً إذَا كان يوجد بين تلامذته من يتمتع بحدة الذهن وشدة الذكاء- آفاقا جديدة في فهم المسألة وقد تدفعه إشكالاتهم الدقيقة وتساؤلاتهم العميقة على توسيع نافذة مداركه ودائرة معارفه عن طريق إجالة الفكر وإمعان النظر في أُمهات كتب الفن الذي تنتسب إليه المسألة موضع النقاش أَو الذهاب إلى مباحثة الزملاء ومنافثة العلماء، ومن شاور الرجال شاركها في عقولها، وامتلك مقدرة ذهنية على النظر إلى أية قضية من مختلف الزوايا، أَيْـضاً من يبذل العلم لطالبيه ويعمل به في جميع شؤون حياته يستشعر دائماً الحاجة الملحة إلى المزيد من العلم ويبقى لسان حاله: “رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا”، أما من لا يعلم العلم ولا يعمل به فسيظن نفسه محيطًا بكل ما يحتاج إليه من العلم ويضع أمام نفسه حَدًّا مانعًا لها عن مواصلة الرقي في مدارج الكمال؛ فحالة الإعجاب بالنفس آفة خطيرة تفقد الإنسان فرصاً ونعماً كثيرة، ولو لم يكن من أضرارها إلا مصيبة الرضا بالشيء اليسير من الخير والبقاء في حالة النقص والقصور كما قال الإمام علي -عليه السلام- “الإعجاب يمنع الازدياد”.

أكتفي بهذه النقاط أَو الخواطر الثلاث حول هذا الموضوع وإلا فالمسألة تحتاج إلى فضل تأمل وزيادة تفصيل.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com