ضروراتٌ حتميةٌ لاستقرار واستمرار النظام السعوديّ..بقلم/ علي عبد الرحمن الموشكي
منذ أن بدأ العدوان على اليمن في 2015م، صرف النظام السعوديّ مئات المليارات وبحسب تقرير منظمة الأمم المتحدة، تكلف الحرب في اليمن السعوديّة ما يقارب 200 مليون دولار يوميًّا، ما يعادل 73 مليار دولار سنوياً، بإجمالي تكلفة 584 مليار دولار، خلال ثماني سنوات، هذا ما ظهر من شراء للأسلحة، أما التجنيد والتجسس وغيرها من الأعمال الإجرامية كانت باهظة وسيأتي الوقت الذي يكشف فيه فاتورة الحرب على اليمن الذي سيكون عاقبة ذلك خسراناً وعجزاً وخزياً وذلاً.
ونحن في ذروة عنفوان تصريحات القيادة القرآنية من ثوابت السلام العادل والمشرف ومد وجزر المفاوضات وتوقف عاصفة الحازم، وتهيئ أجواء التقارب إلى إيقاف الحرب والحصار الذي نعيشها في يمن الإيمَـان والحكمة خلال ثمانية أعوام وفي منتصف العام التاسع، والذي ليس أمام النظام السعوديّ أي خيار آخر سوى الوقوف الجاد وترك حالة التهرب من المفاوضات ويلعب أدوار الوسيط والباحث عن السلام في المنطقة، وقد تغير المنطق خلال ثماني سنوات، ففي بداية العدوان الذي حشد له النظام السعوديّ تحالفاً عالمياً، وأطلق على نفسه العديد من المسميات حامي الحمى والمدافع عن الشرعية ومحاربة التمدد الإيراني في المنطقة العربية، لكن الهدف الحقيقي هو جعل اليمن تحت الوصاية الأمريكية والإسرائيلية والقضاء على المشروع القرآني الذي طال حرب أمريكا وإسرائيل على هذا المشروع الذي كتب الله له الغلبة والظهور ولو كره الكافرون.
وبعد مضي ثمانية أعوام من العدوان والحصار على اليمن، الذي ضحيته ملايين من الضحايا المدنيين والكثير من الأضرار على البنية التحتية المدنية والحكومية، الكثير من الأضرار التي خلفها العدوان في كُـلّ مقومات الحياة، وزعزعة أمن واستقرار اليمن من خلال الخلايا النائمة وغيرها من الأعمال الإجرامية التي تتعدد المجلدات والأفلام الوثائقية وتتحدث عنها الصحف والقنوات والمواقع الإخبارية العالمية، وعن تفاقم الوضع المعيشي وازدياد نسبة الفقر بفعل الحصار والعدوان، تحدثت عنها التقارير الدولية للأمم المتحدة، أمام مرأى ومسمع العالم كانت وما زالت كُـلّ هذه الجرائم إلى اليوم والشعب اليمني يعاني منها.
إن المملكة السعوديّة لعقود طويلة شهدت ما قبل عدوانها على اليمن طفرات نفطية وتدفق أموال طائلة إلى خزينة الدولة السعوديّة وبما يفيض عن حاجاتها من الأموال، على الرغم من حالة البذخ الذي يعيشها بني سعود والمقربين منهم وما يذهب إلى خزينة أمريكا من أموال النفط السعوديّ وما ينفق النظام السعوديّ من مليارات في المؤامرات وتغذية الصراعات والفتن وفي نشر التطرف والفكر الوهَّـابي في الأقطار العربية والإسلامية إلا أن الأموال استمرت في التراكم نتيجة الإنتاج المفرط للنفط دون الاكتراث إلى أن هذا النفط هو ثروة غير مستدامة وأن الجيل الحالي يعبث بثروات عشرات الأجيال القادمة.
إلا أن القرار السعوديّ بشن العدوان على اليمن قد غير قدر ومصير تلك الأموال وبدد كُـلّ مدخرات الآباء والأجداد على شراء أسلحة ومواقف وضمائر الحكومات والهيئات والمؤسّسات الدولية وعلى تغطية أفظع المجازر والجرائم المرتكبة بحق أطفال ونساء وأبرياء اليمن.
فتكاليف الإنفاق الهائلة، التي لو سخرت لبناء الدول العربية بمشاريع استراتيجية لكانت كافية لازدهار اقتصاد الوطن العربي، ولكن كانت نتيجة ذلك تمدير وقتل لليمنيين وتضرر الاقتصاد في مملكة العهر والإفساد فقد أَدَّى ذلك إلى تراجع احتياطيات النقد الأجنبي للسعوديّة من 732 مليار دولار في 2014م إلى 496 مليار دولار في 2019م، كما أَدَّى إلى زيادة عجز الموازنة من 15 مليار دولار في 2014م إلى 79 مليار دولار في 2019م، ولتمويل هذا العجز، اضطرت المملكة إلى اقتراض أكثر من 100 مليار دولار من الأسواق المحلية والدولية منذ بدء الحرب.
وهذا ما دفع بالنظام السعوديّ للبحث عن مخرج وأطلق رؤية 2030م التي تهدف إلى تحويل المملكة من اقتصاد يعتمد على النفط إلى اقتصاد متنوع ومتطور، ولتحقيق هذه الرؤية، يحتاج النظام السعوديّ إلى جذب استثمارات أجنبية بقيمة 500 مليار دولار لبناء مشروعات ضخمة مثل مدينة نيوم والبحر الأحمر والقدية.
إلا أن العدوان والحصار على اليمن شكل أهم عائق أمام أحلام وطموحات ابن سلمان وجعل الاستثمار في المملكة ضرب من الخيال، ومحاولات النظام السعوديّ إصلاح الوضع القائم أمر مستحيل بوجود حرب المملكة السعوديّة طرف فيها تجعل من المملكة عرضة للقصف بالطائرات والصواريخ وبلداً غير صالحة وطاردة للاستثمار والمستثمرين الذين يبحثون عن بيئة عمل آمنة ومستقرة كما أنهم لا يستطيعون تجاهل حقيقة أن المملكة تواجه انتقادات وضغوطات دولية شديدة؛ بسَببِ انتهاكات حقوق الإنسان والإغلاق البري والجوي والبحري على الشعب اليمني، هذه الظروف تجعل من المستثمرين يفضلون بلداناً أُخرى أكثر سلاماً وديمقراطيةً وشفافية.
وهذا يجعل النظام السعوديّ أمام خيارات صعبة للغاية يحيل بين تنفيذ طموحات ورؤية 2030م، وَإذَا أراد النظام السعوديّ الاستقرار والسلام وتحقيق طموحاته فعليه وقف العدوان والخروج النهائي من اليمن والوصول إلى تسوية مرضية يقبل بها اليمنيون من إعادة الإعمار ومعالجة الأضرار ودفع التعويضات؛ لأَنَّ النظام السعوديّ دمّـر اليمن وهو من قام بالتدمير والنظام السعوديّ عليه إعادة التعمير، وهذا استحقاق وليس منحة، وأن المفاوضات معه هي على هذا الأَسَاس وهو الملزم بهذه الاستحقاقات.
وبالتسويات المرضية للشعب اليمني يقفل أبواب العودة إلى المواجهات العسكرية مع اليمن وأي مخاطر تهدّد بيئة الاستثمارات التي يسعى إليها لإنقاذ بلاده ونفسه من السقوط.
والاستمرار في حالة العدوان والحصار في اليمن تخل عن رؤية 20 /30 ومدينة نيوم وجلب الاستثمارات الأجنبية ويصبح كُـلّ الانفتاح وكلّ تلك المليارات التي صرفت في الدعاية وتلميع المملكة تذهب هدراً والذهاب نحو الهاوية.