“تقطيرُ” رحلات مطار صنعاء الدولي يؤكّـدُ تمسك واشنطن بمواصلة الحصار
المبعوث الأمريكي يواصل ربط استحقاقات الشعب اليمني بمطامعَ سياسية
المسيرة | خاص
مثَّلَ سماحُ تحالُفِ العدوان الأمريكي السعوديّ الإماراتي، مؤخّراً، بتسيير ثلاث رحلات جوية إضافية بين صنعاء والأردن، دليلاً جديدًا على زيف كُـلّ الادِّعاءات والمزاعم التي حاول طيلة السنوات الماضية ترويجها؛ لتبرير استمرار إغلاق مطار صنعاء الدولي؛ وهو ما يؤكّـد بدوره أن إصرار دول العدوان -وفي مقدمتها الولايات المتحدة- على رفض فتح المطار بشكل كامل، يمثل ابتزازاً واضحًا بالاستحقاقات الإنسانية للشعب اليمني.
الرحلاتُ الثلاث الإضافية -التي تم السماح لها والتي أكّـد مسؤولون في قطاع الطيران بصنعاء أنها لا تلبي الحد الأدنى من الاحتياج الفعلي- أعادت إبرازَ حقيقة استمرار الحصار الجوي الإجرامي المفروض على اليمن، والذي حاولت دول العدوان ورعاتها والأمم المتحدة طيلةَ فترة التهدئة التغطيةَ عليه، من خلال إظهار الرحلات الجوية المحدودة جِـدًّا التي تم السماح بها وكأنها نهاية الحصار.
وقد وصل الأمر بالولايات المتحدة الأمريكية في هذا السياق إلى الادِّعاء في وقت سابق بأن “الهُدنة” سمحت لليمنيين بالتنقل في مختلف مناطق الشرق الأوسط، في حين أن مطار صنعاء لم يفتح سوى لوجهة واحدة فقط وبرحلات قليلة جِـدًّا لا يساوي مجموعها خلال فترة التهدئة كلها، مجموع رحلات بضعة أَيَّـام في الوضع الطبيعي.
وبرغم أن دول العدوان ومرتزِقتها حاولوا خلال الفترات الماضية ترويج الكثير من المغالطات لتبرير رفض فتح مطار صنعاء أَو توسيع رحلاته، إلا أن قرار إضافة ثلاث رحلات جديدة، أسقط كُـلّ هذه المغالطات مجدّدًا، وكشف أن المسألة لا تتعلق بأية عوائق حقيقية، بل برغبة دول العدوان ورعاتها في استثمار حق السفر من وإلى مطار صنعاء كورقة تفاوضية.
ووفقاً لذلك، فَــإنَّ الرحلات الجديدة التي تمت إضافتها -وبرغم ما قد تمثِّلُه من فائدةٍ لبعض المرضى- لا تُعتبَرُ مؤشراً إيجابياً حقيقيًّا على جدية دول العدوان في التوجّـه نحو السلام؛ لأَنَّ هذه الرحلات تأتي في الحقيقة متأخرةً للغاية، إذ كان من المفترض توسيعُ المزايا الإنسانية للتهدئة بعد انتهاء أول شهرين من الهُدنة المعلَنة قبل أكثرَ من عام.
وحقيقة أن دول العدوان انتظرت إلى حين تلويح صنعاء بنفاد الصبر؛ مِن أجل إضافة هذه الرحلات (التي لم يكن هناك أي عائق يحول دون إضافتها سابقًا سوى التعنت السياسي)؛ ما يؤكّـد بوضوح أن العدوّ ينظر إلى مطار صنعاء كملف مليء بأوراق المناورة والمراوغة، ويخطط لاستثمار كُـلّ رحلة إضافية وكلّ وجهة جديدة إما كبطاقة مساومة، أَو على الأقل كحيلة لكسب الوقت.
وإذا كان تحالف العدوان لا يزال عند مستوى إضافة رحلات قليلة بالتدريج ضمن وجهة واحدة، فهذا يعني أنه لا يزال بعيدًا جِـدًّا عن تنفيذ مطلب رفع الحصار بشكل كامل، بل يعني أنه لا يريد الاقتراب من هذا المطلب أبداً إلا بمقابل مكاسبَ غير مستحقة؛ وهو ما يعني بدوره أن هناك هامشاً بسيطاً تضعُه دولُ العدوان للسماح برحلات مطار صنعاء ضمن اتّفاقات وتفاهمات محدودة وجزئية لا تتضمن رفع الحصار، كما هو الحال بالنسبة لهامش التفاوض على بقية الملفات.
هذا ما يؤكّـده أَيْـضاً تعاطي الولايات المتحدة مع السماح بالرحلات الجديدة، ففي الوقت الذي يطالب فيه الشعب اليمني برفعِ كافة القيود المفروضة على البلاد، ظهر المبعوثُ الأمريكي إلى اليمن، تيم ليندركينغ، بتصريح جديد زعم فيه أن إضافة الرحلات الجديدة يأتي ضمن “جهود الإغاثة” التي نسب الفضل فيها لحكومة المرتزِقة والأردن؛ ما يعكس بوضوح أن الولايات المتحدة لم تسمح بعدُ بأن يتجاوز الأمر مستوى البوادر الشكلية إلى رفع الحصار بشكل كامل.
ويؤكّـد تصريح ليندركينغ بوضوح أن الولايات المتحدة لا تزال تربط إمْكَانيات تحقيق أي تقدم في المِلف الإنساني بإشراك حكومة المرتزِقة في الصورة وتغييب دول العدوان صاحبة القرار؛ وهو ما يعني مواصلة الابتزاز بالمِلف الإنساني، والإصرار على إطالة المسافةِ نحو أي اتّفاق موسع.
ابتزاز أمريكي مُستمرّ:
ليست هذه المرة الأولى التي تمارس فيها دول العدوان سياسة “التقطير” فيما يتعلق بالحقوق الإنسانية؛ مِن أجل إطالة معاناة اليمنيين، فطيلة فترة الهدنة الرسمية، ظل تحالف العدوان يمارس هذه السياسة بحق سفن الوقود وبرعاية أمريكية مباشرة، برغم أن اتّفاق الهدنة قضى بوضوح بعدم عرقلتها؛ وهو ما كان أحد المؤشرات الرئيسية التي ترجمت بوضوح عدم جدية العدوّ في إنجاح الهدنة وتطويرها إلى اتّفاق موسع.
وبالقياس على تلك التجربة، فَــإنَّ إضافة ثلاث رحلات جوية أسبوعية بين صنعاء والأردن -وبرغم ما يمثّله من نتيجة إيجابية لثبات موقف صنعاء- لا تغيِّر من الموقف السلبي لدول العدوان ورعاتها، بل تشير إلى نوايا واضحةٍ لمواصلة المضي في طريق المساومة والابتزاز وضمن حالة اللا حرب واللا سلام.
هذا ما تؤكّـده أَيْـضاً تفاصيل الموقف الأمريكي من بقية المطالب والاستحقاقات الإنسانية، حَيثُ كانت الولايات المتحدة حاولت أَيْـضاً في وقت سابق الالتفافَ على مطلب صرف المرتبات، من خلال المساومة على استبعاد الجزء الأكبر من الموظفين.
وكان المبعوثُ الأمريكي قد صرّح في وقت سابق بأن بلاده لا ترى إمْكَانيةً لصرف مرتبات الموظفين ومعالجة الملف الإنساني إلا بإشراك حكومة المرتزِقة في المفاوضات؛ وهو ما يمثل محاولة ابتزاز واضحة لصنعاء؛ مِن أجل تحقيق مكاسبَ سياسية مقابلَ استحقاق إنساني مشروع.