المبادراتُ المجتمعية في اليمن.. النموذجُ الأرقى للنهوض بالبلد

 

المسيرة – محمد ناصر حتروش:

تلعبُ المبادراتُ المجتمعيةُ دوراً رئيساً وهامّاً في تنمية المجتمعات وتطويرها والنهوض بها.

وتُسهِمُ المبادراتُ المجتمعية بشكل فعَّال في توفير الخدمات الأَسَاسية التي يتطلَّبُها المجتمع، لا سِـيَّـما المناطقَ الريفية والتي تكون في العادة محرومة من العديد من الخدمات كالكهرباء والماء والصحة والتعليم والغذاء والطرق.

وتحرص القيادة الثورية والسياسية، ممثلةً بالسيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي -يحفظه الله- والرئيس مهدي المشاط، على توسيع المبادرات المجتمعية وإشراكها مع الجانب الرسمي، حَيثُ برزت العديدُ من المبادرات المجتمعية التي أسهمت في بناء السدود والحواجز وتعبيد الطرقات وإحياء الأراضي الزراعي في مختلف المحافظات المحرّرة وذلك بإشرافٍ من مؤسّسة بنيان التنموية وبالتعاون مع السلطة المحلية في المحافظات.

ويقول مدير المنطقة الوسطى الجنوبية بمؤسّسة بنيان التنموية، الدكتور علي الجرحزي: إن “المبادرات المجتمعية ليست غريبة على المجتمع اليمني؛ فهي من القيم والعادات والتقاليد الأصيلة، التي يتميز بها اليمنيون منذ القدم”.

ويضيف “بل ولها صلة وطيدة بتعزيز روابط مبادئ التعاون والتكافل بين أبناء المجتمع”، مُشيراً إلى أن روحية المبادرة والتعاون في الواقع، تعمل كقيم رافعة لتحقيق التنمية المحلية الاجتماعية والاقتصادية لأي مجتمع كان.

ويؤكّـد الجرحزي أن “المبادراتِ المجتمعيةَ تسهمُ في الحفاظ على وحدة الروابط المجتمعية ووحدة الانتماء ووحدة الهدف”.

ويرى الجرحزي أن “العمل في المبادرات المجتمعية من أهم وأعظم وأحسن الأعمال الخيِّرة، وهي تجسد أعلى مراتب الإحسان؛ وذلك كونها تسهم في توفير احتياجات الناس العامة من طرق ومنشآت تعليمية وسدود وحواجز وقنوات حصاد مياه الأمطار”، موضحًا أن “مثل هذه الأعمال تمثل دوافع حقيقية للفرد والمجتمع وتحفز الجميع للانطلاق بجهود جماعية نحو العمل على تحقيقها”.

ويشير إلى أن “مؤسّسة بنيان التنموية انطلقت لتشجيع المبادرات المجتمعية؛ باعتبار المشاركة المجتمعية في التنمية مبدأً راسخًا في عمق التاريخ اليمني وفي عمق حضارته وفكره وهُــوِيَّته الإيمانية”.

ويحكي الجرحزي أن “للمبادرات المجتمعية دوراً محوريًّا في إحياء مبادئ الإحسان والتعاون والإيثار التي كانت متواجدة وبشكل كبير خلال الأيّام الماضية وعبر التاريخ اليمني”.

ويذكر أن “حياة الإنسان اليمني الذي بنى الحضارات وشَيَّدَ السدود الحواجز وشق الطرق، وبنى مملكة سبأ وريدان وحضرموت، مسطراً أنصع صفحات التاريخ التي تركت أثرها الواضح في واقع الأمم اقتصاديًّا وسياسيًّا واجتماعياً كانت تنفذ من خلال المبادرات المجتمعية والمعروفة آن ذاك بالعمل الطوعي أَو العمل الجماعي”.

ويلفت الجرحزي إلى أن “تحالف العدوان السعوديّ الإماراتي الصهيو أمريكي حاول، من خلال الثقافات المغلوطة والسلوكيات الدخيلة والحروب الناعمة وأساليب إغراء الفئات المثقفة والأجيال بالتخلي عن أصالة القيم تحت مصطلحات التطور والحضارة والرقي والحريات الفردية؛ بغرض العمل على تفكيك وتشتت الجهد المجتمعي وصرفه عن مبدأ المشاركة المجتمعية في التنمية وتحقيق النهوض من خلال توسيع الفجوة بين المجتمع وهُــوِيَّته الإيمانية، وصرف الناس عن تاريخ وأمجاد الآباء والأجداد ورُوحية الإسلام الحقيقي العريق”.

ويضيف القول: “هنا برزت أهميّة دور مؤسّسة بنيان التنموية فيما تقوم به عبر فرسان التنمية التي تم اختيارهم من أبناء المجتمعات المحلية وتدريبيهم على منهجية التوعية وتزويدهم بسياسات إزالة الثقافات المغلوطة والسلوكيات الدخيلة والغريبة، التي حاول البعض بها ومن خلالها، وعلى مدى 5 عقود، تحويل المجتمع اليمني من مجتمع متعاوِن مكتِفٍ ذاتياً ومصدِّر منتِجٍ إلى مجتمعٍ متخاذِلٍ وخاملٍ ينشُدُ العونَ وينتظرُ الإغاثةَ من الغير”.

موضحًا “تم العملُ على بناء وتدريب تلك القيادات التنموية من فرسان التنمية على مستوى كُـلّ عزلة وقرية، هذه القيادات انطلقت بروحية طوعية إلى تحريك وتحفيز المجتمعات المحلية في اتّجاه إحياء قيم التكافل والتعاضد المجتمعي من الفزعة و”الجايش”؛ فكانت استجابة المجتمع لتلك الجهود كفيلة بإطلاق المبادرات المجتمعية في جميع المجالات الاجتماعية والخدمية والتعليمية والصحية كمرحلة أولى، وثانية في إطلاق المبادرات الاقتصادية المتمثلة في صيانة وإنشاء السدود والحواجز والقنوات والكرفانات، واستصلاح الأراضي الصالبة، وثالثة في تشكيل الجمعيات وتفعيل الزراعة التعاقدية”.

ويثمن الجرحزي الشراكة الحكومية -المجتمعية الفاعلة في مساندة جهود مؤسّسة بنيان التنموية والجمعيات التعاونية وفرسان التنمية، والممثلة في اللجنة الزراعية والسمكية العليا بالتعاون ووزارات الإدارة المحلية والزراعة والري والشؤون الاجتماعية والعمل والاتّحاد التعاوني الزراعي والمحافظين والسلطات المحلية في المديريات والشخصيات والفعاليات المجتمعية، مؤكّـداً أن الجميع يعملون في سلسلة متكاملة من الشراكة الرسمية -الشعبيّة في الاستجابة لموجهات قائد الثورة، وتنفيذ توجيهات المجلس السياسي الأعلى.

 

نموذجٌ مشرِقٌ في المناطق الوسطى:

وعن المبادرات المجتمعية في المناطق الوسطى، يقول الجرحزي: “وضعْنا خطةَ التحَرّك الميداني، وعلى مستوى مديريات المنطقة في إب وتعز والضالع، بشكل جماعي تحت إشراف قيادات السلطة المحلية في كُـلّ مديرية، وبمشاركة جميع الأطراف المؤسّسية والمجتمعية العاملة في الميدان”.

ويضيف “هناك تفاوت في تفاعل السلطة المحلية من مديرية إلى أُخرى، يرجعُ إلى طبيعة الوعي ومستوى الاستجابة لدى منتسبي المكاتب التنفيذية والسلطة المحلية، حَيثُ نجد سلطة محلية تهتم بالتدريب والتوعية، فيما تركز سلطة محلية أُخرى على إسناد المبادرات، وهناك نماذج نستطيع أن نقدمها كنماذج وقصص متميزة”.

ويستعرض الجرحزي الإنجازاتِ المجتمعيةَ في مديرية القفر محافظة إب كنموذج للمديريات الناجحة، موضحًا أن المديرية تعد من المناطق المصنفة بالأشد احتياجاً، وذات الكثافة السكانية العالية، والأكثر معاناة مع صعوبة التضاريس، ومن ويلات الحروب والعدوان والحصار، مُشيراً إلى أن أبرز مشاكل هذه المديرية تمثلت في قلة الطرق، والافتقار إلى المنشآت التعليمية والخدمات الصحية.

ويؤكّـد الجرحزي أنه وبفضل من الله سبحانه وتعالى، ثم استجابةِ السلطة المحلية بجميع مكاتبها، والانطلاقة الجادة والفاعلة لأبناء المديرية بجميع فئاتهم، تم تدريبُ “فرسان تنمية” على مستوى كُـلّ قرية، وبجهودهم تم تحفيز وتحشيد المجتمع كاملاً، مبينًا أنه تم إطلاق مئات المبادرات المجتمعية التي تم إسنادها بصورة مباشرة من قبل قائد الثورة -يحفظه الله-، والذي وجّه الحكومةَ بتزويد المديرية بمعدات شق؛ وهي المساندة التي دفعت وحفزت المجتمعَ بقوة لإطلاق ثورة كبيرة وعارمة في مجال الطرق بجهود وإمْكَانيات مجتمعية، تساندُها السلطة المحلية بدعم فني لا محدود في التخطيط والإدارة والإشراف وتنسيق الأدوار.

وعن محافظة تعز مديرية مقبنة، يحكي الجرحزي قائلاً: “انطلقت ثورة مبادرات مجتمعية مماثلة، بقيادة الجمعية التعاونية، التي تم تشكيلها هيئاتها الإدارية من خيرة فرسان التنمية الفاعلين من أبناء المديرية، وباندفاع مجتمعي فاعل، ومساندة قوية من السلطة المحلية، هذه الثورة عملت في حلقات سلسلة مترابطة نحو إطلاق ثورة مبادرات مجتمعية في كافة المجالات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، وفي مجال بناء المدارس، وفي مجال إعادة وإعمار المساكن للجرحى المعاقين من الفئة الأولى”.

 

257 مبادرةً ناجحةً في المنطقة:

وبحسب مدير المبادرات المجتمعية في المناطق الوسطى الجرحزي، فقد بلغ عدد المبادرات المجتمعية في المجال الاقتصادي الزراعي والصناعي: (صيانة قنوات – حصاد – مكافحة آفات) التي تم تنفيذُها (257) مبادرة.

وتوزعت تلك المبادرات كالتالي: في مجال البيئة (43) مبادرة، وفي مجال التراث والثقافة (145) مبادرة، وفي مجال التعليم (64) مبادرة، موضحًا أن مجال التكافل والإغاثة بلغ (58) مبادرة، وفي مجال الصحة (3) مبادرات.

مردفاً القول “وفي مجال الطرق (290) مبادرة، وفي مجال المياه (110) مبادرات، وفي مجال حَـلّ النزاعات والمشاكل المجتمعية (8) مبادرات، بالإضافة إلى (5) مبادرات تدريبية وَ(13) مبادرة توعوية في مجال التنمية الاجتماعية والاقتصادية”.

ويلفت الجرحزي إلى أن عددَ التدخلات الاقتصادية عبر الزراعة التعاقدية في مجال دعم وتسويق المحاصيل الزراعية بلغ 898 تدخلاً توزعت في الخضروات (213)، والبقوليات (272)، والحبوب المحلية (413).

وفي مجال التدريب والتأهيل يؤكّـد الجرحزي أنه تم تدريب فرسان تنمية وتأهيل وتمكين مهني في مجال دعم وتسويق المنتجات، والأسر المنتجة وغيرها من المهارات وذلك بما يقارب (5.961) تدخلاً.

وأخيراً، تعد المبادرات المجتمعية التطوعية من العوامل الدالة على تطور المجتمعات، وَركيزةً أَسَاسيةً لبناء المجتمع، ودالةً على تماسُكِ أفراده ومؤسّساته، وعلامةً على نهضتِه وثقافةِ أهله.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com