الحربُ الناعمة: أدَاةُ الغزو الفكري لإبادة وتدمير الهُــوِيَّة الإسلامية.. بقلم/ حسام باشا
تشن أمريكا والغرب حربًا غيرَ مسبوقة على الأُمَّــة العربية والإسلامية، باستخدام أساليبَ غيرِ مباشرة ومختلفة عن الحروب التقليدية؛ حَيثُ تهدف إلى التأثير على المجتمعات الإسلامية والنيل من قيمها ومبادئها الأصيلة، وإبعادها عن دينها وقائدها الأعظم محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- وفرض النموذج الغربي عليها وإشغالها عن قضيتها المحورية فلسطين.
لا شك أن هذه الحربَ لا تُشبِهُ غيرَها، حرب ناعمة تشنها الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها الغربيون والأعراب ضمن محاور استراتيجياتها العدوانية نحو الأُمَّــة عن طريق استخدام الأساليب الناعمة مثل الدعاية والإعلام، والأفلام والمسلسلات، والمنظمات للتأثير على المعتقدات الدينية والاجتماعية والثقافية والسياسية لشعوبنا الإسلامية المستهدفة بهذه الحرب التي تعد أدَاة غربية لتعزيز المصالح والنفوذ في منطقتنا التي تشهد تحديات متعددة.
إن مصطلح الحرب الناعمة يستخدم لوصف استراتيجية الهيمنة والاستكبار لتحقيق الأهداف بشكل غير مباشر وبواسطة الجذب والإقناع والتأثير على المجتمعات والشعوب الإسلامية، حَيثُ تختلف أساليب الحرب الناعمة باختلاف البلدان والأهداف التي تسعى إليها.
وتتبع الحرب الناعمة في منطقتنا، عُمُـومًا، النهج التدميري لقيم الإسلام ضمن الاستراتيجية التي تنتهجها أمريكا وحلفاؤها للتحكم في مجتمعاتنا وإجبارها على الالتزام بالنموذج الأمريكي والغربي، من خلال بث الثقافات الليبرالية التي تتعارض مع قيم الإسلام واستخدام الإعلام والتكنولوجيا لتحريف صورة الإسلام وإلغاء المكانة الرفيعة التي يحتلها في عيون المسلمين.
وتتميز هذه الحرب بأنها أكثرُ فعاليةً وأقلُّ كُلفةً من الحروب التقليدية؛ لذلك فَــإنَّ الغرب يميل إلى استخدامها في سياسته؛ لما لها من تأثيرات مدمّـرة على الإسلام وقيمه الأصيلة وتفريغه من مضمونه الأصيل، ومن خلال استخدامها لتقنيات وأساليب مختلفة ومتنوعة، فَــإنَّها لا تكل ولا تمل من نشر الفكر المادي وترويج الأفكار الفاسدة والمخالفة للقيم لتحطيم المجتمع الإسلامي، وبحيث لا يمكن لمجتمعاتنا المستهدفة الاستمرار في تحمل هذه الحرب دون تأثيرات كبيرة على نحو متزايد، لا سِـيَّـما أنها تعمل على إزالة هذا المد الثقافي والحضاري الذي تحصنت به المجتمعات العربية والإسلامية طوال قرون مضت، لتزيد من آثارها النفسية والثقافية والاجتماعية المدمّـرة مما يؤدي إلى زعزعة الاستقرار وتهديد الأمن الثقافي والاجتماعي لمجتمعاتنا الإسلامية.
وباعتبارها استراتيجية سياسية وقوة ناعمة تستخدم للتأثير؛ فَــإنَّها تعمل إلى تغيير المفاهيم الإسلامية وتحويلها إلى مفاهيم تتناسب مع أهداف الغرب السياسية والاستراتيجية، فمثلاً، يتم الترويج لمفهوم الجهاد على أنه يعني العنف والإرهاب، على الرغم من أنه يعني بالأَسَاس النضال الشرعي والجهاد النفسي والمعنوي والاجتهاد في سبيل الله.
وعلى هذا، فَــإنَّ الحرب الناعمة لا تؤثر فقط على الإسلام وقيمه، ولكنها تؤثر أَيْـضاً على المجتمعات العربية والإسلامية بِرُمَّتها، حَيثُ تشكل جزءًا من استراتيجيات الغرب في التأثير وتحقيق مصالحها الاقتصادية والسياسية والعسكرية بشكل واسع في العالم العربي والإسلامي، ولا سيَّما في اليمن، حَيثُ يجري تطبيقها بشكل متواصل ومتنوع؛ بهَدفِ تغيير الثقافة والقيم الاجتماعية والدينية لشعبنا وتحويله إلى مجتمع يمكنه التأقلم مع النظام والثقافة الأمريكية.
وفي سياق اليمن، تستخدم قِوَى العدوان الحرب الناعمة كوسيلة لتحقيق أهدافها السياسية والاستراتيجية، لضرب الهُــوِيَّة الإيمانية ومبادئها الأصيلة وتدجين الشعب اليمني بثقافات منحلة من جهة وإلى التحريض والإثارة والتلاعب بالأحداث والمعلومات والتأثير على الرأي العام عبر وسائل الإعلام وبرامج التواصل الاجتماعي والمنظمات الدولية والخلايا النائمة لتوجيه الرأي العام ضد القيادة الثورية والسياسية والترويج لصورة سلبية عنها، وَأَيْـضاً لنشر أخبار كاذبة وتشويه الصورة الحقيقية للأحداث، وإثارة الفتن والتحريض على النزاعات والصراعات الداخلية في اليمن، بل وتحويل الشعب اليمني إلى مجتمع تافه وغير مُجْدٍ.
ولطالما كانت هناك محاولاتٌ مُستمرّةٌ لاستخدام هذه الحرب؛ بهَدفِ خلق الفتن والنعرات في المجتمع وتفريق وحدة الشعب اليمني وزعزعة أمنه واستقراره، وضرب جبهته الداخلية وكسر صموده وتماسكه الأُسطوري، حَيثُ ركز وسائل الإعلام المعادية على خلق قضايا سطحية كاذبة لإماتة اليقظة والروح المعنوية والجهادية والتعبئة العامة الموجهة لمقاومة العدوان.
إن خطورة الحرب الناعمة على الشعب اليمني ومستقبله كشعب مسلم يتميز بصفاته الإيمانية والقيم والمبادئ تعتبر كارثية، ولهذا السبب يجب على الجميع اليقظة والتأهب والعمل على تعزيز الهُــوِيَّة الإيمانية بشكل فعال والوقوف بوجه هذه الحملات الخبيثة بجميع الأدوات الممكنة.
ولتحقيق ذلك، تجبُ زيادة الوعي الإعلامي والتثقيف بخطورة هذه الحرب والتحري عن الأنشطة الهادفة إلى إفساد القيم، وتوعية الشباب بالمفاهيم الإسلامية الحقيقية وتعزيز الوعي الثقافي والديني بينهم، ونشر الحقائق والأدلة الصحيحة حول المفاهيم الإسلامية وتحذيرهم من الأخبار الزائفة والشائعات، إلى جانب تعظيم دور أهل العلم والفقهاء في تعزيز ونشر القيم الإسلامية الأصيلة والدفاع عنها.
كما يجب على الجميع أن يكونوا على دراية بأهداف الأعداء والتعرف على الوسائل التي يستخدمونها في هذه الحرب، وذلك لتحقيق الحماية والدفاع عن هُــوِيَّتهم وقيمهم الإسلامية، حَيثُ يمكن أن يؤدي ذلك إلى التصدي لخطر الحرب الناعمة وما يترتب عليها على المدى الطويل من تبعات وأضرار.
ومع ذلك، فقد تمكّن شعبنا اليمني بفضل الله تعالى من مواجهة هذه الحرب الخطرة ونجح في إفشالها طوال ثمانية أعوام من العدوان، ويعود هذا إلى الوعي الراسخ والموجهات التي وضعتها القيادة الثورية ممثلة بالسيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي، الذي تمكّن من توعية جميع أبناء المجتمع بخطورة هذه الحرب بكل أشكالها ومساراتها.
كما أن حالة الوعي والإدراك لدى الشعب اليمني، والتي جاءت نتيجة لجهود متواصلة من القيادة الثورية في مواجهة هذا التحدي الكبير، تعكس نضج شعبنا وإدراكه وقدرته على تحقيق الانتصارات الكبيرة والتغلب على جميع المخاطر والتحديات التي يواجهها، ويعد هذا إنجازاً كَبيراً لشعب شجاع دافع عن عرضه وكرامته وعن هُــوِيَّته وثقافته الإيمانية.