أُمَّــةُ الشذوذ الاستعمارية تغازلُ الرجلَ الأسود..بقلم/ إبراهيم محمد الهمداني

 

كعادتها القوى الاستعماريةُ الكبرى، تقومُ بتمثيل دور الإنسان المثالي، المؤمن بالعدالة والمساواة والحقوق والحريات، في إطار إنسانية الإنسان، أولاً وقبل كُـلّ شيء، وهَـا هي تطلب وساطةً أفريقية؛ لإيقاف الحرب الروسية الأوكرانية، وتقوم بتقديم الرجل الأسود إلى العالم، بوصفه المخلِّص والمنقذ الأخير، صاحب العصا السحرية، الكفيلة بتحقيق أمن واستقرار ورفاه وازدهار البشرية جمعاء.

ولا يخفى على أحد ما في هذه الخطوة من الخُبْث والدهاء الاستعماري، التي لن يجني الأفريقي من ورائها، سوى مزيدٍ من الاستعباد والقمع والهيمنة الإمبريالية، ولن تكون وساطتُه سوى فخ، سيدفع ثمنَه من حريته وسيادته وثرواته غاليًا، وكذلك الحال بالنسبة لدولة جنوب أفريقيا، التي مُنحت عضوية مؤسّس، في تحالف البريكس؛ لاعتبارات إمبريالية بحتة، ترى فيها عنصر قوة سياسية واقتصادية، لتمويل تحالف البريكس بالخامات الصناعية، والثروات والمعادن، ومناجم الذهب والألماس، بالإضافة إلى الثروة البشرية، بوصفها عمالةً رخيصةً جِـدًّا، وقد تكون مجانيةً تماماً، حسب قُدرة المستعمر الجديد، على ترويضها وتدجينها.

لم ولن تكونَ القارة السمراء، غيرَ مادةٍ وظيفية خام، يتم تسخيرُها لخدمة مصالح القوى الاستعمارية، قديمًا وحديثًا، ولن تنطليَ خُدعةُ الاحتفاء بالرجل الأسود، وتمكينه من لعب أدوار سياسية مركَزية، إلا على الغارقين في الغفلة، وكان الأجدر بتلك القوى الاستعمارية الكبرى، أن تحاولَ تجميلَ صورتها بقليل من الإنسانية المصطنعة -كعادتها في الأزمات – وأن تظهر بعض الاحترام للوسيط الأفريقي، بقليل من الإحسان والمساواة لرعاياها من بني لونه، وتصنع لغةَ الاعتذار لأسر ضحايا التمييز العنصري، الذي قتلتهم أَو كانت سببًا في قتلهم، أَو شجّعت أَو تغاضت عن عمليات قتلهم الوحشية؛ بذريعـة شرورهم المتأصلة، أَو الاشتباه في كونهم يمثّلون خطرًا، يهدّد أمن وسلامة ورفاهية المجتمع الأبيض، وكان الأجدر بأمريكا إظهار قليلٍ من المسؤولية، وحفظ أرواح وأموال رعاياها السود، وتطمين الرجل الأسود الأفريقي، إلى عدالة ومسؤولية الإدارة الأمريكية، حاملة المشروع الحضاري، كما كان الأحرى بدول أُورُوبا، وفي مقدمتها بريطانيا، إظهار أسفِها -ولو كذبًا- للرجل الأسود، عَمَّا لحق بني جنسه، على يديها من القتل والتنكيل والتعذيب، والامتهان للكرامة والقيمة الإنسانية، وتمثيل شيء من الندم؛ لأجل تلك الأعين المسمولة، والآذان والأنوف والأيدي والأعضاء المقطوعة، بذريعـة تأديب العبيد، على تأخير قهري، أَو أبسط خطأ غير مقصود، وغالبًا؛ مِن أجل التسلية، والاستمتاع بتعذيب الضحية، وصرخات الألم المرعب.

كان على بريطانيا -لإقناع الرجل الأسود بحاجتها إلى وساطته- أن تغطي تمثال تاجر العبيد، الذي حرصت على تخليد ذكراه، وتمجيد دوره الكبير، في خدمة المشروع الإمبريالي الأُورُوبي، غير مكترثة بما قد يسببه وجود ذلك التمثال المشؤوم، من الحزن والألم، وما يستدعيه من ذكريات مأساوية كارثية، بكل ما للكلمة من معنى، في قلوب جميع أبناء أفريقيا؛ نظراً لما ارتكبه بحق آبائهم، من جرائمَ وحشية يندى لها جبين الإنسانية، وفي حال كهذا، لم يكن للرجل الأسود أي حق في الحياة، في عُرف القوى الاستعمارية، وهَـا هي اليوم تمنحُه حقَّ الريادة والقيادة والإصلاح، وتمكِّنُه من الإسهام في صناعة تحوُّلات المشهد السياسي العالمي، وتعطيه دورَ البطولة في رسم وصياغة خارطة العالم الجديد، ترى أي خازوق يحضره أربابُ الحضارة المثليون، لهذا الرجل الأسود البسيط، وما تداعياته الكارثية على أفريقيا أرضًا وإنسانًا، خَاصَّةً في ظل معطيات قوى الهيمنة الصاعدة، ممثلة في دول البريكس، ومشروعها الإمبريالي الصهيوني الساحق.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com