الانتحارُ في المناطق المحتلّة: تعبيرٌ عن قسوة الأوضاع الاقتصادية..بقلم/ حسام باشا
تعتبر حادثة إحراق المواطن اليمني نفسه في عدن نتيجة الإتاوات الباهظة وسوء الأوضاع الاقتصادية انعكاساً للحالة المؤسفة التي يعيشها المواطنون المستضعفون في المناطق المحتلّة؛ فهذا الحادث المأساوي ليس سوى جزء من الكارثة الواسعة التي يتعرض لها الشعب اليمني جراء العدوان، والتي تؤثر بشكل رئيسي على الأوضاع الاقتصادية ومعيشة الأفراد.
فقد أَدَّت هذه الظروف القاسية التي يحملها المواطنون المستضعفون في المناطق المحتلّة إلى زيادة تدهور الأوضاع الاقتصادية وتفاقم البطالة؛ بسَببِ العدوان والاحتلال، حَيثُ تعاني هذه المناطق أَيْـضاً من نقص في الخدمات الأَسَاسية مثل الماء والكهرباء والصحة والتعليم، مما يجعل الحياة يوماً بعد يوم أكثر صعوبة على السكان المحليين.
في ضوء هذه الأوضاع الصعبة، يضطر الكثيرون إلى دفع إتاوات باهظة لتأمين السلع الأَسَاسية والخدمات، مما يزيد بشكل كبير العبء على أكتافهم المرهقة، وبالتالي، يجد المواطن المستضعف نفسه في دوامة لا تنتهي من الديون والتراكمات المالية، دون أن يتوفر لديه فرصة حقيقية لتحسين وضعه المالي.
جسامة المشكلة تتجلى أَيْـضاً في قصة المواطن اليمني الذي قرّر أن يحرق نفسه في عدن احتجاجاً على معاناته المُستمرّة وفقدانه للأمل في تحقيق ظروف حياة أفضل، إن هذا الحادث المأساوي يعكس درجة اليأس والإحباط التي يعيشها الكثيرون تحت ضغط الاحتلال والعوز.
وأمام الواقع الصعب والمتردي في المناطق المحتلّة جراء انعدام الأمن والغياب التام للخدمات الأَسَاسية، إضافة إلى تفشي الأمراض، فَـإنَّ الحياة هناك تكاد تكون مستحيلة، حَيثُ أصبح وجود الأمن والاستقرار في عدن أمراً شبه مستحيل في ظل الوضع الحالي، فالناس يعيشون في حالة من التوتر والخوف المُستمرّ من العمليات الإرهابية والقتل والخطف، وهذا يجعل حياتهم معلقة على حافة الهاوية، حَيثُ تعيش الأسر في حالة من القلق المُستمرّ على أفرادها وأمنهم، فيما الغياب التام للخدمات الأَسَاسية، يجعل الحياة عبئًا شاقًا على سكان هذه المناطق، كما تعتبر الجبايات المجحفة واستغلال ثروات البلاد والذهاب بها بعيدًا دون تسليم رواتب الموظفين أبرز أسباب تردي الأوضاع في عدن والمناطق المحتلّة.
علاوة على ذلك، يتعرض المواطن المستضعف للظلم والتسلط من قبل سلطات الاحتلال التي تُمارس المضايقات والاعتقالات التعسفية بشكل شائع، حَيثُ تقييد حركة المواطن وحريته الشخصية، ويتعرض للضرب والتعذيب والتهديد بالقتل، ويُنكل به وتفرض عليه العديد من القيود والحواجز التي تعيق انتقاله وتعطّل حياته اليومية دون وجه حق، مما يعزز شعوره بالاستعباد والضعف.
وتعتبر عملية نقل البنك التي قامت بها قوى التحالف العدوانية مشكلة خطيرة أثرت بشكل كبير على الاقتصاد الوطني، وعلى حياة المواطنين في اليمن بشكل خاص، وقد أَدَّت هذه العملية إلى عدم القدرة على سداد مرتبات الموظفين، مما ألحق أضرارًا جسيمة بالعديد من الأسر وزاد من حدة المعاناة التي يعيشها الشعب اليمني، كما أن عمليات النهب التي يقوم بها هؤلاء الأعداء واستيلائهم على ثروات البلاد من أكبر الأسباب التي أَدَّت إلى استنزاف الموارد المادية والاقتصادية لليمن، حَيثُ يتم نقل الأموال والثروات الوطنية خارج البلاد دون أي أَسَاس قانوني أَو شرعي.
حقيقة، لا يمكن إنكار أن تحالف العدوان الذي شُكل تحت مسمى استعادة الشرعية المزعومة قد أثبت فشلاً ذريعاً في توفير الأمن والاستقرار في المناطق الواقعة تحت سيطرته، ومن خلال التفكير العميق في سلوك الدول المشاركة في هذا التحالف، نجده يعكس تناقضًا واضحًا بين تجاهل المأساة الإنسانية التي تعيشها عدن، وانشغال هذا الدول بتقديم مبالغ ضخمة للاعبين الكرويين والرياضيين.
هذا السلوك الانتهازي لدول تحالف العدوان والتناقض أَيْـضاً يعكس عدم الاكتراث الحقيقي لقادة تلك الدول بالشعب اليمني في المناطق المحتلّة؛ فبدلاً عن العمل على توفير الحماية والأمان للمدنيين وضمان تلبية احتياجاتهم الأَسَاسية في تلك المناطق، فَـإنَّهم يبذلون جهوداً لجذب الرياضيين إلى بلدانهم؛ مِن أجل أغراض تسويقية واستعراضية.
وفي ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعصف بعدن والمناطق المحتلّة، وصعوبة تأمين لقمة العيش للمواطنين هناك، قامت قيادتنا المباركة بمنع الجباية على أصحاب البسطات ومحدودي الدخل، وقد اعتبر هذا القرار خطوة مهمة في تخفيف الأعباء الاقتصادية عن الفئات الفقيرة وتوفير الحماية لهم في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يواجهها الشعب اليمني، مما يؤكّـد رغبة القيادة الثورية والسياسية في خدمة الشعب وحمايته، وبما معناه أنها تقف إلى جانب هذه الفئة المحرومة وتنظر إلى ظروفهم بحساسية وإنسانية.
بالإضافة إلى ذلك، فَـإنَّ هذا القرار يعكس تعاطي صنعاء الإنساني والمستدام مع قضايا المواطنين المحتاجين، ويؤكّـد التزام القيادة بتقديم الخدمات الضرورية للمواطنين رغم الظروف الصعبة؛ فعلى الرغم من الصعوبات الاقتصادية والأزمات التي يواجهها اليمن، إلا أن قيادتنا الرشيدة لم تتوانَ عن تقديم الدعم اللازم للفئات الأكثر احتياجاً.
ففي الوقت الذي تعاني عدن والمناطق المحتلّة من ضغط الجبايات المجحفة وتفتقر للخدمات الأَسَاسية، فَـإنَّ صنعاء تسعى إلى تحسين أوضاع مواطنيها وتعمل بكل جهد في سبيل تخفيف الآثار الاقتصادية وتداعيتها التي فرضها العدوان على البلاد.
ومع ذلك، فَـإنَّ الحل لهذه الأوضاع الصعبة في المناطق المحتلّة لا يمكن أن يأتي بسهولة، ولا يمكن أن يتم بواسطة الاعتماد على دول العدوان، بالعكس، فَـإنَّ الحل الحقيقي والدائم لهذه المشكلة يكمن في المقاومة الحقيقية ضد الاحتلال والتمرد عليه، حَيثُ من المؤكّـد أن المقاومة ضد الاحتلال ستواجه بعض المخاطر والتحديات المختلفة، ولكنها ستسفر بالتأكيد عن إنجاح وتغيير حقيقي وانفراج تدريجي للأوضاع الاقتصادية والمعيشية في عدن والمناطق المحتلّة، فإذا قام الناس هناك بتحمل المسؤولية وقدموا التضحيات اللازمة لمقاومة الاحتلال، فَـإنَّهم سيتمكّنون من استعادة حريتهم واستقلالهم وكرامتهم، وستتحسن معها ظروفهم الاقتصادية والمعيشية.