ماذا يعني (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ)!..بقلم/ عدنان علي الكبسي

 

هل يمكن أن تكون فريضة الحج مُجَـرّد عبادة روتينية يجتمع لها الملايين من المسلمين من شتى أصقاع الأرض؟!

ماذا يعني اجتماع الحجاج في وقتٍ واحد، وفي مكانٍ واحد، بلباسٍ واحد، يؤدون المناسك، ويزورون المشاعر بشكل منتظم؟!

ماذا يعني أن يرفع الحجاج أصواتهم بنداءٍ واحد وموحد؟!

هل المقصود من الحج أن يعود الحاج من الحج كيوم ولدته أمه، أي صافٍ من الذنوب والأوزار حسب ما يقدمه البعض؟!

هل الهدف من الحج أن يؤدي ضيوف الرحمن مناسك الحج بشروطها وفروضها ونوافلها ثم يعودون إلى مناطقهم وكأن أمراً لم يحدث؟!

هل الحج مُجَـرّد هيكلة ظاهرية وصورة جمالية وأصوات شجية؟!

الحج في حقيقته يمثل ملتقىً سنوياً، وقمة دورية في كُـلّ عام يجتمع فيه المسلمون لتحقيق غاية مهمة تكون فيها المنفعة الحقيقية لهم ولمجتمعهم الإسلامي، وليشهدوا ما ينفعهم ولا يضرهم في الحياة الدنيا وفي الآخرة، تحنُّ القلوبُ وتهفو النفوسُ في أَيَّـام الحج من كُـلّ عامٍ لينالوا شرف فريضة الحج فيأتون رجالًا وعلى كُـلّ ضامر من كُـلّ بلد، {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُـلّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُـلّ فَجٍّ عَمِيقٍ}.

لماذا يأتون من كُـلّ فجٍ عميقٍ إلا ليشهدوا مع أبناء أمتهم من كُـلّ البلدان منافع لهم ولأمتهم ولمجتمعاتهم {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ}.

فالحج له أهميته الكبيرة في وحدة الأُمَّــة الإسلامية وتآلفها وتماسكها، وإحياء معنى الأخوة الإيمانية، وهذا أول منفعة، وأهم وأعظم المنافع، ولذلك تم حظر ما يسبب أي شحناء أَو بغضاء أَو اختلاف أثناء الحج، فلا رفث ولا فسوق وحتى الجدال الطبيعي محظور (الْحَجُّ أشهر مَّعْلُومَاتٌ، فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ)، لتبقى الأجواء صالحة للتفاهم والتقارب والتآلف، ولتتهيَّأ الأجواء لمناقشة قضايا الأُمَّــة الإسلامية في كُـلّ شعوبها، ومناقشة بناء الأُمَّــة في كُـلّ المجالات لتكون بمستوى التحديات والمخاطر المحدقة بها، وتقديم الرؤى السليمة والصحيحة للارتقاء بالأمَّة حتى لا تبقى الأُمَّــة تحت أقدام من ضرب الله عليهم الذلة والمسكنة؛ لأَنَّ البيت نفسه جعله الله مباركًا وهدى للناس في كُـلّ المجالات {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدىً لِلْعَالَمِينَ}.

والذي يتأمل القرآن الكريم يجد فعلًا أن الآيات التي تتحدث عن الحج تتوسط الآيات التي تتحدث عن الجهاد، وتتوسط أَيْـضاً الآيات التي تتحدث عن اليهود والنصارى، مما يدلل على أن الحج عبادة مهمة لها علاقتها الكبيرة بوحدة الأُمَّــة، وأن الغرض من الحج تأهيل الأُمَّــة لمواجهة أعدائها من اليهود والنصارى، والذين هم للأُمَّـة العدوّ التاريخي، والواقع يشهد أن الأُمَّــة الإسلامية طوال تاريخها كيف عانت وتضررت من اليهود والنصارى، ولا زالت الأُمَّــة تتجرع مرارة فساد وظلم وطغيان اليهود والنصارى، والذين هم السبب الحقيقي فيما تعانيه اليوم من حروب وصراعات وتناحر، سواءً حروب مباشرة من العدوّ الإسرائيلي والأمريكي والبريطاني وغيرهم وهؤلاء هم اليهود والنصارى، أَو حروب داخلية بين أبناء المسلمين وراءها والذي يغذيها هم اليهود والنصارى وعلى رأسهم أمريكا وإسرائيل.

وفي هذا المؤتمر الإسلامي السنوي يتم اتِّخاذ المواقف الإسلامية الهامة وإعلانها على رؤوس الأشهاد، هذا المنبر العالمي يعلن فيه من كُـلّ حناجر الحجاج البراءة من أعداء الله، ولا يتم ذلك إلا عبر قيادة ربانية يختارها الله عز وجل {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ، مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ} وليست بريطانيا ولا غيرها من تختار وتنصب من أرادت ليتولى شؤون الأُمَّــة، ولقد أمر الله رسوله محمد بن عبدالله -صلوات الله عليه وعلى آله- أن يغير قيادة الحجاج، ليكون بدلًا عن أبي بكر الإمام علي -عليه السلام- ليحمل آيات البراءة ويعلنها في يوم الحج الأكبر على رؤوس الأشهاد، والتي هي العشر الأولى من سورة التوبة، وقد كانت هذه أول عملية لإعادة الحج إلى حج إسلامي، {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ، وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ، وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَرَسُولُهُ، فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ، وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ، وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}.

يقول الشهيد القائد السيد حسين بدرالدين الحوثي -رضوان الله عليه-: (ولتعرف أهميّة الحج بالنسبة للأُمَّـة وفي مواجهة أعداء الإسلام والمسلمين ارجع إلى القرآن الكريم تجد آيات الحج متوسطة للحديث عن بني إسرائيل، وآيات الجهاد والإعداد ضدهم في أكثر من موقع في القرآن الكريم).

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com