مشكلةُ الإنسان في اليمن..بقلم/ عبدالرحمن مراد
تم تشكيل مجلس حضرموت الوطني على غرار المجلس الانتقالي وجارٍ إشهار مجلس تهامة الوطني، وسبق تأسيس المقاومة الوطنية في المخاء ولها مكتب سياسي، ويبدو أن الغد سوف يشهد إشهار الكثير من الكيانات على أبعاد وأسس مناطقية؛ فحركة التقسيم والشرذمة جارية على قدمٍ وساق، في حين نشهد ركوداً سياسيًّا وثقافيًّا في تفنيد مشاريع تجزئة الهُــوِيَّة الوطنية اليمنية، ولا بدَّ من التسليم للقول إن اليمن وصلت إلى مرحلة لا بدَّ فيها من إحداث حركة انتقال وثورة ثقافية تعمل على تفكيك المنظومة الثقافية والاجتماعية والسياسية القائمة وتعيد البناء وفق رؤية عصرية تفاعلية وبحيث تكون القضايا المنطقية أقرب لها من فرضيات الصواب منها إلى فرضيات الخطأ؛ لأَنَّها بالضرورة لا بدَّ أن تذهب إلى المستقبل من نقطة الامتلاء.
مشكلة الإنسان في اليمن تكمن في الفراغ الحضاري والثقافي الذي يعيشه وهو فراغ يشتهي الامتلاء، وقد سبق للأدباء والكتّاب التعبير عنه والتحذير منه ولم يعرهم الساسة آذاناً صاغية، ولذلك نرى من يستغل ذلك الفراغ ليملأه بمشاريع مغتربة عن السياق الحضاري والنسق الثقافي وهي الآن في حالة صدام مع واقعها -أي تلك المشاريع المغتربة عن الواقع اليمني- فالهيمنة للقوى الكبرى كانت دوافعها في الماضي اقتصادية وأدواتها عسكرية، وفي الألفية الجديدة لا يزال الدافع هو نفسه وتغيرت الأدوات من عسكرية إلى اشتغال استخباراتي أمني، فالهيمنة في الألفية الجديدة تقوم على البناءات الثقافية وبحيث تضيق دائرة النزاعات لتكون مقتصرة على الأُمَّــة الواحدة بدل الأمم المختلفة وربما اقتصرت بين الجماعات المتمايزة ثقافيًّا، فالتعددية الثقافية التي أتاحت للثقافات داخل المجتمعات حرية التعبير العلني عن هُــوِيَّاتها الثقافية وعن استحقاقاتها السياسية والدستورية والاجتماعية، الأمر الذي أظهر جماعات علنية تجاهر بطقوس وبثقافات على تضاد مع بعض التصورات الذهنية لجماعات أُخرى مما جعل دائرة الاختلاف والخلاف تظهر كتمايز نوعي واضح، وحالات الصراع التي تحدث في بعض المجتمعات تفضي في النهاية إلى مفردات السلام، والتعايش، واحترام الاختلاف، فالتعدد والتنوع الثقافي أصبح ظاهرة عصرية لا يمكن القفز على حقائقها الموضوعية بل يفترض التفاعل مع تلك الحقائق الجديدة في ظلال المفهوم الشامل للمواطنة وبحيث يمكن من خلال ذلك المفهوم الاشتغال على قيم الانتقال؛ باعتباره يقدم إطاراً قانونياً وثقافيًّا واجتماعياً للتعايش الإيجابي بين مواطنين يتنوّعون ثقافيًّا؛ فالمجتمع أصبح في حالة متغايرة عمّا كان عليها، فالتنوع الثقافي فرض واقعاً اجتماعياً جديدًا، وبناء المجتمعات وفق معطيات الانتقال والتنوع الجديدة يتطلب وعياً وإدراكاً ودراسات علمية بحيث يكون الاشتغال عليها مرتبطاً بالحالات الانتقالية وتدعيماً لضرورات التنوع والتعدد والتعايش والسلام من حَيثُ الأخذ بمبدأ الموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن، فبناء المجتمع وفق معطيات التعدد والتنوع الجديدة يتطلب جهداً مضاعفاً من الجهات والمؤسّسات والأفراد؛ مِن أجل الوصول إلى قيم مشتركة تكون واضحة العلائق تعزيزاً لقيم الانتماء إلى العقيدة الواحدة والأمّة الواحدة وإلى الوطن الواحد.
لا أظن اليمن بكل تاريخها وعمقها الحضاري وتراكمها الثقافي تقبل الحال الذي وصل إليها أبناؤها من شللٍ تام في القدرات وانفصام كامل في الهُــوِيَّة، وتشظٍّ مقيت في الكتل الاجتماعية والثقافية النوعية واغتراب مملٍ عن السياق الحضاري، وتباغضٍ وتنافر وتفكك في منظومة القيم والمثل وغياب لقيم الخير والحق والمروءة والشهامة والنجدة، إنها حالة لا نقول نادرة، بل قد حدث ما يماثلها في دورات التاريخ المختلفة دالة على توالي الانكسارات الحضارية والثقافية التي تتوالى منذ حادثة انهيار السد حتى هذه اللحظة، وهي حالة النكوص التي لم يفق من صدمتها إنسان اليمن حتى لحظته الحضارية المعاصرة في هذا الزمن.
فالاشتغال على الهُــوِيَّة الوطنية الشاملة والهُــوِيَّات المحلية المجزأة من حَيثُ التفكيك وإعادة البناء وتحديد نقاط الالتقاء مهمة المثقف الفرد والعضوي وهي بالأَسَاس مهمة المثقف الأكاديمي، وتفاعل المؤسّسات الرسمية وغير الرسمية مع المعطيات الجديدة يتطلب أَيْـضاً رؤية جديدة وبناءً جديدًا في الهيكل التفاعلي مع المستجدات والمعطيات الجديدة.
وحين نصرخ في وجه هذا الواقع القاتم الذي يذهب إلى عوامل التشظي وتعمل فيه آلة العدوان تفكيكاً وتدميراً للبنى العامة في ظل غياب كامل وصمت مطبق من القراءة والنقد وتماهٍ من بعض القوى السياسية، وشلل تام للقوى الثورية الحداثية التي تملك رؤية تفاعلية ورؤية بنائية؛ وهو الأمر الذي يجعلنا نخافُ على مستقبل اليمن إن لم نتدارك الأمر اليوم قبل الغد.