السيد عبدالملك الحوثي في الدرس الـ12 من وصية الإمام علي لابنه الحسن عليهما السلام: لكي يستجيبَ اللهُ دعاءَنا المطلوبُ فقط أن نستجيبَ نحن أيضًا للّٰه فيما دعانا إليه
الدعاء أيضاً سببٌ للحصول على العطاء من اللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” وتسترحمه ليرحمك
على الإنسان أن يذكِّر نفسه أن وجوده في هذه الحياة؛ هو وجود مؤقت، ومحدود، ولفترة وجيزة
الذنوب أخطر شيء على الإنسان لأنها تسبب سخطَ اللّٰه والعواقبَ السيئة والوخيمة وما يحجب عن الكثير من رحمة اللّٰه
أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.
الَّلهُمَّ اهْدِنَا، وَتَقَبَّل مِنَّا، إنَّكَ أنتَ السَّمِيعُ العَلِيم، وَتُبْ عَليَنَا، إنَّكَ أنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيم.
أَيُّهَــــا الإِخْــــوَةُ وَالأَخَوَات:
السَّــلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَــةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُــه.
قال “عَلَيهِ السَّلَامُ”: ((وَاعْلَمْ، أَنَّ الَّذِي بِيَدِهِ خَزَائِنُ السَّموَاتِ وَالَأرْضِ، قَدْ أَذِنَ لَكَ فِي الدُّعَاءِ، وَتَكفَّلَ لَكَ بِالْإِجَابَةِ، أَمَرَكَ أَنْ تَسْأَلَهُ لِيُعْطِيَكَ، وَتَسْتَرْحِمَهُ لِيَرْحَمَكَ، وَلَمْ يَجْعَلْ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ مَنْ يَحْجُبُكَ عَنْهُ، وَلَمْ يُلْجِئْكَ إِلَى مَنْ يَشْفَعُ لَكَ إِلَيْهِ، وَلَمْ يَمْنَعْكَ إِنْ أَسَأْتَ مِنَ التَّوْبَةِ، وَلَمْ يُعَاجِلْكَ بَالنِّقْمَةِ، وَلَمْ يُعَيِّرْكَ بِالْإِنَابَةِ، وَلَمْ يَفْضَحْكَ حَيْثُ الْفَضِيحَةُ بِكَ أَوْلَى، وَلَمْ يُشدِّدْ عَلَيْكَ فِي قَبُولِ الْإِنَابَةِ، وَلَمْ يُنَاقِشْكَ بِالْجَرِيمَةِ، وَلَمْ يُؤْيِسْكَ مِنَ الرَّحْمَةِ، بَلْ جَعَلَ نُزُوعَكَ عَنِ الذَّنْبِ حَسَنةً، وَحَسَبَ سَيِّئَتَكَ وَاحِدَةً، وَحَسَبَ حَسَنَتَكَ عَشْرًا، وَفَتحَ لَكَ بَابَ الْمَتَابِ، وَبَابَ الْاِسْتِعتَابِ، فَإِذَا نَادَيْتَهُ سَمِعَ نِدَاك، وَإِذَا نَاجَيْتَهُ عَلِمَ نَجْوَاكَ، فَأَفْضَيْتَ إِلَيْهِ بِحَاجَتِكَ، وَاَبْثَثْتَهُ ذَاتَ نَفْسِك، وَشَكَوْتَ إِلَيْهِ هُمُومَك، وَاسْتَكْشَفْتَهُ كُرُوبَكَ، وَاسْتَعَنْتَهُ عَلَى أُمُورِكَ، وَسَأَلْتَهُ مِنْ خَزَائِنِ رَحْمَتِهِ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى إِعْطَائِهِ غيْرُهُ، مِنْ زِيَادَةِ الَأعْمَارِ، وَصِحَّةِ الَأبْدَانِ، وَسَعَةِ الَأرْزَاقِ))، في هذه الجمل المفيدة تحدث أمير المؤمنين “عَلَيهِ السَّلَامُ”، عن أهمية الدعاء، وحث على الدعاء، وأيضًا حث على التوبة إلى اللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، الدعاء هو من أهم ما في العبادة والقربة إلى اللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ومن أهم ما في العلاقة الإيمانية بالله “جَلَّ شَأنُهُ”، واللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، الذي هو: ربنا، وإلهنا، وملكنا ملك السماوات والأرض، {وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[الشورى: من الآية 9]، وهو الغني الحميد، الذي بيده الخير كله الذي له ما في السماوات وما في الأرض، وله أيضًا ما فيهما سواًء مما كان واضحًا وظاهرًا لنا، أو خافيًا عنا، له خزائن السماوات والأرض، وقادرٌ على أن يعطي المزيد والمزيد مما قد خلق وما هو موجود، قادرٌ على أن يخلق المزيد والمزيد، بقدرته على كل شيء {وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}، وهو “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، بكرمه، ورحمته، وفضله، وهو أرحم الراحمين، قد أذن لنا في الدعاء، وفتح لنا هذا المجال أن ندعوه، أن نلتجئ إليه.
الإنسان في ظروف حياته، يواجه الكثير من المشاكل، وأيضًا أمامه الكثير من المتطلبات ومن ضروريات الحياة، وكلها تمثل همًا بالنسبة له، ما يواجهه من متطلبات في حياته متطلبات متنوعة، لمعيشته لظروف حياته المختلفة، وأيضًا ما يواجهه من مشاكل، وأعباء، وتحديات، وآلام، فهناك الكثير والكثير مما يواجهه الإنسان، ويشعر تجاهه بالضعف، والعجز، ويرى نفسه بحاجة إلى من يعينه، إلى من يغيثه، إلى من يمن عليه بما هو بحاجة إليه، أو يدفع عنه ما هو خطر عليه، أو مضرة عليه، كثيرٌ من الناس في مثل هذه الحالات، إما قد يتجه بكل آماله، ورجائه، وطلبته، إلى أحد من الناس، إلى جهة معينة، أو إلى شخص معين، قد توجه إليه بكل أمله بكل رجائه، وتوجه بالطلب إليه، وقد توجه مع الطلب نفسه بكل الأمل نحوه.
والبعض من الناس يعيش حالة اليأس عندما يلحظ عجزه عن الحصول على شيء معين، هو من الضروريات التي يحتاج إليها في حياته، أو يرى عجزه عن دفع مضرةٍ معينة، أو جلب منفعةٍ معينة، يشعر باليأس يشعر بالإحباط، يشعر بالضيق، وتتحول حالة العجز تلك بالنسبة له إلى يأسٍ، وإلى ضيقٍ، وإلى تأثيرٍ سيئٍ على نفسه ومشاعره، الناس الذين يلتجئون إلى الآخرين قد يكون الثمن لالتجائهم إليهم، ثمنًا كبيرًا أحيانًا هو الدين، أحيانًا هو ماء وجوههم، كرامتهم الإنسانية، هذا يحصل للكثير من الناس، ممن يبيعون دينهم، ويبيعون مواقفهم، يتجهون في صف الباطل، من أجل الحصول على شيء مما في أيدي الآخرين، أو مما يأملونه من الآخرين، وهذا يعتبر خسارةً كبيرةً جدًّا على الإنسان؛ لأن ما يحصل عليه الإنسان لو كان كيفما كان، من متاع هذه الحياة، أو متطلباتها، أو رغباتها، إذا كان المقابل هو أن تخسر دينك فأنت خاسر، خسرت نفسك، خسرت رضوان اللّٰه، خسرت مستقبلك في الآخرة، اللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، هو ربنا الرحيم بنا، وهو أكرم الأكرمين، وأرحم الراحمين، وذو الفضل الواسع العظيم، وهو العليم بأحوالنا، والعليم بعجزنا، وضعفنا، وافتقارنا إليه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وهو بفضله، ورحمته، وكرمه، قد فتح لنا باب الدعاء؛ وهذا من أعظم النعم التي أنعم بها علينا، أن فتح لكل عباده باب الدعاء هو القائل جل شأن في كتابه الكريم: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}[البقرة: 186].
المطلوب فقط في المقابل هو أن نستجيب نحن أيضًا للّٰه فيما دعانا إليه، مع أنه في كل ما دعانا إليه دعانا إلى ما هو مصلحة لنا، وهو غني عنه، دعانا إلى ما فيه الخير لنا، دعانا إلى ما فيه دفع الشر عنا فهو “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، يأمرنا أن نستجيب له أيضًا، فيما دعانا إليه، {فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي}، استجابة وإيمان، هما الشرطان الأساسيان في مسألة الدعاء، واستجابة الدعاء، واللّٰه قريب من عبادة، يسمع كل من يدعوه من عباده، ولذلك قال أمير المؤمنين “عَلَيهِ السَّلَامُ”: ((وَاعْلَمْ، أَنَّ الَّذِي بِيَدِهِ خَزَائِنُ السَّموَاتِ وَالَأرْضِ))، اللّٰه ربنا الغني الحميد، الذي له ما في السماوات وما في الأرض، بكل ما فيهما من أنواع النعم وهو قادرٌ أيضًا على أن يوجد المزيد والمزيد، هو الذي ينمّي الأرزاق، هو الذي يمن بالنعم، هو الذي يخلق النعم، هو الرزاق ذو القوة المتين، هو الرحمن الرحيم، هو الغني الحميد، هو “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، بغناه، برحمته، بكرمه، بفضله، قد أذن لك أنت أيها الإنسان الفقير، الضعيف، العاجز، أذن لك في الدعاء أن تدعوه وتكفل لك بالإجابة، عندما قال “جَلَّ شَأنُهُ”: {فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}، هذا تكفل بالإجابة هو “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أيضًا عندما قال في الآية المباركة: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}، هو تكفل بالإجابة، ولذلك عندما تدعو اللّٰه يجب أن تكون راجيًا للّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، حسن الظن باللّٰه “جَلَّ شَأنُهُ”، عندك ثقةٌ في اللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وأملٌ في استجابته للدعاء، ((أَمَرَكَ أَنْ تَسْأَلَهُ لِيُعْطِيَكَ))، ليس فقط أذن مع الإذن أمر، وهذا من كرمه العظيم، من رحمته الواسعة، أنه أمرنا أمرًا، {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}.
وكم في القرآن الكريم وكم ورد عن الرسول “صَلَوَاتُ اللّٰه عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ”، من الحث لنا على الدعاء أن نتوجه إلى اللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” بالدعاء، وأمرك أن تسأله ليعطيك، فالدعاء سببٌ للحصول على الخير من اللّٰه، سببٌ لأن تحصل على العطاء الإلهي، على أن يعطيك اللّٰه، وعطاء اللّٰه عطاءٌ واسع، وما نحتاجه من اللّٰه هو كل شيء، نحتاج إلى اللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، في الأمور المادية، في الأمور المعنوية، في مختلف أمور حياتنا، وظروف حياتنا، ومتطلبات حياتنا الواسعة، فاللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” يعطي، هو أكرم الأكرمين، هو أرحم الراحمين، هو الغني الحميد، هو ذو الفضل، الواسع العظيم.
إنما الدعاء أيضًا سببٌ للحصول على العطاء من اللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وتسترحمه ليرحمك تطلب منه الرحمة، وهو “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، يرحمك عندما تطلب منه الرحمة، وتأخذ بأسباب الرحمة، هو “جَلَّ شَأنُهُ”، يرحمك، ورحمته واسعة، يدخل ضمنها الرعاية الواسعة لك، يرحمك فيمُّن عليك من عطائه الواسع، بما تحتاج إليه، بما يدفع عنك الضر، بما يحقق لك الخير، بما يفرج عنك الكرب، بما يخرجك من الضيق، أشياء كثيرة جدًّا فالرحمة من اللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” واسعة، تشمل كل واقعك؛ الذي تطلب فيه من اللّٰه الرحمة، وللدنيا والآخرة ((وَلَمْ يَجْعَلْ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ مَنْ يَحْجُبُكَ عَنْهُ))، لم يجعل معنيين يكون مهمتهم الحجاب، أن يكونون هم من يمنعونك عن أن يصل دعاؤك إليه، وأن يسمعك، وأن يعلم بحالك، لأنه لا يمكن ذلك إلا عبرهم، وهم لم يسمحوا بذلك، أنت ستخاطب اللّٰه وتدعو اللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، بشكلٍ مباشر، ليس هناك من يحجبك عنه، ولا من يقف أمامك ليمنعك من الوصول بصوتك ونداءك إلى اللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، لا يقدر أحدٌ على أن يمنع وصول دعائك إلى اللّٰه، وصول شكواك إلى اللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، أنت تدعو اللّٰه ودعاؤك يصل إلى اللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ليس هناك من يحجبك عنه.
((وَلَمْ يُلْجِئْكَ إِلَى مَنْ يَشْفَعُ لَكَ إِلَيْهِ))، لم يلجئك إلى وسطاء، يشفعون لك، فإذا شفعوا لك قبل دعائك واستجاب لك، “وسُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، عندما قال: {أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}، والكلام موجه إلى عباده، {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي}، ليست المسألة فقط في نطاق فئة محدودة من البشر يمكن عبرهم أن يصل الدعاء، أو يمكن عبر وساطتهم أن يستجيب اللّٰه، في أي ظرفٍ أنت، في أي مكانٍ أنت، تستطيع أن تدعو اللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، بشكلٍ مباشر ويسمع دعاءك ويستجيب لك، إذا التزمت بأسباب الاستجابة، وأخذت بأسباب الاستجابة، ((وَلَمْ يُلْجِئْكَ إِلَى مَنْ يَشْفَعُ لَكَ إِلَيْهِ))، فقد فتح المجال لكل عباده، أن يدعوه بشكلٍ مباشر، أن يتوجهوا إليه بالدعاء بشكلٍ مباشر، وهو يسمع دعاءهم.
((وَلَمْ يَمْنَعْكَ إِنْ أَسَأْتَ مِنَ التَّوْبَةِ))، الموضوع الأول: هو موضوع الدعاء، وهو موضوع مهم جدًّا، والحالة التي يبني الإنسان واقع حياته على أساسها في الرجوع إلى اللّٰه، والالتجاء إلى اللّٰه بالدعاء، في كل الأحوال والظروف، في الرخاء والشدة، وفي اليسر والعسر، وفي مختلف الأحوال هي حالةٌ إيمانية، وهي تجعلك قوي الصلة باللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، قوي التوجه نحو اللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، هذا يعبر عن التجائك إلى اللّٰه، عن توكلك على اللّٰه، عن ثقتك باللّٰه، عن اعتمادك على اللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، عن رجائك في اللّٰه “جَلَّ شَأنُهُ”، ولذلك هو مرتبطٌ فعلاً بالحالة الإيمانية، والإنسان المؤمن لابد أنه ملازم للدعاء، وفي كل الأحوال، ليس فقط في حالة الشدة، كان المشركون وهم المشركون في حالة الكرب، {وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}[لقمان: من الآية 32]، إذا كانوا في الكرب والشدة، {دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}، دعوا بإخلاص للّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، لكن الإنسان المؤمن مما يميز واقعه في مسألة الدعاء، أنه يدعو في كل الأحوال، في الرخاء وفي الشدة، في اليسر وفي العسر، واهتماماته فيما يطلبه من اللّٰه، ويسأله من اللّٰه واسعة، لا تقتصر فقط على المتطلبات المادية، أو تقتصر على ظروف الحياة هذه، في كشف الضر، وفي جلب المنافع؛ إنما أيضًا يلحظ مع الدنيا مستقبله في الآخرة، {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}[البقرة: من الآية 201]، يطلب من اللّٰه التوفيق، يطلب من اللّٰه الهداية، علمنا اللّٰه أن نقول في كل صلاة {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}[الفاتحة: 6]، وأن يتصدر هذا المطلب، كل مطالبنا الأخرى.
طلب الهداية من اللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، اللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في هدايته في الكتاب الكريم في القرآن المجيد، يبين لنا الأشياء الأساسية والمهمة التي ينبغي أن نأخذها بعين الاعتبار، فيما نطلبهُ من اللّٰه وفيما نسعى له عملياً، ضمن اهتماماتنا العملية، ولذلك ففي مسألة الدعاء، نحرص على أن نطلب من اللّٰه الهداية، التوفيق، أن ينجينا من الزيغ، نسأل اللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، أن يمدنا بالنصر والتأييد، نطلب من اللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، أن يعفو عنا، أن يرحمنا، أن يغفر لنا، والدعاء بالمغفرة؛ هو من أهم الأدعية، والتوبة بشكل مستمر، ملازمة التوبة هي من الأمور المهمة.
مما يتربى عليها الإنسان المؤمن ومما يدرك أهميتها من خلال هدى اللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ولهذا ربط مسألة التوبة مع الدعاء، أخطر شيء على الإنسان؛ هي الذنوب، ما يسبب لك سخط اللّٰه، ما يسبب لك العواقب السيئة، ما يسبب لك المصائب والعواقب الوخيمة، ما يحجبك عن الكثير من رحمة اللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، هو الذنوب، الذنوب قضية خطيرة جدًّا والمعاصي على الإنسان، ودائرة المعاصي واسعة، منها ما هو إخلالٌ بما أمرنا اللّٰه به، تفريط تجاه ما أمرنا اللّٰه به، هذا جانب من المعاصي، علينا مسؤوليات كثيرة، أمرنا اللّٰه بأوامرَ كثيرة، فالبعض من الناس يفرط، ويستمر ويصر على تفريطه تجاه ما قد أمر اللّٰه به، وهناك أيضًا من المعاصي ومن الذنوب، ما يتعلق بالنواهي، التجاوز لما نهى اللّٰه عنه، فاللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، أمرنا بأشياء ونهانا عن أشياء، الذنب والمعصية هي المخالفة لأوامر اللّٰه أو نواهيه، عندما تخالف ما أمرك اللّٰه به أو تخالف تجاه ما نهاك اللّٰه عنه، والمعاصي والذنوب لها آثار سيئة على الإنسان حتى في نفسه، على مشاعره، على وجدانه، على قلبه، ولهذا يقول اللّٰه في القرآن الكريم:{كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}[المطففين: 14]، تسبب قسوة القلب، تسبب حالة الغفلة لدى الإنسان، تنمي في الإنسان الميول والرغبات السيئة، حتى تطغى على زكاء نفسه، على حبه لما فطره اللّٰه عليه، من الفضائل، من مكارم الأخلاق، من الأعمال الصالحة، من التصرفات الحكيمة، فينحرف عن كل ذلك، ويتجه أكثر وأكثر كلما أصر على المعاصي، وكلما تكاثرت المعاصي، دون إقلاع، دون توبة، دون رجوع إلى اللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، والإنسان هو يظلم نفسه بالذنوب؛ لأنها تشكّل خطراً عليه، تسبب له عقوبات سيئة، كل ذنب عليه عقوبة، كل ذنب له نتيجة سيئة عليك، ولهذا سمي الذنب سيئة؛ لأن آثاره سيئة، وعواقبه سيئة، وهو في أصله سيء؛ فمخاطره عليك، والإنسان قد يستهتر تجاه أنواع من الذنوب معينة، فلا يقلع عنها، ولا يتوب منها، فتتكاثر حتى تؤثر عليه تأثيرًا سيئًا، فتكون سببًا في سلبه، في أن يسلب التوفيق من اللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، أن يسلبه اللّٰه التوفيق، وأن يخذله فيزيغ قلبه، وينحرف، ويضيع، ويسيطر عليه الشيطان، والحالة خطيرة جدًّا، وشبَّه النبي “صَلَوَاتُ اللّٰه عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ”، الذنوب التي يستهتر بها الكثير من الناس، فتتكاثر في واقعهم، كمن يجمع الحطب قليلًا قليلًا، فتكاثر حتى أصبح كمية كبيرة، عندما يشعله بالنيران يحرقه، وهذا حال الإنسان عندما يستهتر بالبعض من أنواع الذنوب.
فمن أهم ما ينبغي للإنسان، أن يرسخ في نفسه الوعي والإيمان واليقين تجاه خطورة الذنوب، وتجاه مساوئ الذنوب، وهناك أيضًا الكبائر التي ذُكرت في القرآن بخصوصها، وأتى الوعيد عليها بخصوصها، هناك قائمة كبيرة في القرآن الكريم لمعاص مذكورة باسمها وبالوعيد عليها، بالوعيد عليها حتى بنار جهنم- والعياذ باللّٰه-، وهي ذنوب فظيعة جدًّا، وخطيرة جدًّا على الإنسان، آثارها سيئة على الناس في حياتهم، وأكبر مشكلة مع الناس في حياتهم هي الذنوب، هي المعاصي، هي الجرائم، هي التي تكدر حياتهم، هي التي تسبب المشاكل فيما بينهم، هي التي تؤثر سلبًا على واقعهم، هي تمثل مشكلة حقيقية في واقعهم، الجرائم بأنواعها؛ هي المشكلة التي تقلق على الناس أمنهم، وتضطرب بسببها معائشهم، ويفقدون الاستقرار بسببها، تكثر بسببها المشاكل النفسية، والأزمات، والمخاطر على الناس في حياتهم، فيجب أن يكون هناك وعي تجاه خطورة الذنوب، ومساوئها، وآثارها السيئة، ثم هي التي تؤثر عليك في علاقتك باللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، في إقبالك إليه، في مشاعرك نحو اللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، هي تدنس فطرتك، تدنس نفسيتك، تترك آثارًا سيئة على مشاعرك، على وجدانك، وتغير حتى طريقتك في التفكير، تغير اهتماماتك، آثارها سيئة جدًّا، فلهذا يجب أن يكون لدى الإنسان الوعي تجاه خطورة الذنوب، وأن يدرك بالتالي أهمية التوبة.
اللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، برحمته العظيمة والواسعة، ومن أبرز مظاهر رحمته: أن فتح لعباده باب التوبة والإنابة، والرجوع إليه، لو لم يفتح باب التوبة لكانت مشكلة كبيرة على الإنسان، إذا أساء، وأراد الرجوع إلى اللّٰه ولم يكن مقبولًا منه، لكانت قضية خطيرة جدًّا، وكارثة كبيرة على البشر، ولكن اللّٰه برحمته فتح لهم باب التوبة.
((وَلَمْ يَمْنَعْكَ إِنْ أَسَأْتَ مِنَ التَّوْبَةِ))، بل هو أيضًا من أمرنا بالتوبة نادانا بالتوبة، نادانا بنداء الرحمة، النداء العجيب في القرآن الكريم، {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (54)وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ}[الزمر: 53-54]، فهو “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، نادانا إلى التوبة، وأمرنا بالتوبة وبالرجوع إليه قبل مجيء العذاب.
((وَلَمْ يُعَاجِلْكَ بَالنِّقْمَةِ))، اللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، بحلمه، بكرمه برحمته، لم يعاجل الإنسان بمجرد أن يُسيء، فبادره على الفور بالعقوبة بالنقمة، مع أنه قادر على ذلك أن لا يتيح للإنسان أي فرصة حتى للتوبة، بمجرد أن يذنب الذنب يضرب بشكل مباشر، ويعاقب بشكل مباشر، لكن اللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” بحلمه يعطي الإنسان الفرصة للرجوع.
((وَلَمْ يُعَيِّرْكَ بِالْإِنَابَةِ ))، عندما تنيب إليه، وترجع إليه تائبًا، مستغفرًا، مقلعًا عن الذنب، فهو يغفر لك هو لا يعيرك ليس واقعه ما يعمل مثلما يعمله البشر مع بعضهم البعض، قد تسيء إلى إنسان ثم تذهب إليه معتذرًا منه، وقبل أن يقبل منك عذرك إن كان سيقبل، سيوبخك، ويعيرك، ويوجه إليك التوبيخ والكلام الجارح، وأنك اضطررت للاعتذار منه وأنك وأنك وهكذا، يعيرك حتى برجوعك إليه، باعتذارك منه، وهو لا يقدر لك أنك اعتذرت إليه، بل يعيرك بذلك، ويسيء إليك بذلك، ويتشفى منك، أنه وجدك في حالة تعتذر، فكأنه يستصغرك، ويحتقرك، فيزداد توبيخًا لك، أما اللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، فهو من قال عن نفسه: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}[البقرة: من الآية 222]، هو “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، من قال هذا القول: {يُحِبُّ التَّوَّابِينَ}، هو من يقبل التوبة من عبده التائب، المنيب، الصادق، الراجع إلى اللّٰه بالتوبة النصوح، ويغفر له ويحبه، {هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ}[التوبة: من الآية 104]، ويأخذ الصدقات، هو “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، من أسمائه الحسنى التواب، التواب الرحيم.
((وَلَمْ يُعَيِّرْكَ بِالْإِنَابَةِ، وَلَمْ يَفْضَحْكَ حَيْثُ الْفَضِيحَةُ بِكَ أَوْلَى))، كذلك، لم يعاجلك بالفضيحة يستر عليك ذنبك، والبعض من الناس يغتر، يغتر بستر اللّٰه، عندما يستر اللّٰه ذنبه فيزداد جرأةً، ويُصرّ، ويستمر حتى يفضحه اللّٰه، بعد أن كان ستر عليه، فلم يُنِب، لم يستحْ من اللّٰه، لم يرجع إلى اللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ولم يشدد عليك في قبول الإنابة، هو “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، في قبولهِ للتوبة، لم يشدد عليك، كان من الممكن أن تكون التوبة في أكثر الأمور، بطريقة شاقة جدًّا، مثلما ورد في قصة بني إسرائيل في توبتهم، في الأمر لهم بقتل أنفسهم، لكن في معظم القضايا والأمور، توبة الإنسان إلى اللّٰه: هي رجوعٌ إلى اللّٰه، طلبٌ للمغفرة، ندمٌ على المعصية، إقلاعٌ عن الذنب، وتداركٌ لما حصل من جانب الإنسان، مثلًا إن كان شيئًا من حقوق العباد أعاده إليهم وتخلص منه بذلك، إن كان شيئًا مما عليه من مسؤوليات تدارك ذلك، فهو يؤدي ما عليه واللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” هو المتقبل للإنابة والتوبة، لم تكن المسألة بطريقة شاقة جدًّا، يكون فيها على الإنسان شروط معقدة للغاية، التزامات معقدة للغاية، بل هناك تسهيل وتيسير عجيب من اللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وترغيب كبير في التوبة.
((وَلَمْ يُنَاقِشْكَ بِالْجَرِيمَةِ))، عندما ترجع إلى اللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وتتوب إليه، وتقلع عن الذنب، وتتخلص منه، هو لا يفتح لك بابًا للنقاش، والأخذ، والرد، والمزيد من التوبيخ، يغفر لك إذا تبت توبةً نصوحًا وفق تعليماته “جَلَّ شَأنُهُ” عن التوبة، يغفر لك مباشرةً، لا يفتح معك نقاشًا طويلًا، عريضًا، ويقاصيك بشدة على مسألة ما عملت وفعلت.
((وَلَمْ يُؤْيِسْكَ مِنَ الرَّحْمَةِ))، هو “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” كما قال في القرآن الكريم: {لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ}، {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ}[الزمر: من الآية 53]، هو من ينهانا عن اليأس من رحمته؛ حتى لا يكون اليأس عائقًا لنا عن التوبة، الشيطان قد يدخل للبعض من الناس يقول: لا فائدة بأن تتوب، لن يقبل اللّٰه توبتك، ويصرفه بذلك عن التوبة؛ أما اللّٰه فهو الذي يحذرنا من اليأس من رحمته، إلى درجة أن اليأس من رحمته هو من الذنوب الكبيرة، {إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ}[يوسف: من الآية 87]، {قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ}[الحجر: 56]، فلا يأس من رحمة اللّٰه، وهذا حافز للرجوع إلى اللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ليس معنى ذلك أن تقول اللّٰه غفورٌ رحيم؛ وتجعل ذلك سببًا لجرأتك على الاستمرار في المعاصي، والتفريط، والاستهتار بأوامر اللّٰه، هذا اتجاهٌ خاطئ، اتجاه المستهترين، أما اتجاه الإنسان المؤمن، الراجع حقًا لله؛ فهو يجعل هذا دافعًا إلى العودة إلى اللّٰه، إلى التوبة، إلى الإنابة، إلى الرجوع الصادق إلى اللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.
((بَلْ جَعَلَ نُزُوعَكَ عَنِ الذَّنْبِ حَسَنةً))، جعل إقلاعك، وتركك للذنب، وابتعادك عن المعصية جعلها حسنةً مكتوبةً لك؛ إقلاعك عن الذنب، وتركك للذنب، من أجل اللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وأنت في إطار الرجوع إليه، والتوبة إليه، وطلب المغفرة منه، حَسَبَ لك ذلك، وجعله حسنة.
((وَحَسَبَ سَيِّئَتَكَ وَاحِدَةً، وَحَسَبَ حَسَنَتَكَ عَشْرًا))، من رحمته، من فضله، أنه جعل السيئة فقط واحدة، تكتب بحجمها، أما الحسنة فحَسَبَها عشرًا، وهذا هو الحد الأدنى في مضاعفة الأجر والثواب، إن اللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” جعل الحسنة بعشرة أمثالها، فعندما تعمل أي عمل، أو تقدم أي شيءٍ في سبيل اللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، أو في سبل الخير التي وجه إليها، وأرشد إليها، يحسب إليك بعشرةِ أمثاله، و هذا كرم عظيم من اللّٰه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ورحمةٌ عجيبةٌ منه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، فأنت عندما تقدم أي شيءٍ مما تعطيه، أو أي عمل تعمله من الأعمال الصالحة، المقبولة يحسب لك بعشرة أمثاله.
((وَفَتحَ لَكَ بَابَ الْمَتَابِ، وَبَابَ الْاِسْتِعتَابِ))، فتح لك باب التوبة، وباب العُتبة، الرجوع إلى اللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”؛ لطلب رضوانه، والخروج من الذنب، الخروج من الحالة السيئة التي كنت فيها، تعرض نفسك لسخطه، وغضبه، وعذابه.
((فَإِذَا نَادَيْتَهُ سَمِعَ نِدَاك، وَإِذَا نَاجَيْتَهُ عَلِمَ نَجْوَاكَ))، يسمعك ويعلم بنجواك، ما تطلبه منه، ما تناجيه به، ما تشكو به إليه، ما تطلبه منه، يسمع ويعلم “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.
((فَأَفْضَيْتَ إِلَيْهِ بِحَاجَتِكَ، وَأَبْثَثْتَهُ ذَاتَ نَفْسِكَ))، فأنت تتقدم إلى اللّٰه، وتُلقي إليه بحاجتك، ما تريده منه، ويمكنك حتى بلهجتك العادية، بما تستطيعه من العبارات، بما تتمكن منه، لا يحتاج الموضوع أن يكون مشروطًا بأن تكون من البلغاء، أو أن تكون ممن يتقنون اللغة الفصحى، يستطيع حتى العامي، يستطيع بلهجته العادية أن يتقدم بشكلٍ بسيط بالعبارات التي يمتلكُها، ليذكر ويتقدم إلى اللّٰه بحاجته، وما يريده، وما يسأله من اللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، يمكنك أن تتخاطب مع اللّٰه حتى بلهجتك المحلية؛ الباب مفتوح ليس هناك تعقيدات ما بينك وبين اللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.
((وَأَبْثَثْتَهُ ذَاتَ نَفْسِكَ))، أنت تتقدم إلى اللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، بما في نفسك من هموم، أو ما تشكو به إلى اللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.
((وَشَكَوْتَ إِلَيْهِ هُمُومَك، وَاسْتَكْشَفْتَهُ كُرُوبَكَ))، تشكو إليه همومك وهو: ربُك، هو الرحيم بك، هو الأرحمُ بك من كل أحد، هو القريب الذي يسمعُك، ويسمع نداءك، ويسمع شكواك، هو الذي يقدر على أن يصرف عنك كل شر، وهو القادر على كل شيء، والقادر على أن يمنَّ عليك بما يكشف همك، وبما يكشف كربك.
((وَاسْتَعَنْتَهُ عَلَى أُمُورِكَ))، والإنسان بحاجة إلى أن يستعين اللّٰه، في كل أموره، وفي كل أعماله، ((وَسَأَلْتَهُ مِنْ خَزَائِنِ رَحْمَتِهِ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى إِعْطَائِهِ غيْرُهُ، مِنْ زِيَادَةِ الَاعْمَارِ، وَصِحَّةِ الَابْدَانِ، وَسَعَةِ الَارْزَاقِ))؛ لأنه هو القدير على كل شيء، فأنت ستطلب منه ما لا يقدر عليه غيره أبدًا، ومثل هذه المطالب في مسألة العمر، من أهم الأدعية في مسألة العمر الدعاء الذي ورد في دعاء مكارم الأخلاق للإمام زين العابدين “عَلَيهِ السَّلَامُ“: ((وعَمِّرْنِي مَا كَانَ عُمْرِيْ بِذْلَةً فِي طَاعَتِكَ، فَإذَا كَانَ عُمْرِي مَرْتَعَاً لِلشَّيْطَانِ فَـاقْبِضْنِي إلَيْـكَ قَبْـلَ أَنْ يَسْبِقَ مَقْتُـكَ إلَيَّ، أَوْ يَسْتَحْكِمَ غَضَبُكَ عَلَيَّ))، لأنه لا خير للإنسان في زيادة عمره؛ إلا إذا كان في طاعة اللّٰه؛ إلا إذا كان سيستفيد منه، القُربةَ إلى اللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، سترتفع درجاته بذلك عند اللّٰه، سيتخلص من معاصٍ، من مظالم، من حقوق، وتبعات.
وصحة الأبدان، والإنسان بحاجة إلى صحة بدنه، ونعمة الصحة: من أعظم النعم على الإطلاق، والكثير من الناس لا يدرك قيمتها، ولا يستشعر قيمتها؛ إلا إذا فقدها، عندما يمرض الإنسان هو يدرك قيمة الصحة، عندما يصبح يعاني من المرض، وآثار المرض، وتأثيراته على حياته، على واقعه، حينها يدرك كم كانت الصحة نعمةً عظيمةً جدًّا، ولذلك مما يطلبه الإنسان من اللّٰه: صحة بدنه والعافية، يطلب من اللّٰه العفو والعافية، والصحة.
وسعة الأرزاق، والإنسان بحاجة إلى سعة الرزق، ضيق الرزق: هو من أكبر ما يؤثر على الكثير من الناس، في نفسياتهم، في حياتهم، في همومهم، في واقعهم العملي، في اهتماماتهم في الحياة، في علاقاتهم، في كل أمورهم، والمسألة أيضًا يرتبط بها سواءً صحة الأبدان، أو سعة الأرزاق، كيف يسخرها الإنسان أيضًا فيما يفيده عند اللّٰه، لا يحسب الإنسان فقط حساب هذه الدنيا، يكون عنده اهتمام بمستقبله الأبدي، والقادم عند اللّٰه “جَلَّ شَأنُهُ”، كيف يستفيد من صحته في الأعمال الصالحة؟، في الأعمال العظيمة، الأعمال التي تقربه من اللّٰه “جَلَّ شَأنُهُ”، كيف يستفيد من قوته البدنية؟، في الأعمال العظيمة، والمهمة، والمفيدة والنافعة، التي عليها أجرٌ عظيم، ليس فقط حصرًا في أمور هذه الحياة، ومتطلبات هذه الحياة الدنيا، وكذلك في سعة الأرزاق، كيف تكون سعة رزقك وسيلةً للخير أيضًا في الآخرة، من خلال ما تقدمه لآخرتك، وليس فقط بالاهتمام بمتطلبات معيشتك في هذه الحياة، ثم يغيب عنك الاهتمام بمستقبلك في الآخرة، هذه كلها بيد اللّٰه، هذه الأمور مما هي ذات أهمية كبيرة عند الكثير من الناس، مع أنه سيأتي الحث على غيرها، لكن هذه من أهم الأمور لدى الناس، هذه بيد اللّٰه، يلتجئ فيها إلى من؟ إلى اللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، هو الذي يملك أن يعطيك ذلك، أن يعطيك الزيادة في العمر، أن يعطيك الصحة في البدن، أن يوسَّعَ لك في الرزق.
((ثُمَّ جَعَلَ فِي يَدَيْكَ مَفاتِيحَ خَزَائِنِهِ بِمَا أَذِنَ لَكَ فِيهِ مِنْ مَسْأَلتِهِ))، عندما أذِنَ اللّٰه لك في الدعاء، وأمرك بالدعاء، ووعدك بالإجابة، هو كما لو أعطاك المفاتيح التي تفتح بها خزائن رحمته، هذا تشبيه بليغ جدَّا.
((فَمَتَى شِئْتَ اسْتَفْتَحْتَ بِالدُّعَاءِ أَبْوَابَ نِعَمِهِ))، افتح أبواب نعمة اللّٰه بالدعاء إلى اللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، الدعاء المنطلق من رجاءٍ خالص، من توجهٍ صادق، من قلبٍ خاشع، من إقبالٍ حقيقي نحو اللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، الدعاء الذي تنطلق فيه وأنت مستجيبٌ للَّه، {فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي}[البقرة: من الآية 186]، أنت تنطلق من هذه الأرضية الإيمانية، بالإقبال إلى اللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.
((وَاسْتَمْطَرْتَ شآبِيبَ رَحْمَتِهِ))، شآبيب: الدُفع من المطر، من الغيث، فرحمة اللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” متاحةٌ يقدمها إلى عباده، هو الرحيم بعباده، تتوجه رحمته نحوهم، فيما يمنُّ به عليهم، وفيما يصرفه عنهم، وفيما يتفضل به عليهم، فأنت عندما ترجع إلى اللّٰه، تُقبل إلى اللّٰه، تتجه إلى اللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”؛ فأنت تطلب منه أن يمطر عليك من غيث رحمته، دعاؤك: هو سبب لأن تحصل على هذه الدفعة من رحمة اللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.
((فَلَا يُقَنِّطَنَّكَ إِبْطَاءُ إِجَابَتِهِ))، لا يصيبك بالقنوط تأخر الإجابة، أنك أحيانًا تدعو بالشيء، فتتأخر عنك الإجابة، لا يكون ذلك دافعًا لك إلى القنوط، هناك أسباب لتأخير الإجابة متعددة.
((فَإِنَّ الْعَطِيَّةَ عَلَى قَدْرِ النِّيَّةِ))، فكر أولًا: كيف أنت في إقبالك إلى اللّٰه، في رجائك للّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، في توجه كل أملك نحو اللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، في مدى إخلاصك للّٰه “جَلَّ شَأنُهُ”، قد تكون اتجهت بآمالك نحو العباد أكثر مما اتجهت نحو اللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، هذا يؤثر عليك، في نيتك، في دافعك النفسي، في واقع شعورك، ووجدانك، وأنت تتجه نحو اللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.
((وَرُبَّمَا أُخِّرَتْ عَنْكَ الْإِجَابَةُ، لِيَكُونَ ذلِكَ أَعْظمَ لِأَجْرِ السَّائِلِ، وَأَجْزَلَ لِعَطَاءِ الْآمِلِ))، اللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” وهو يستجيب، هناك حكمة اللّٰه “جَلَّ شَأنُهُ” في مسألة الاستجابة للدعاء، والأمور بالنسبة للناس، قد تكون رغباتهم، آمالهم، طموحاتهم، فيما هو أحيانًا خارج إطار الحكمة، حكمة اللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، فيما يتعلق بهم، فيما يتعلق بالداعي نفسه، بظروف حياته، بواقعه، أو اعتبارات أخرى تعود إليه، فاللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: هو الحكيم، وهو الرحيم، قد يكون تأخر الإجابة عنك ليساعدك على أن تُقبل أكثر، وأكثر إلى اللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وهذا يؤهلك إيمانيًا إلى مستوى أفضل، ويرفع درجاتك على المستوى الإيماني في الإقبال إلى اللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، والتخلص من عوائق الإجابة، ثم تحصل على المزيد من الأجر، ومن العطاء الإلهي.
((وَرُبَّمَا سَأَلْتَ الشَّيْءَ فَلَا تُؤْتَاهُ، وَأُوتِيتَ خَيْرًا مِنْهُ))، قد تطلب الشيء من اللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، لكنه يعطيك فيما بعد ذلك ما هو أفضل من ذلك الشيء الذي طلبته، هو خيرٌ لك من ذلك الشيء الذي طلبته، وأوتيت خيرٌ منه عاجلًا أو آجلًا؛ لأن اللّٰه هو الأعلم بما هو الخير لك، الأفضل لك فيما له من نتائج وتأثيرات في حياتك، أو صرف عنك لما هو خير لك، أو كذلك يُصرف عنك أصلًا؛ لأن الاستجابة لك به قد تؤثر عليك أصلًا.
((فَلَرُبَّ أَمْرٍ قَدْ طَلَبْتَهُ فِيهِ هَلَاكُ دِينِكَ لَوْ أُوتِيتَهُ))، الإنسان قد يطلب الشيء بإلحاح، وفي ذلك الشيء الذي يطلبه من اللّٰه ويدعو، يدعو اللّٰه أن يُؤتيه إياه، فيه خطرٌ على دينهِ، فيه مضرة على دينهِ، وهي أكبر الخسارة، ما يؤثر على دينك، ما يضر بدينك فاللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” يصرفه عنك؛ لأنه يعلم أنك ستخسر بذلك خسارةً كبيرة، والمسألة مهمة فعلًا اللّٰه يقول في القرآن الكريم: {وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ}[الإسراء: من الآية 11]، لأن الإنسان يجهل الكثير، ويجهل المستقبل، وتغيب عنه خلفيات الكثير من الأشياء، فلا يعرف مآلاتها، ونتائجها في واقعه، لكن اللّٰه هو الأعلم بما هو مصلحة لك، وما هو خيرٌ لك.
((فَلْتَكُنْ مَسَأَلَتُكَ فِيَما يَبْقَى لَكَ جَمَالُهُ، وَيُنْفَى عَنْكَ وَبَالُهُ، فَالْمَالُ لَا يَبْقَى لَكَ وَلَا تَبْقَى لَهُ))، يعني لا يكن كل اهتمام الإنسان من الدعاء هو الماديات، دائمًا يطلب الماديات، الماديات، تريد المال، من واقع أنه يحب المال حبًا جما، وكل دُعاءه وكل ما يطلبه من اللّٰه هو المال، {رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ}[البقرة: من الآية 200]، هناك جانب من أمور الإنسان ومعيشته، وظروف حياته، يطلب من اللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ويدعو ويسأل اللّٰه “جَلَّ شَأنُهُ” فيه، تطلب من اللّٰه أن يرزقك، لا مانع من ذلك، تطلب منه أن يشفيك، أو يشفي مريضك؛ إذا كان أحد من أقربائك مريضً أو غير ذلك، دائرة الدعاء واسعة في أمور دنياك، لكن لا تقتصر على ذلك، هناك أمور مهمةٌ جدًّا بالنسبة لك، تعود إلى مستقبلك الأبدي في الآخرة، تعود إلى واقعك العام كأمة، تحتاج من اللّٰه أن يعيننا، أن يوفقنا، أن ينصرنا، أن يؤيدنا، أن يفرج عنا، أدعية كثيرة ومجالات مهمة، ولهذا علمنا اللّٰه في القرآن الكريم الكثير من الأدعية التي لها علاقة بأمور مهمة، عندما يعلمنا عن دعاء الراسخين في العلم: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ}[آل عمران: 8]، عندما يعلمنا أيضًا عن دعاء أصحاب الكهف: {رَبَّنَا آَتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا}[الكهف: من الآية 10]، عندما يعلمنا الدعاء الجامع لخير الدنيا والآخرة: {رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}[البقرة: من الآية 201]، عندما يعلمنا دعاء الربانيين في سورة آل عمران: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}[آل عمران: من الآية 147]، أدعية من أدعية أنبيائه، من أدعية نبي اللّٰه نوح “عَلَيهِ السَّلَامُ”، دعاء نبي اللّٰه آدم وزوجته حواء “عَلَيهِما السَّلَامُ” في التوبة إلى اللّٰه: {قَالَا رَبَّنَا ظَلَـمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَـمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}[الأعراف: 23]، دعاء لنبي اللّٰه إبراهيم، أدعية لكثير من الأنبياء، ذكرها في سورة الأنبياء وفي غيرها، نماذج مهمة جدًّا تعلمنا كيف تكون اهتماماتنا، وما نركز عليه، وما نهتم به، ونحرص على أن نطلبه من اللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، أنه يمثل أهميةً كبيرةً لنا، لا يبقى اهتمام الإنسان فقط في الطلبات المادية، هذا فيما يتعلق بالدعاء والتوبة؛ وهو من الأمور المهمة التي يجب أن يأخذها الإنسان بعين الاعتبار، في مسألة التوبة يجب أن يتعود الإنسان على الإقبال إلى اللّٰه بالتوبة، وطلب المغفرة في أوقات متكررة من يومه وليلته، بعد الصلوات مثلًا، آخر الليل في وقت السحر، في الأوقات التي يستجاب فيها الدعاء، في الأوقات التي ورد الحث فيها على الاستغفار، أنواع معينة من الاستغفار، هذه مسألة مهمة يتعود عليها الإنسان، حتى لا تتراكم عليه الذنوب بخطورتها، ومساوئها، وآثارها الخطيرة على الإنسان في نفسه وحياته، وفي علاقته بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” وفي تأثيرها، حتى على مسألة الدعاء.
((وَاعْلَمْ يَا بُنيَّ أَنَّكَ إِنَّمَا خُلِقْتَ لِلْآخِرِةِ لَا لِلدُّنْيَا، وَلِلْفَنَاءِ لَا لِلْبَقَاءِ، وَلِلْمَوْت لَا لِلْحَيَاةِ، وَأَنَّكَ فِي قُلْعَةٍ، وَدَارِ بُلْغَةٍ، وَطرِيقٍ إِلَى الْآخِرَةِ، وَأَنَّكَ طَريدُ الْمَوْتِ الَّذِي، لَا يَنْجُو مِنْهُ هَارِبُهُ، وَلَا يَفُوتُهُ طَالِبُهُ، وَلَا بُدَّ أَنَّهُ مُدْرِكُهُ، فَكُنْ مِنْهُ عَلَى حَذرِ أَنْ يُدْرِكَكَ وَأَنْتَ عَلَى حَال سَيِّئَةٍ، قَدْ كُنْتَ تُحَدِّثُ نفْسَكَ مِنْهَا بِالتَّوْبَةِ، فَيَحُولَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ ذلِكَ، فَإِذَا أَنْتَ قَدْ أَهْلَكْتَ نَفْسَكَ))، واعلم؛ هذا من الأمور المهمة التي يجب أن يعلم بها الإنسان، وأن يستوعبها بالشكل المطلوب، وأن يتيقن بها، وأن يتذكرها كثيرًا، وأن يبني عليها اهتماماته، اهتماماته العملية.
((وَاعْلَمْ يَا بُنيَّ أَنَّكَ إِنَّمَا خُلِقْتَ لِلْآخِرِةِ لَا لِلدُّنْيَا))، كن على وعي وتذكُر دائم، بأنك موجود في هذه الحياة لفترة مؤقتة فقط، وأن رحيلك من هذه الحياة هو أمر حتمي، ولا تدري متى؛ أنت لا تدري متى موعد الرحيل من هذه الحياة، مشكلة الكثير الكثير من الناس، أنهم اتجهوا بكل اهتماماتهم، بكل آمالهم، بكل رغباتهم، بكل سعيهم، بكل عملهم نحو هذه الدنيا، وكأنه ليس هناك آخرة أصلًا، وكأنه ليس هناك مستقبل ما بعد هذه الدنيا، فلذلك يعملون أي شيء مهما كان مؤثرًا على آخرتهم، مهما كان سببًا لأن يخسروا في آخرتهم من أجل الحصول على أي شيء في هذه الدنيا، لأنهم يتجهون وكأنه ليس هناك أي آخرة، كأنه لا يمكن أن يحصل الإنسان إلا على ما سيحصل عليه في هذه الحياة، فاتجهوا لتحقيق آمالهم، ورغباتهم، وشهواتهم، وأهوائهم، إلى أقصى حدٍ يستطيعون، وبأي طريقة، بأي وسيلة، بأي عمل، بدون أن يحسبوا حساب ما هو حلال، أو حرام، أو حق، أو باطل، أو ذنب ومعصية، أو رضا لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وهي الحالة الخطيرة التي أثرت على أغلب الناس، ولذلك ندرك مدى أهمية هذه المسألة بقدر ما نرى الغفلة عنها، والاتجاه الخاطئ لدى أغلبية البشر في هذا الجانب.
على الإنسان أن يذكِّر نفسَه أن وجودَه في هذه الحياة؛ هو وجود مؤقت، ومحدود، ولفترة وجيزة جدًّا، المدة التي يقضيها الإنسان في هذه الحياة الدنيا حتى لو بلغت مئةً وخمسين عامًا، فهي مده وجيزة جدًّا أكثرها هرم، أكثرها ضعف وعجز، الإنسان يعيش مرحلة الطفولة مرحلة ضعف وعجز، ثم يتوسط في عمرة مرحلة الشباب والكهولة لا بأس بها، شيٌء من النشاط، فيها شيٌء من الصحة والقوة، لكن في مستوى محدود، ما بعد ذلك الشيخوخة والضعف والعجز والهرم، ثم الموت ويرحل من هذه الحياة، حياة مؤقتة، ولا ينال الإنسان ما يناله إلا بكدر، حتى لو نال شيء من متاع هذه الدنيا فهو: مشوبٌ بالكدر، بالمنغصات، لا يصفو للإنسان وقت طويل، من دون مكدرات، من دون منغصات، من دون هموم، من دون مشاكل، من دون أحزان؛ ولذلك على الإنسان أن يكون واقعيًّا في معرفة هذه الحياة وظروفها، وأنها محدودة، لكي لا يقتصر اهتمامه بها، وتوجهه نحوها، وتركيزه عليها، ليحسب أيضًا حساب آخرته، التي هي للأبد حياةٌ أبدية، وللفناء لا للبقاء، الفناء حاتمي، {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ}[الرحمن: 26]، فناؤك من هذه الحياة حتميٌّ لا بد منه، ومهما جمعت فيها ستفارقه، أو يفارقك، حتمًا وللموت لا للحياة لا بد أن تموت، الموت آت بالنسبة لك ليكون هو نهاية حياتك الأولى، ثم فاصل ما بينها وبين الحياة الأخرى.
((وَأَنَّكَ فِي قُلْعَةٍ))، منزل ليس للاستقرار الدائم، منزل مؤقت ثم تُقلع عنه، وترحل عنه، وتذهب منه، مرغمًا لا يمكنك أن تُصرِّ على البقاء فيه للأبد.
((وَدَارِ بُلْغَةٍ))، كذلك تبلغ بها غيرها، وتنتقل منها إلى غيرها، ليست هي مستقرك الدائم، هي مستقر مؤقت، وطريقٍ إلى الآخرة، تعبر منها ولا تستقر فيها، أنت ستنتقل منها إلى الآخرة، لكن سيتحدد من خلالها وجهتك في الآخرة، من خلال ما تعمله فيها.
((وَأَنَّكَ طَريدُ الْمَوْتِ الَّذِي، لَا يَنْجُو مِنْهُ هَارِبُهُ، وَلَا يَفُوتُهُ طَالِبُهُ))، تذكر أنه لا بد لك من أن تموت، الموت حتميٌ بالنسبة لك، والمهم في ذلك عندما يأتيك وأنت غافل، يدركك وأنت على حالٍ سيئة، قد كُنت تُحدث نفسك منها بالتوبة، ثم لم تتب لم تُنب إلى اللّٰه، اتجهت في إطالة الآمال، والتضييع، والمماطلة، والتسويف، ثم أتاك الموت وأنت على غير استعداد، هذه هي الحالة الخطيرة جدًّا، إن الموت هو نهاية الفرصة، نهاية الفرصة للتوبة، نهاية الفرصة للعمل، التوبة لا تُقبل منك، إذا أتاك الموت وأدركت أنه قد أتى فقمت حينها بالتوبة إلى اللّٰه لا تُقبل منك، {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ}[النساء: من الآية 18]، اللّٰه يقول لنا هكذا في القرآن الكريم في سورة النساء، {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ}، انتهى الوقتُ بالتوبة، فرعون حاول أن يتوب، عندما أدركه الغرق أن يؤمن وأن يتوب،{آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ}[يونس: 90]، لم يُقبل منه إيمانه، {آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ}[يونس: 91]، انتهى الوقت، انتهت الفرصة، الموت أمرٌ حتمي، وأنت لا تدري متى ستموت، لذلك لا تسوف بالتوبة، لا تسوف في الأعمال الصالحة؛ لأنه قد يأتيك الموت قبل ذلك، ثم لا يكون لك أي فرصة أخرى أبدًا، فرصتك الوحيدة هي هذه الحياة.
((فَكُنْ مِنْهُ عَلَى حَذرِ أَنْ يُدْرِكَكَ وَأَنْتَ عَلَى حَال سَيِّئَةٍ، قَدْ كُنْتَ تُحَدِّثُ نفْسَكَ مِنْهَا بِالتَّوْبَةِ، فَيَحُولَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ ذلِكَ، فَإِذَا أَنْتَ قَدْ أَهْلَكْتَ نَفْسَكَ))، والكثير من الناس يهلكون أنفسهم بالتسويف، والمماطلة، والتأخير، وهي من أكبر خدع الشيطان التي يخدع بها الكثير من الناس، فالبعض من الناس يقول لنفسه: [سأتوب إن شاء اللّٰه، سأقلع عن هذه المعصية إن شاء اللّٰه، سأهتم بهذا العمل إن شاء اللّٰه، سأُصلح نفسي في المستقبل]، ويسوف ويؤجل هذه الأمور، وتأجيله لها يزيده إثمًا وبعدًا، حتى عن أسباب التوفيق، بعدًا حتى عن التوبة، سيطرةً للشيطان عليه، ثم يفاجئه الموت لأنه سيأتيه على غير ميعاد، ويتفاجأ، فحال بينه وبين العمل الصالح، وبين التوبة، فيكون بالتسويف، بالمماطلة، بالغفلة، بالاستهتار، بالتجاهل قد أهلك نفسَه، وهي حالة خطيرة جدًّا، نستجيرُ باللّٰه منها.
نكتفي بهذا المقدار.
وَنَسْأَلُ اللَّهَ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أن يُوَفِّقَنَا وَإيَّاكُمْ لمِا يُرضِيهِ عَنَّا، وأَنْ يَرْحَمَ شُهَدَاءَنَا الأَبرَارَ، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسْرَانَا، وَأَنْ يَنصُرنَا بِنَصْرِه، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء.
وَالسَّــــلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَــــةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتـــُه.