في ضوء متغيرات المشهد العالمي…أَمريكا تتخلّى عن النظام السُّعُـوْديّ وتتمسك بالعُدْوَان
في ضوء متغيّرات المشهد السياسيّ العالمي
أَمريكا تتخلّى عن النظام السُّعُـوْديّ وتتمسّـك بالعُــدْوَان
صدى المسيرة| إبراهيم السراجي
يظهَرُ اليومَ على المشهد الدولي متغيِّراتٌ هامَّةٌ على مستوى علاقة الغرب بالشرق الأوسط تشكّلُ اليَمَنُ إلَــى جانب سوريا المحرّكَ الرئيسيَّ لتلك المتغيرات بشكل يبدو أنه ارتداد لخمس سنوات من الحرب السُّعُـوْديّة غير المباشرة في سوريا والمباشرة في اليَمَن، حيث يظهر أن البيتَ الأَبْيَــض قد اطمأن لوقوع النظام السُّعُـوْديّ في الفخ المتمثل بـ(المستنقع اليَمَني)، ويحاول اليوم التبرؤ من جرائم العُــدْوَان على اليَمَن ومن دوره المباشر في العُــدْوَان وترك التحالف السُّعُـوْديّ وحيداً في مواجَهة مصير مجهول على المستوى العسكري والقانوني في العالم كله.
انطلاقاً من الحوار الذي أجرته مجلة (ذي اتنلانتك) الأَمريكية مع الرئيس الأَمريكي باراك أوباما الذي مثّلَ انقلاباً كبيراً في الموقف الأَمريكي من الحليفين السُّعُـوْديّ والتركي متهما الأول بنشر الإرهاب والتطرف وقمع نصف سكان بلاده والثاني بالديكتاتورية، وتضمن الحوارُ اتهامات غير مسبوقة من قبل الرئيس أوباما للنظم الخليجية وعلى رأسها السُّعُـوْديّ، وكشف أَيْضاً عن وجهة أَمريكا المستقبلية إلَــى آسيا وأَمريكا اللاتينية حيث المستقبل كما عبّر أوباما الذي أكّد في ذات الوقت أَن الشرق الأوسط الذي كان يصدر النفط في الماضي بات يصدر الإرهاب إلَــى جانبه.
وعلى قدر ما خلفته إجابات أوباما من مخاوفَ كبيرةٍ لدى النظامِ السُّعُـوْديّ ونظرائه الخليجيين، وظهرت في ردود أبانت عن توسل خليجي للبيت الأَبْيَــض وعدم التخلي عنهم، ولم تتضمن تلك الردود لهجةً حادة ترفض الاتهامات الأَمريكية وإنما ترفُضُ التخلي الأَمريكي.
- توجُّهٌ غربي لترك السُّعُـوْديّة وحيدة في مستنقع اليَمَن
مع اقتراب العُــدْوَان على اليَمَن من إكمال عامه الأول كشفت المنظمات الدولية ومراكز الدراسات بشكل تصاعدي عن الدور الأَمريكي المباشر في العُــدْوَان على اليَمَن، وسط اعتراف من قبل وزير الخارجية السُّعُـوْديّة بوجود عسكريين أَمريكان وبريطانيين في غرف قيادة “التحالُف” إلَــى أن وصل الحالُ بالمنظمات لتأكيد وجود أَمريكا كطرف مباشر في العُــدْوَان على اليَمَن، وعلى سبيل المثال قالت منظمة هيومن رايتس في تقرير صادر أواخر ديسمبر الماضي إن “الولايات المتحدة – بتنسيقها ومساعدتها العمليات العسكرية للتحالف بشكل مباشر – هي طرف في النزاع، ومن ثم فهي مُلزمة بالتحقيق في الهجمات غير القانونية التي شاركت فيها”.
وفي إشارة للتخلي عن النظام السُّعُـوْديّ بعد الاطمئنان على وقوعه في فخ اليَمَن كشفت تقاريرُ أن “أَمريكا وبريطانيا” قامتا بسحْبِ أَوْ تجميد الدعم الاستخباراتي والمعلوماتي عن التحالف السُّعُـوْديّ في حربه على اليَمَن، زاعمةً أَن ذلك بسبب الضغوط التي تمارسها المنظمات على الدولتين؛ بسبب ارتكاب التحالف السُّعُـوْديّ لجرائم حرب متواصلة باليَمَن.
وأشارت تلك التقاريرُ إلَــى أن أَمريكا وبريطانيا كانتا تعتقدان “أن الحربَ لن تتجاوز الشهر أَوْ الشهرين لدفع الحوثيين للتراجع والرهان على مفاوضات سياسيّة، وتفاجأتا بصمود الجيش واللجان الشَّـعْـبية”.
وسرّبت وسائلُ إعلامية مقرّبة من الإدَارَة الأَمريكية تلك التقارير وبحسب خبراء في السياسة الأَمريكية فإن الولايات المتحدة لا يطلق مسؤوليوها تصريحات أَوْ تسريبات صحفية إلا إذا كانت تعني ما تقولُ، أَوْ تبشر ما سيحدث، أَوْ توصل رسالة ما للمعنيين بمعنى أن هناك دائماً غرَضُ من كُلّ ما يصدر عن الأَمريكيين”.
ولتفسير الغرض الأَمريكي من تسريب مثل تلك المعلومات يمكن العودة إلَــى غزو الرئيس العراقي الراحل صدام حسين للكويت 1990، حيث تقول الوثائق الاستخباراتية التي رفع عنها السرية: إن الرئيس الأَمريكي بوش الأب استيقظ على نبأ غزو العراق للكويت فقال لزوجته (باربرا): “لقد وقع بالفخ” ويقصد هنا صدام حسين.
وانطلاقاً من ذلك لا يمكن القول: إن أَمريكا وبريطانيا رضختا فعلاً للضغوط الحقوقية وقررتا وقف الدعم العسكري للسُّعُـوْديّة في عُــدْوَانها على اليَمَن، فتلك الضغوط كانت وما زالت قائمة منذ بداية ارتكاب العُــدْوَان مجازر جماعية بحق المدنيين خَـاصَّــة الأطفال والنساء، إلَــى جانب أن التحالف الأَمريكي البريطاني أقدمَ على غزو مباشر للعراق خارج الشرعية الدولية، وأنتج الغزو ما يزيد عن مليون عراقي، وكان الضغط هائلاً من قبل الشَّـعْـبين الأَمريكي والبريطاني إلَــى جانب المنظمات الدولية، غير أن البيت الأَبْيَــض وحكومة توني بلير في لندن لم تعيرا اهتماماً لتلك الضغوط فلماذا ستفعل ذلك اليوم وهي تقدم النظام السُّعُـوْديّ على رأس العُــدْوَان؟
وعلى ذلك يمكن القول إن البيت الأَبْيَــض يُعيد مقولة بوش الأب عن وقوع صدام حسين في فخ الكويت، وهذه المرة عن النظام السُّعُـوْديّ والفخ اليَمَني، حيث يبدو للأَمريكان أَن السُّعُـوْديّة قد وقعت في الفخين العسكري والقانوني، بما يجعل التخلي عنها خطوة مرتبة للانقضاض على النظام السُّعُـوْديّ، ولكن هذه المرة لن ينتظر البيت الأَبْيَــض 13 عاماً كما فعل مع النظام العراقي.
- توظيفُ المنظمة الأممية أَمريكياً
اضطلعت الأمم المتحدة ليس بدور سلبي فحسب، بل دور منحاز إلَــى جانب العُــدْوَان السُّعُـوْديّ الأَمريكي على اليَمَن، ولعبت أموال النفط دوراً كبيراً في عملية تطويع المنظمة الأممية بإرادة أَمريكية لصالح العُــدْوَان حتى أن التقاريرَ كشفت بوضوح تام أنه وبينما كانت المجازر ترتكب في اليَمَن جرى تسليم السُّعُـوْديّة رئاسة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في حادثة وصفها الإعلام الغربي بالعار الأُممي ليس لأن السُّعُـوْديّة تسلمت ذلك المنصب الأممي في وقت ترتكب جرائم حرب باليَمَن فحسب وإنما إلَــى أن السجل الحقوقي للسُّعُـوْديّة مخزٍ. كما يجدر التذكير بأن المنظمات الحقوقية كشفت بشكل أوضح أَن السُّعُـوْديّة مارست ضغطاً كبيراً ووظفت الأموال لمنع مشروع قرار هولندي كان يُفترَض تقديمه لمجلس الأمن وإقراره ويقضي بتشكيل لجنة دولية للتحقيق في الجرائم التي طالت المدنيين في اليَمَن ونجح النظام السُّعُـوْديّ في ذلك بدعم أَمريكي كما كُلّ مرة.
اليوم وفيما يصدر عن البيت الأَبْيَــض تلميحاتٌ بتخلٍّ عن الحليف السُّعُـوْديّ يظهر جلياً أن تطويع الأمم المتحدة لصالح العُــدْوَان لم يكن ليتحقق دون دعم أَمريكي، بدليل أن المفوضية السامية لحقوق الإنسان أصدرت بياناً قَّوياً يدين التحالف السُّعُـوْديّ بشكل لا يمكن التنصل منه على خلفية المجزرة التي ارتكبها العُــدْوَان في سوق مستبأ بمحافظة حجة الأسبوع الفائت فلماذا هذه المرة لم تتمكن السُّعُـوْديّة من تغييب هذا البيان؟
وكان الأمير زيد بن رعد الحسين مفوض المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة قد حمّل التحالف السُّعُـوْديّ بشكل مباشر مسؤولية مجزرة سوق مستبأ، حيث لم تدع المفوضية أي مجال للتنصل السُّعُـوْديّ من الجريمة، حيث أشار المتحدث باسم المفوضية روبرت كولفيل في لقاء مع صحافيين حول جريمة سوق مستبأ أَن “طاقم فريق حقوق الإنسان لم يعثر على دليل بحصول مواجَهات مسلحة أَوْ وجود هدف عسكري مهم في القطاع وقت الهجوم باستثناء وجود نقطة تفتيش على بعد 250 متراً من السوق”.
وفي ذات اليوم نقلت الوكالات الدولية وبينها الفرنسية بيانا باسم المفوض الأممي زيد بن رعد الحسين يقول: “يبدو أَن التحالف مسؤول عن مقتل عدد من المدنيين أكبر بمرتين مما تسببت به كُلّ القوات الأُخْــرَى مجتمعة”.
وتابع “قصفوا أسواقاً ومستشفيات وعيادات ومدارس ومصانع وقاعات استقبال لحفلات الزفاف ومئات المساكن الخَـاصَّــة في قرى ومدن، بما فيها العاصمة صنعاء. ورغم اتخاذ العديد من التدابير الدولية إلا أَن هذه الحوادث الرهيبة تتواصل بوتيرة غير مقبولة”.
وهنا يبدو واضحاً حدة اللهجة والصرامة التي تحدثت بها المفوضية التابعة للأمم المتحدة، وهو ما تؤكد صحيفة عربية قالت: إن هذه هي المرة الأولى التي يتحدث فيها مبعوث دولي بكل قوة عن “مجازر” ترتكبها قوات التحالف بقيادة السُّعُـوْديّة في اليَمَن، ويدين السُّعُـوْديّة بهذه القوة.
وإذاً كان كُلّ ما سبق يجعل من الممكن القول إن الولايات المتحدة تضع اللمسات الأخيرة التي تضمن أن النظام السُّعُـوْديّ قد وقع بالفخ تمهيداً لاستهدافه إلا أن ذلك أَيْضاً لا يجعل من فكرة أن الأَمريكان يريدون الابتعاد عن العُــدْوَان، وإنما رفع الغطاء عن النظام السُّعُـوْديّ وتحميله المسؤولية الكاملة عن الجرائم في اليَمَن، فيما تبدو الرغبة الأَمريكية واضحة باستمرار الحرب يكشف عنها المتحدث باسم البيت الأَبْيَــض (جوش ايرنست) الذي أطلَق تصريحات الخميس الماضي، قال فيها: “سأكون أولَ مَن يعترف بذلك، لكن للأسف الحل السياسي يبدو بعيداً للغاية”.
واعتبر مراقبون أن التصريحاتِ الأَمريكية تلك رسالة مفادها أن البيت الأَبْيَــض يريد استمرار الحرب وليس وقفها خُصُوصاً أن ذلك جاء بالتزامُن مع المبادرات القائمة والتي يعتقد أنها قد تفضي إلَــى وقف العُــدْوَان.