فشلُ الهجوم الصهيوني على “جنين” وتأثيراته؟!
المسيرة | تقارير
مؤخّراً، زعم “بنيامين نتنياهو”، رئيس وزراء الكيان الصهيوني المثير للجدل، أن هذه العملية في مراحلها الأولى وستستمر العملية العسكرية ضد جنين في الأيّام المقبلة، وذلك في ذروة قصف مخيم جنين من الأرض والسماء، لكن بعد ساعات من تلك التصريحات، هزت عملية التحرير لشاب فلسطيني يبلغ من العمر 23 عاماً المجتمع الصهيوني، وبعد أقل من 12 ساعة، أفادت وسائل الإعلام عن انسحاب القافلة العسكرية المحتلّة من مخيم جنين، والتي بدأت صباح يوم الاثنين، وكان من المفترض أن تستمر حتى نهاية الأسبوع، لكن هذه العملية العسكرية لم تستمر أكثر من 48 ساعة، لتظهر صور من مخيم جنين خروج رتل من الآليات العسكرية والجرافات للجنود الصهاينة من بوابة المخيم، فيما قال المتحدث باسم جيش الكيان الإسرائيلي لوكالة فرانس برس في وقت متأخر من مساء الثلاثاء،: “أن قوات الاحتلال بدأت الانسحاب من مخيم جنين”، دون أن يذكر أية تفاصيل أُخرى.
خطة فلسطينية للتحَرّك ضد “إسرائيل”:
في ضوء الإجراء “الإسرائيلي” في جنين وتصاعد عمليات المقاومة وتحقيقها إنجازات في غاية الأهميّة على الأرض، دعت حركتا المقاومة الإسلامية حماس والجهاد الإسلامي للاتّفاق على خطة وطنية، مع رفض دعوة السلطة للقاء المصريين، حَيثُ شدّد رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية والأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي زياد النخالة، على ضرورة التحَرّك الفوري؛ مِن أجل الاتّفاق على خطة فلسطينية شاملة لمواجهة المشروع “الإسرائيلي” في بلادهم المحتلّة، وفي بيان مشترك صدر الخميس، حثت الحركتان على ضرورة إخراج هذه الخطة إلى حيز التنفيذ بشكل فوري، بما في ذلك عقد اجتماع للأمناء العامين للفصائل الفلسطينية.
تأتي التحَرّكات الفلسطينية، بعد أن حصدت العمليات العسكرية التي استمرت نحو يومين في جنين أرواح 12 مواطنًا فلسطينيًّا ومئات الإصابات، ومن ناحية أُخرى، في تل أبيب، 10 صهاينة أُصيبوا خلال العملية الفدائية التي نفذها “حسين خلايلة”، وأكّـدت بعض المصادر أن 3 أشخاص قُتلوا في تلك العملية، كما تكبد جنود الاحتلال في جنين إصابات عديدة، وتأكّـد مقتل جندي واحد على الأقل خلال عمليات عسكرية في جنين، وبطبيعة الحال، ولأن المقاومة الفلسطينية في جنين قاتلت الغزاة بالفخاخ المتفجرة والصواريخ، فمن المتوقع أن يكون عدد ضحايا الصهاينة في جنين أعلى بكثير مما ذكرته وسائل الإعلام العبرية.
وفي هذا الإطار، يسعى الكيان الصهيوني بشكل منهجي واستنادًا إلى عادته المكشوفة، للتستر على العدد الفعلي للضحايا، في ظل فشل الكيان الصهيوني في مواجهة مقاومة الشعب الفلسطيني في جنين، وقد بات مؤكّـداً أن تل أبيب تفرض رقابة شديدة على الإعلام، وخَاصَّة فيما يتعلق بإحصاءات الضحايا، حَيثُ تمكّن الفلسطينيون من إسقاط 6 مروحيات رباعية للجيش الإسرائيلي، وقد أشَارَت حماس والجهاد إلى أن إنجاز المقاومة الفلسطينية في جنين لم يكن ليتحقّق لولا وحدة الشعب ومقاتليه في الميدان، كما دعا البيان الأطراف الوطنية كافة إلى سرعة التحَرّك لمواجهة التحديات الماثلة بما يستجيب إلى آمال وتطلعات الشعب في التحرير والعودة.
وفي صباح الأربعاء، عندما قام المحتلّون الصهاينة بمغادرة مخيم جنين، بدأ سكان هذا المخيم ومدينة جنين بالضفة الغربية بالفرح والاحتفال بالمقاومة ضد المحتلّين، وأمام المعادلة الجديدة في جنين أعلن الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين أن الشعب الفلسطيني العظيم حقّق انتصاراً كَبيراً بهزيمة غزو جنين ومعسكرها، كما أكّـد رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس، أن العملية البطولية لتل أبيب وما شهدناه في الضفة الغربية، ما هي إلا دلالة على حقيقة أن الفئات الفلسطينية المختلفة والمجتمع الفلسطيني في كُـلّ المناطق يساند جنين ويدعمها في هذه المعركة البطولية والمقاومة هي استراتيجيتهم هي الرد على جريمة العدوّ وطرد المحتلّين من ارض فلسطين.
عملية عسكرية فاشلة:
تشير الوقائع إلى أن قوات المقاومة وسرايا القدس فرضا معادلة جديدة على العدوّ الصهيوني بعد حرب جنين، كما أن الصهاينة لم يحقّقوا أهدافهم، فقبل ساعات من الانسحاب كان قادة الجيش يحاولون وضع الأَسَاس لهذه الهزيمة، وزعم مستشار الأمن الداخلي للكيان الإسرائيلي “تساحي هنغبي” أن الجيش قد حقّق كُـلّ أهدافه المحدّدة سلفًا، إلا أن الهدف الأَسَاسي والبارز للصهاينة في عملية جنين، بناءً على ادعائهم، كان تدمير المقاومة في مخيم جنين، لكن هذا الهدف لم ولن يتحقّق، ليس فقط؛ لأَنَّ قواعد سرايا القدس وغيرها من فصائل المقاومة في المخيم ومدينة جنين نشطة للغاية، بل؛ لأَنَّ خلفها كُـلّ فصائل المقاومة الفلسطينية التي ما زالت تمدها بالسلاح الذي تريده.
وعلى هذا الأَسَاس، فشلت عملية جنين في تحقيق أهدافها المحدّدة، وقبل عملية جنين ذكر جيش الاحتلال الإسرائيلي أن الهدف من هذه العملية هو اكتشاف وتدمير معدات الجماعات الفلسطينية المسلحة، لكن الغزاة لم يتمكّنوا من الحصول على أسلحة المجموعات الفلسطينية، ويبدو أن عملية جنين لا يمكن بأي حال من الأحوال أن توقف عملية تسليح الفلسطينيين المتزايدة في الضفة الغربية، وقد اعترفت مصادر ناطقة بالعبرية بالهزيمة في تل أبيب، كما اعترفت بفشل العمليات العسكرية للجيش، وأعلنت صحيفة “هآرتس” العبرية، أن الهجوم العسكري على جنين لم يحقّق نتائجه، معتبرة أن عملية جنين لن تجلب السلام للصهاينة ولن تغير الوضع الحالي في الضفة الغربية.
من ناحية ثانية، لم تخف صحيفة “يديعوت أحرونوت” أن جيش الاحتلال لم يتمكّن من اعتقال سوى 30 شخصًا في جنين من القائمة الطويلة للمطلوبين للشاباك أَو الأمن الداخلي، فيما أظهر هذا الوضع أن نتنياهو غير قادر على السيطرة على الوضع في الضفة الغربية وإدارته أبدا، وكان الضغط على الصهاينة كَبيراً منذ إعلانهم الحرب على جنين، كما أن العملية العسكرية في جنين كانت أكبر عملية عسكرية للكيان الإسرائيلي في الضفة الغربية في السنوات الماضية، حَيثُ تواجد 2000 جندي إلى جانب طائرات بدون طيار وجرافات الجيش، وخلال هذه العملية دمّـرت “إسرائيل” العديد من البنى التحتية والشوارع في مخيم جنين، وتظهر الصور أن مخيم جنين أشبه بمنطقة منكوبة بالزلزال.
لكن في الوقت نفسه، استمر الفلسطينيون في الضغط على الغزاة من جبهات أُخرى في الضفة الغربية وقطاع غزة، وأعلن مركز الإحصاء والمعلومات الفلسطيني المعروف باسم “معطي” أن المقاومة الفلسطينية نفذت 110 عمليات ضد الصهاينة في الضفة الغربية والقدس المحتلّة، فيما تصدت المقاومة الفلسطينية للقوات الصهيونية بإطلاق الرصاص وإلقاء العبوات الناسفة عليها في مناطق متفرقة من الضفة الغربية والقدس المحتلّة.
تشير المعلومات إلى أن عمليات المقاومة جرت في القدس ونابلس وقلقيلية وبيت لحم والبيرة ورام الله وطولكرم وجنين وصدت قوات المقاومة للهجمات الصهيونية، وأُصيب خلالها 14 مستوطنًا وجنديًا صهيونيًا بجروح في عمليات لقوات المقاومة الفلسطينية، وفي الوقت نفسه الذي غادر فيه الصهاينة مخيم جنين، أفادت وسائل إعلام محلية بأن صفارات الإنذار أطلقت في خمس مستوطنات صهيونية على الأقل حول قطاع غزة، بما في ذلك سديروت ونيرام وإيبم، وَبعد ساعات قليلة، أفاد مراسل من الميادين بإطلاق ما لا يقل عن 4 صواريخ من قطاع غزة باتّجاه البلدات المجاورة، وأظهر إطلاق هذه الصواريخ أن الفلسطينيين قادرون على مواجهة المحتلّين على عدة جبهات في الوقت نفسه.
وقد شيًع آلاف الفلسطينيين جثث شهداء هجوم العدوّ الصهيوني الذي استمر يومين على جنين، وهتف المشيعون دعما للمقاومة وأبطال جنين الذين هزموا العدوّ الصهيوني وأجبروا المحتلّين على الفرار من هذا المخيم، وتعهد الفلسطينيون المقيمون في جنين مرة أُخرى بمواصلة طريق الجهاد والمقاومة والاستشهاد، كما شارك في الحفل عدد كبير من المسلحين الفلسطينيين، وَلا يزال المستوطنون يواجهون انعدام الأمن، ففي السنوات الماضية قام الكيان “الإسرائيلي” ببناء 450 مستوطنة في الضفة الغربية، والآن بعد أن تم تجهيز قوات المقاومة في هذه المنطقة بالسلاح، ستكون الضفة الغربية غير آمنة للمستوطنين أكثر من أي وقت مضى.
خلاصة القول، إن وضع خيار “المقاومة والتحرير” على رأس الأهداف الفلسطينية، يأتي كنتيجة طبيعية لإقدام الكيان الباغي على خطوات تصعيديّة كثيرة بدءاً من عمليات الضم والاستيطان، وليس انتهاء بارتكاب أبشع الجرائم الإرهابيّة في قتل وإعدام وتعذيب الفلسطينيين، ويعلم الفلسطينيون أن معركتهم مع “إسرائيل” طويلة وفيها تضحيات هائلة ويجب أن يكافحوا؛ مِن أجل التحرير، بعد أن آمن الفلسطينيون بأنّ العقلية الإجراميّة والإرهابيّة للمحتلّ الأرعن لا يمكن أن تتغير، وخَاصَّة مع وصول الإجرام والاستخفاف الصهيونيّ بأرواح الفلسطينيين لحد لا يمكن السكوت عنه أبداً، حَيثُ إنّ التاريخ والواقع يثبتان أنّ الصهاينة يتمادون أكثر فأكثر في عدوانهم الذي لا يمكن أن توقفه إلا القوة والوحدة والمقاومة، والدليل على ذلك هو قتل الفلسطينيين بشكل مباشر وبمختلف الطرق دون أي رادع قانونيّ أَو إنسانيّ أَو أخلاقيّ.