“فسَيأتيهِمْ أنبَاءُ مَا كَانوا بِه يَستهزِئون”.. بقلم/ مطهر يحيى شرف الدين
القرآن الكريم رسالة الله إلى البشرية جمعاء ومنهج للحياة، به يهتدي الناس ويخرجون من الظلمات إلى النور، ومن واقع المنكرات والفواحش إلى واقع النور والهداية والاستقامة، ومن واقع الجهل والضلال إلى واقع العلم والمعرفة، ومن واقع الإنسان أعمى الوعي والبصيرة من وجوده في هذه الحياة إلى واقع إدراك الحكمة وَالغاية من الخلافة على الأرض.
من تمسك بالمنهج نجا ومن ابتغى الهدى بديلاً عنه ضل وغرق وهوى، فيه نذير للظالمين والمشركين والكافرين والمنافقين والمستكبرين من بقائهم واستمرارهم في خط الانحراف من يحملون راية الشر والطاغوت على هذه الأرض، وفي التمسك به الفوز بالدنيا والآخرة والنجاة من النار، منهج رأت فيه الجن قرآناً عجباً فاهتدت وآمنت به، فيه من المعجزات والبراهين والقصص والعبر ما يجعله الإنسان في حياته حجّـة على أظلم وأعتى خلق الله، وما يحتاجه البشر ليدركوا أن عليهم مسؤوليات وواجبات يقومون بها ومواقف عليهم أن يسطروها ويغتنموها ليستوفوا بها في آخرتهم.
ولأن للقرآن تلك الصفاتِ المقدَّسةَ والجليلة والعظيمة التي تعكس قدسية وَعظمة وجلال الله وعزته وكماله وجبروته فَـإنَّ لكلماته على المتدبر وَالمتمعن والمنصت تأثيراً في توجيه مواقفه وتبصيره واستقامته بأن يكون صالحاً وذخيرته العمل الصالح وبأن يعيش؛ مِن أجلِ تحقيق مصالح المستضعفين من الناس وأحوالهم، لا مِن أجلِ مصالح الذات.
وَإذَا كان الله سبحانه وتعالى قد عظّم كتابه وقدّسه ووصفه بصفاتٍ منها الذكر والمجيد والكريم والعزيز والحكيم والفرقان والعظيم، وكان ذلك هو تعظيم وتقديس الخالق للقرآن فالأجدر بنا والأوجب ونحن خلق الله أن يكون تعظيمنا وتقديسنا للقرآن بالشكل الذي يليق بتلك العظمة وذلك التقديس وبالقدر الذي نسخِّر به كُـلّ طاقاتنا وإمْكَانياتنا على المستوى الشخصي والمجتمعي والجماهيري لإعلاء كتاب الله والدفاع عنه وأن نظهر للعالم ذلك التعظيم والتقديس.
فمن العار والوزر العظيم علينا ألا نجعله في أسمى وأجلِّ صورة وهو الذي جاء فيه: “لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ”، وحرامٌ علينا ألا نحفظه وهو يحفظنا وألا ندافع عنه وهو يدفع عنا المكاره والنوائب وألا نعزه ونكرمه وهو الذي أعزنا وأكرمنا وجاء فيه: “ولقَد كَرَّمنا بَني آدمَ”، وهو الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
فكيف بالأمة تسكت وتصمت وتتفرج وكتاب الله سبحانه وتعالى يدنس ويُستهزأ به ويُنال منه وقد نُظمت الحملات الإعلامية في ساحات وميادين أُورُوبا من أنجاس البشرية في هذا العالم، فليس أولها ما حصل في ساحات الدنمارك والنرويج وبلجيكا والسويد، وليس آخرها المصري الملعون في روسيا والذي تم القبض عليه والتحقيق معه بتهمة انتهاك وتدنيس القرآن الكريم والسخرية به أشد سخريةً واستهزاءً وامتهاناً.
لقد أضحت تلك الأفعال تمارس أَيْـضاً كخطابات تحريضية ضد الإسلام والمسلمين ووصل الحال إلى التفاخر بارتكاب أشكال وأساليب إجرامية ملفتة ومثيرة بحق المصحف الشريف وبحق سيدنا ونبينا محمد -صلوات الله عليه وآله وسلم-.
جولات سنوية وسباق محموم وجوائز تُمنح لمن يحرق أكبر عدد من المصاحف في تحدٍ سافر ووقح وجريء ومنظم للمسلمين وسخرية وشماتة بالدين الإسلامي، وأحزاب تحمل شعارات لا للإسلام، سلوكيات وتحَرّكات عنصرية ملعونة، وكلّ ذلك باسم حرية الرأي والتعبير.
لذلك يجب علينا كأمة إسلامية عربية جميعاً ألَّا نظل صامتين إزاء تلك الممارسات وأن يتخذ كُـلّ من أبناء الأُمَّــة المسؤولية والموقف وأن نبعث رسالةً قوية نطالب فيها تجريم الإساءة للقرآن الكريم وإسقاط أقصى العقوبات على كُـلّ من يدنس أَو ينتهك أَو يستهزئ بالقرآن الكريم وأن تكون هناك مطالب وتظاهرات شعبيّة وجماهيرية بالضغط على الحكومات والأنظمة العربية والإسلامية بمقاطعة بضائع الدول الأُورُوبية التي تسيء إلى القرآن الكريم والدول المتعاطفة معها مقاطعةً رسمية لا شعبيّة وكذلك طرد سفراء الدول المسيئة ومقاطعتها سياسيًّا ودبلوماسياً واقتصاديًّا، فلسنا أهلاً للإيمان ولسنا جديرين بحمل القرآن إن لم نقم بتلك المطالب وتحقيقها.
قال تعالى: (فَقدْ كَذَّبوا فَسيَأْتيهِمْ أَنبَاءُ مَا كَانُوا بهِ يَستَهْزِئونَ).