العامُ الجديد والتاريخُ الهجري..بقلم/ عبدالقوي علي أبو هاشم
بداية العام الهجري يذكرنا بأهميّة اعتماد التاريخ الهجري الذي اختاره المسلمون ليكون هو التاريخ الذي يعتمدون عليه؛ فيما يعنيه ذلك لنا كمسلمين من ارتباط بحدثٍ عظيمٍ ترتبت عليه تحولات كبيرة في واقع الأُمَّــة، وفي الواقع البشري عُمُـومًا، وهو الهجرة النبوية.
والتاريخ الهجري مهمٌّ جِـدًّا بالنسبة لنا كمسلمين، وللأسف الشديد هناك تفريطٌ كبير في واقع المسلمين في الاهتمام بالتاريخ الهجري، وعوضاً عن ذلك توجّـه الكثير منهم إلى الارتباط بشكلٍ كامل بالتاريخ الميلادي الذي يعتمد عليه المسيحيون وغيرهم.
ومن المفترض أن نسعى لإعادة الاعتبار للتاريخ الهجري، وقد ارتبط به مناسبات دينية عظيمة: كشهر رمضان المبارك، وكفريضة الحج ونحو ذلك، ولولا هذه المناسبات لكان أكثر المسلمين قد ضيعوا تماماً الاعتماد على التاريخ الهجري.
لقد ارتكز تاريخ أمتنا الإسلامية على الهجرة النبوية، وبالتالي برسول الله محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ- في حركته برسالة الله تعالى؛ لإخراج المجتمع البشري من الظلمات إلى النور، وتطهيره من رجس الجاهلية ومظالمها ومفاسدها، وما ترتب على ذلك من تحولات ومتغيرات انتقلت بالمسلمين إلى أعلى موقع بين الأمم آنذاك، ورَسَمت للأُمَّـة الإسلامية المعيار الصحيح لتقديم النموذج الحضاري الإنساني، ومع ما حدث في واقع المسلمين بعد ذلك من التراجع الخطير؛ نتيجة للانحراف والتحريف الذي عصف بالأمة وترك تأثيراته السلبية على واقعها بكله، إلا أن مفتاح الخلاص وسر النجاح يبقى حاضراً من خلال الاقتدَاء الصادق برسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ-، وفي التمسك بمنهجية الإسلام العظيم، والمعجزة الباقية (القرآن الكريم)، وإدراك خصائص القوة والنجاح، وما ستحظى به الأُمَّــة بناءً على ذلك من معونة الله تعالى ونصره وتأييده، ولقد كان من أهم نتائج الهجرة النبوية هو ما ذكره الله سبحانه وتعالى حينما قال: {وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة: من الآية40]، وهذا العنوان هو الذي تحتاجه الأُمَّــة في مواجهة كُـلّ التحديات؛ فالأمة ستعلو وتصمد في مواجهة أعدائها بقدر تمسكها بكلمة الله وولايته، وثباتها على نهجه الحقّ، كما كان الدرس الآخر من الهجرة النبوية في مجتمع الأنصار الذي حظيَّ بشرفٍ عظيم في احتضان الرسالة الإلهية، وكانت مؤهلاته الكبرى لذلك كما ورد في الآية المباركة: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أنفسهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئك هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: الآية9]، وبهذه المؤهلات الإيمانية يمكن لشعبنا الثبات والارتقاء الإيماني، وهو الشعب الذي نال وسام الشرف الكبير، بقول رسول الله عنه: (الإِيمَانُ يَمَانٍ، وَالحِكْمَةُ يَمَانِيَّة).
في نهاية العام وقبل بداية العام الهجري الجديد لا بدَّ من مراجعة أنفسنا وتقييم واقعنا، والعزم على إصلاح الأخطاء وتلافي القصور الذي حصل منا في العام الماضي، والارتقاء بأنفسنا إيمانيًّا وعمليًّا في العام الجديد؛ كما يعمل التجار والمدراء في نهاية كُـلّ عامٍ، حَيثُ يحرصون على تقييم واقعهم وتلافي القصور؛ لأَنَّهم يدركون أنهم بدون ذلك سيتعرضون للفشل والخسارة.