السيد عبدالملك الحوثي في الدرس الـ22 من وصية الإمام علي لابنه الحسن عليهما السلام: المرأةُ هي المدرسةُ الأولى في التنشئة والغربُ الكافرُ واللوبي اليهودي ركّز على تحقير دورها التشريعي والإنساني وفي مسألة الأمومة والتربية
العملُ بدون إخلاص باطلٌ ومختلٌّ ولا أجرَ عليه ولا ثمرةَ له؛ فالخلل في الإخلاص خطير جِـدًّا
تربيةُ الإسلام للمؤمنين أن يكونوا رجالَ قول وفعل؛ فالإنسان المؤمن يتجه عمليًّا بناءً على ما يقول، ويقول ما يجب قوله من الحق والموقف الصحيح
هناك في الإسلام تركيز على حُسن الصُّحبة والإحسان فيها، وعلى مستوى الجار، أن تكونَ المعاملةُ بين الجيران هي الإحسان والاحترام والتكافل
على الإنسان أن يحرصَ على أن تكونَ كلماتُه مع الناس نظيفةً، وليس فيها كلمات قذرة ومسيئة؛ فهذا يسيءُ إليه وإلى شرفه ودينه
اللهُ تعالى قدَّمَ المرأةَ على أنها كيانٌ واحدٌ مع الرجل وليسا عالمَينِ منفصلينِ عن بعضهما والمرأةُ شريكةٌ أَسَاسية في مسؤولية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفي مسيرةِ الإيمان والتقوى جنبًا إلى جنب مع الرجل
أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.
الَّلهُمَّ اهْدِنَا، وَتَقَبَّل مِنَّا، إنَّكَ أنتَ السَّمِيعُ العَلِيم، وَتُبْ عَليَنَا، إنَّكَ أنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيم.
أَيُّهَــــا الإِخْــــوَةُ وَالأَخَوَات: السَّــلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَــةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُــه.
كان آخر ما تحدثنا عنه بالأمس ما ورد في الوصية، في قوله “عَلَيهِ السَّلَامُ”: ((لَيْسَ كُلُّ مَنْ رَمَى أَصَابَ، إِذَا تَغَيَّرَ السُّلْطَانُ تَغَيَّرَ الزَّمَانُ))، ((لَيْسَ كُلُّ مَنْ رَمَى أَصَابَ))، فالذي يصيب عادةً في الأعمَّ الأغلب هو الذي قد تعلم الرماية، حتى أكتسب حتى أكتسب المهارة في الإصابة، ولذلك في تحقيق الأهداف، وإنجاز المهام، والعمل لتحقيق أمور معينة، يتطلب ذلك أن يكون الإنسان ينطلق على أساس وعي، وبصيرة، ومعرفة، أو يكون من يُعتمد عليه هو كذلك، ممن له المعرفة، ممن له الخبرة، فهو الذي عادةً يتمكن من إنجاز ما أُوكِل إليه من عمل، أو تحقيق هدف، أو إنجاز أمرٍ معين. ثم هذا النوع الذي قد اكتسب الخبرة، والمعرفة، يعطي الأمور ما تحتاج إليه، وما ينبغي من مقدماتها، وأسبابها، ووسائلها، إذا أخفق في الحالات النادرة فليست تُعتبر إشكالية كبيرة، وحتى أن المسألة تكون أو يقيَّم على أساسها أنه ليس أهلًا لأي عمل، أو لأي دور؛ لأن الإخفاق أحيانًا يحصل، أو الفشل في إنجاز أمرٍ معين يحدث في كثير من الحالات، لكن عندما يكون هناك اهتمام، أخذ بالأسباب، إعطاء للأمور ما تستحقه من الاهتمام، من الجد، من الأخذ بالأسباب، فهذا هو المهم.
((إِذَا تَغَيَّرَ السُّلْطَانُ تَغَيَّرَ الزَّمَانُ))، من أهم ما يؤثر في واقع الناس، إما إيجابًا، وإما سلبًا، هو السلطان، سلطانهم، رئيسهم، أو ملكهم، أو زعيمهم، وحكومتهم، ومسؤولوهم، إذا كانوا صالحين، مستقيمين ينطلقون في إدارة شؤون المجتمع، على أساسٍ من مبادئ الإسلام، وتعاليمه العظيمة، والقيِّمة، فيتجهون إلى تربية المجتمع تربيةً إيمانية، يسمو بها أبناء المجتمع في أخلاقهم، في قيمهم، في اهتماماتهم، في تفكيرهم، في سلوكهم، وأعمالهم، ويتجهون إلى تأهيل المجتمع للقيام بدوره الحضاري، على أساسٍ من تعاليم الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، بما يكفل بناء حضارةٍ إسلاميةٍ راقيةٍ متميزة، تجمع بين بناء الإنسان في أخلاقه، وقيمه، والسمو به، وإعمار الأرض، والازدهار في الحياة، وهذه هي المهام الأساسية المفترَضة للسلطان، في تعاليم الإسلام: إقامة القسط في الحياة، وعُمران هذه الحياة على أساسٍ من تعاليم “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وخدمة المجتمع مع الاهتمام بالمجتمع في تربيته، في بنائه لتأهيله لدوره المهم، في هذه الحياة كمستخلفٍ لله في الأرض.
فمن خلال هذه الاهتمامات والأعمال، إذا تحرك فيها السلطان، ووظف فيها طاقات الأمة، وقدراتها، وإمكاناتها، وسعى إلى حماية المجتمع من التظالم في داخله، ومن الظلم من جهة أعدائه، يصلح واقع الناس، تستقر حياتهم، يتحول الزمن الذي يتحقق فيه ذلك إلى زمن مميز، أنه عصرٌ عاش الناس فيه العدل، الخير، التعاون، التربية التي تقوم على المبادئ العظيمة، التي تسمو بالناس، وبالتالي يكون لذلك أثره الكبير في واقع حياتهم، وتزدهر الحياة حياة الناس بشكلٍ مميز.
أما إذا كان السلطان سيئًا، ظلومًا، فاسدًا، مجرمًا، فواقع الناس يسوء، يمتلئ ظلمًا، وجورًا، وفسادًا، وطغيانًا، يسعى إلى إفساد المجتمع ليكون كمثله، يسعى إلى إذلال المجتمع وقهره، لا يمثل أي حمايةٍ للمجتمع من أعدائه، ولا يمثل أي أمل للمجتمع في واقعه، وهكذا يتحول الواقع إلى واقعٍ مظلم، وهذا هو للأسف ما عاشته أمتنا في أكثر تاريخها، وتعيشه اليوم في معظم أقطارها، معاناة كبيرة، وواقع سيئ، والمسهم فيه بالدرجة الأولى هو السلطان، هو الحكومات، هو الزعماء، هو الأمراء، هو الملوك، هم القادة الذين لا يتجهون وفق تعاليم الإسلام في العناية بشعوبهم، بخدمة شعوبهم، بحماية شعوبهم، لا يتعاملون على أساس مبدأ الكرامة مع شعوبهم، فيتغير الواقع إلى مستوى سيئ، وهكذا يعتبر من أكثر الأمور تأثيرًا في الواقع هو السلطان، فيتوجب يتوجب بناءً على ذلك، أن يكون لدى الناس اهتمام بأن يصلحوا واقعهم فيما يتعلق بموقع المسؤولية، أن يسعوا لأن يكون الذين يديرون شؤونهم ممن يَصلُحون ويُصلِحون، ممن يؤدون دورهم بشكلٍ صحيح في خدمة المجتمع، وتربية المجتمع، وحماية المجتمع، والبناء له، في كل المجالات على أساسٍ صحيح.
((خَيرُ أَهْلِكَ مَن كَفَاك))، في الإسلام يبنى واقع الأسرة على مستوى الأسرة الواحدة، الأب مع أولاده، الإخوة مع بعضهم البعض، يبنى على أساسٍ من التعاون فيما بينهم، كلبنة واحدة يواجهون هموم هذه الحياة، ومحن هذه الحياة، وظروف هذه الحياة، وأعباء هذه الحياة. ومن خلال التعاون يمكن لكل شخصٍ منهم أن يكون له إسهامه الذي يعين به، بحسب استطاعته في مجالات العمل؛ الأعمال المختلفة داخل الأسرة نفسها. فإذا كان هناك منهم من هو أكثر إسهامًا، أكثر جهدًا، فهذا يدل على وعيه، على اهتمامه. والأكثر كسلًا بينهم، الذي يحاول ألا يتعاون بأي شيء، ألا يعمل أي عمل، ألا يسهم أي إسهام، هو أقلهم خيرًا، خيريَّتك تدفعك إلى العمل، إلى الإسهام، إلى التعاون، إلى التضامن، إلى التكافل، إلى أن يكون لك دورك الإيجابي في أسرتك ابتداءً.
((اِعْذِرْ مَن اجْتَهَد))، من بذل جهده في مجال في عمله، في أداء مسؤوليته، في القيام بما أُوكِل إليه، وبذل جهده على مستوى أن يؤدي عمله بشكلٍ صحيح، وعلى مستوى التنفيذ للعمل، فله عذره إذا أخطأ، أو قصَّر في شيء معين، ليس ذلك ناتجًا عن تعمدٍ في التقصير، أو الخطأ، وليس ناتجًا عن إهمال؛ ولذلك لا ينبغي أن يعامَل كالمهمل كالمفرِّط، طالما وهو بذل الجهد، وحرص على أن يؤدي عمله بشكلٍ صحيح، يمكن أن ينبَّه على جوانب القصور، أو جوانب الخلل، دون أن يعامل وكأنه مفرطٌ ومتعمدٌ للخلل، وكأنه مهمل.
((رَأْسُ الدِّينِ صِحَّةُ اليَقِين))، اليقين له أهميته الكبرى في أن يستقيم لك دينك، يقينك له أهميةٌ أساسية في أن يستقيم لك دينك، وأن يبنى لك دينك، ولهذا عبر عنه بهذا التعبير رأس الدين. نحن نرى ما يمثله الرأس في الجسد من أهمية كبيرة، فلا يمكن الحياة للجسد بدون الرأس، أهم الحواس، والوسائل التي لها علاقة بالتفكير، بالنطق، بالرؤية، بالسمع، بكثير من الأمور المهمة للإنسان موقعها في الرأس، فموقع اليقين في الدين موقعُ مهمُ جدًّا في أن تنطلق في دينك بالتزام، بثبات، بوعي، ببصيرة، باستقامة، فإذا ضعف يقينك جرى هذا الضعف، وامتد هذا الضعف إلى بقية الأمور، إذا كان يقينك ضعيفًا كنت ضعيفًا في وعيك، في ثباتك، في بصيرتك، في اندفاعك، بالشكل المطلوب في التزامك،… إلخ، فمن أهم ما يحرص عليه الإنسان في دينه أن يكون مبنيًا على يقين، أن يصل في وعيه، في فهمه، في قناعته، بالحق، بتعاليم الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، بهداية الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، إلى مرتبة اليقين، فينطلق بثقة تامة، بثباتٍ راسخ، بوعيٍ عميق، بفهمٍ صحيح، ولْيكن ذلك اليقين صحيحًا، مبنيًا على أساسٍ من الصحة، لو كان يقينك بناءً على معطيات، أو أسس خاطئة، فاعتقدت ما لا صحة له، وأصبح اعتقادك به إلى مرتبة اليقين لن يفيدك ذلك شيئًا، مما يجعلك تنطلق في الخطأ بتصميم، وإصرار، ولهذا قال: ((صحة اليقين)).
تمام الإخلاص ((مِن تَمَامِ الإِخْلاصِ، تَجَنُّبُ المَعَاصِي))، الإخلاص للّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: أن تعمل ما تعمله ما تعمله من العمل خالصًا للّٰه نيتك فيه، بدافعك فيه، من أجل الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، تقربًا إليه، وطاعةً له، ورجاءً بما وعد به، هذا شيءٌ أساسيٌ في دينك؛ لأنه لا يمكن أن يُقبل منك العمل بدون إخلاص، العمل بدون إخلاص هو عملٌ مختلّ، باطلٌ، محبطٌ، لا أجر عليه، ولا ثواب له، ولا ثمرة له، ولا بركة له. فالخلل في الإخلاص خلل خطير جدًّا، فإذا اتجه الإنسان في دينه وعمله الصالح، بإخلاصٍ للّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وحرص على أن يعمل ما يعمله من أعمال تقربًا إلى الله، وطاعةً للّٰه، فمن تمام ذلك أن يتجنب المعاصي فيكون عمله بشكلٍ عام عملًا صالحًا في إطار العمل الصالح، ولا يكون عملًا مشوبًا بالمعاصي، بالذنوب، بالجرائم، بالأخطاء، فلو زل زلةً معينة نتيجة غفلة فهو سرعان ما يعود إلى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، بالإنابة، والتوبة، التوبة النصوح، والإقلاع التام عن المعصية.
((فَخَيرُ المَقَالِ مَا صَدَّقَهُ الفِعَال))، تربية الإسلام، تربية القرآن الكريم للمؤمنين أن يكونوا رجال قولٍ، وفعلٍ، قول وعمل، ولهذا يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في القرآن الكريم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ(2)كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ}[الصف: 2-3]، فالإنسان المؤمن هو يتجه عمليًا بناءً على ما يقول، هو يقول ما يجب أن يقوله من الحق، من الموقف الصحيح، ويتجه عمليًا على أساسٍ من ذلك، ويسعى عمليًا على أساس ذلك، فلا يكون قوله في اتجاه، وعمله في اتجاهٍ مباينٍ لذلك، ((فَخَيرُ المَقَالِ مَا صَدَّقَهُ الفِعَال))، يصبح له أثره، قيمته، فاعليته، تأثيره،… إلخ.
((السَّلامَةُ مَعَ الاسْتِقَامَة))، تتحقق السلامة لك في دينك، وفي اتجاهك بشكلٍ صحيح إلى الغاية التي رسمها الله لك من خلال الاستقامة، هي التي تصل بك الاستقامة وفق توجيهات الله، وفق تعليمات الله، “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، هي التي تصل بك إلى تلك الكبرى التي رسمها الله لك تصل بك إلى الجنة، تصل بك إلى رضوان الله تعالى، تصل بك إلى أن تحظى برعاية الله، بتوفيق الله، برحمة الله، بمعونة الله، بتوفيق الله في الدنيا، والسلامة من عذابه في الآخرة، والأمن يوم الفزع الأكبر، وسائر ما وعد الله به من يستقيمون، هو “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” قال في القرآن الكريم: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا}[هود: من الآية 112]، الاستقامة وفق أمر الله، وفق تعليمات الله، وتوجيهات الله.
أيضًا يبشر الذين استقاموا ببشارات عظيمة: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ}[فصلت: 30]، في واقع الناس- فالانتماء واسع، الكثير ينتمون إلى الإسلام، وفي إطار الانتماء إلى الإسلام- الكثير ينتمون إلى الإيمان والالتزام الديني، ولكن نسبة المستقيمين: الذين يحرصون على الاستقامة، تكون مسيرة حياتهم في مواقفهم، في أعمالهم، في التزاماتهم، وفق تعليمات الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وإذا زل الإنسان رجع فورًا، وتنبه، وأدرك خطأه، واتجه، وواصل مسيرته في ذلك الاتجاه: هي نسبة محدودة مقارنة بنسبة الانتماء. لكن الاستقامة هي الأساس في تحقيق الأهداف المهمة، وأن تصل بك إلى تلك الغايات العظيمة، وأن يسلم لك دينك.
((الدُّعَاءُ مِفْتَاحُ الرَّحْمَة))، نحن بحاجة إلى رحمة الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، والله ربنا هو الرحمن الرحيم، هو أرحم الراحمين. والذي يمكن أن يُبعد الإنسان عن رحمة الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وأن يسبب له سُخط الله، وعذاب الله، وغضب بالله، والعذاب من الله: هو معاصيه، هو جرائمه، هو ذنوبه، هو إساءاتُه، هو انحرافه، هو اتجاهه مع عدوه الشيطان الرجيم، واتباعه لعدوه الشيطان الرجيم، ولذلك على الإنسان أن يحذر من الأسباب التي تبعده عن رحمة الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وأن يأخذ بالأسباب التي ينال بها رحمة الله “جَلَّ شَأنُهُ”، {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}[الأعراف: من الآية 56].
أن يسعى للاستقامة، لطاعة الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى“، للعمل بما ينال به رحمة الله “جَلَّ شَأنُهُ”، ثم مع ذلك لا بد من العناية بالدعاء، أنت بالدعاء تحظى بالمزيد من رحمة الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”؛ لأنك في حالة التجاء إليه، وهو أرحم الراحمين. والدعاء في كل الأحوال، ليس فقط في حال الشدة، والضيق، أو الكرب، والعناء، أو الخطر الداهم، وإنما في كل الأحوال، في الشدة والرخاء، واليسر والعسر، تحرص على أن تكون مقبلًا إلى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” بالدعاء في كل الأحوال، فهو مفتاحٌ مهم للحصول على رحمة الله، ولأن تحظى برحمة الله، في مختلف أمورك، في مختلف شؤون حياتك، في مختلف ظروف حياتك.
((سَلْ عَنِ الرَّفِيقِ قَبْلَ الطَّرِيقِ، وَعَنِ الْجَارِ قَبْلَ الدَّارِ)) الرفيق الذي يصحبك في سفرك، الإنسان جزءٌ من أنشطته في هذه الحياة: أسفاره؛ يسافر لغرض معين، قد يكون لمرض، قد يكون لتجارة، قد يكون لمهمة عملية، لأي شيء. جزء من أنشطة الإنسان في هذه الحياة هي السفر، يذهب، ويجيء. فإذا كان سيرافق معه أحدًا، أو سيذهب برفقة أحد، فليحرص على أن يكون إنسانًا صالحًا مأمونًا وأمينًا، ليكون رفيقًا له. قد يتعرض الإنسان في ظروف السفر، لما لم يكن يتوقعه، البعض يواجه ظروفًا صحيةً صعبة، أو مخاطر معينة، أو ظروفًا صعبة، أو غير ذلك، أيضًا حتى تكون أجواء السفر، أجواء إيجابية؛ ليس فيها ما يضيف إلى عبء السفر وأتعابه أعباءً أخرى وأتعابًا أخرى. إذا كان من يرافقك في السفر- من تسافر أنت وإياه برفقة البعض- هو إنسان سيء، إنسان مزعج، إنسان لا يبادلك الاحترام، إنسان كسول، هذا يمثل مشكلةً لك وإزعاجًا لك في واقع السفر، ويضيف عبئًا على أعباء السفر ومتاعب الطريق.
ثم الرفقة بشكل عام؛ الرفيق في العمل، الرفيق كزميل وصاحب، إذا كان سيئًا فتأثيره سيءٌ عليك، تأثير على المستوى الأخلاقي، السلوكي، العملي، النفسي، إلى غير ذلك، أو إذا لم تتأثر به في ذلك، على مستوى الإزعاج، الإساءة، إلى غير ذلك، ولذلك يقول: ((سَلْ عَنِ الرَّفِيقِ قَبْلَ الطَّرِيقِ))، هل هو رفيق مناسب، هل هو شخص جيد أم لا، فلا حاجة بك إلى أن تصحبه.
((وَعَنِ الْجَارِ قَبْلَ الدَّارِ))، إذا أردت أن تسكن في منطقة معينة، أو بقعة معينة، فاحرص على أن تجاور قومًا صالحين، أو شخصًا صالحًا، إذا كان الذي بجوارك هو شخص واحد مثلًا في بقعة معينة، أو في بيئة معينة، احرص على أن تحسن الاختيار؛ لأن للجوار تأثير كبير على واقع حياتك، أحيانًا يمتد هذا التأثير إلى الجوانب الدينية والأخلاقية والسلوكية، أحيانًا يكون هذا التأثير في إطار واقع الحياة، من حيث السلامة من المشاكل، من الصراعات، من الانشغال بقضايا معينة، أو مخاطر معينة.
الجار السيئ هو من أكثر العوامل التي تؤثر على الإنسان تأثيرًا سيئًا في حياته، البعض من الناس تتنغص حياتهُ وحياة أسرته، بشكل مستمر؛ لأن الاحتكاك مع الجار هو احتكاك يومي مع الجوار، إذا كان جارًا سيئًا يكون إزعاجه لك إزعاجًا مستمرًا، إزعاجًا يوميًا.
هناك في الإسلام تركيز على حسن الصحبة، والإحسان في الصحبة، وأن يكون الإحسان في الصحبة: هو القاعدة العامة التي يُعتمد عليها في التعامل، وكذلك على مستوى الجار، {وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ}[النساء: من الآية 36]، في قائمة من أمر الله بالإحسان إليهم، فالقاعدة التي تنظِم الحقوق، وتنظِم المعاملة فيما بين الجيران: هي الإحسان، أن يكونوا محسنين إلى بعضهم البعض، أن يتعاملوا مع بعضهم البعض بالاحترام، أن يكونوا متضافرين مع بعضهم البعض في مواجهة هموم هذه الحياة، مع عدم التجاوز لخصوصية بعضهم البعض، فإذا كان هناك مراعاة لتعاليم الإسلام فيما يتعلق بالجوار تستقر الحياة، ويتحول الدور إلى دور إيجابي، حالة من التعاون على البر والتقوى، على الخير والإحسان، حالة من التضامن في الظروف والمراحل الصعبة عند المرض، عند الضيق، في مختلف الأحوال التي تستدعي التعاون فيما بينهم، ويكون لذلك أثر إيجابي، فإذا كان الجار جارًا سيئًا، كان يشكل تهديدًا، أو على الأقل إزعاجًا، إزعاجًا لك إما في عرضك وشرفك، إما في مالك وممتلكاتك، إما في استقرار حياتك، البعض حالة الإزعاج منهم حالة خطيرة. فقبل أن تشتري دارًا، أو أن تعمر دارًا، أو أن تستأجر دارًا في مكان معين، فتحقق قبل ذلك عن الجار كيف هو.
((اِحْتَمِلْ مَن أَدَلَّ عَلَيكَ، وَاقْبَلْ العُذرَ مِمَّن اعْتَذَرَ إِلَيكَ))، في علاقة الإنسان بأصحابه، بزملائه، برفاقه، وعادةً ما يصل الحال فيما بينهم من المحبة والقرب، إلى أن يتعاملوا ويتخاطبوا مع بعضهم البعض بدون تحفظ ولا رسميات، مثل ما يقولون، بدون تكلف وبدون اختيار للعبارات؛ لأن الحساسية فيما بينهم قد زالت، أصبحت الألفة هي السائدة فيما بينهم، لكن في هذا الإطار نفسه أحيانًا قد يأتي من الكلام من زميلك، أو من قريبك، أو من صاحبك الذي قد اعتاد عليك، وتربطه معك علاقة وثيقة، أصبح منبسطًا إليك، قد يأتي منه من الكلام ما يزعجك، ما لا ترغب به؛ لأنه لم يعد يدقق في كلامه بشكل أكبر، لكن ليس لحقده عليك، أو كرهه لك، أو قلة احترامه لك، وإنما لانبساطه إليك، واعتياده عليك، واطمئنانه تجاهك أنك تنظر إليه بنظرة الود والاحترام، وأنك تطمئن إلى طريقة تعامله معك، أنه لا يريد بذلك الخروج إلى حد الإساءة، أو حد الاحتقار، أو حد قلة الاحترام، إنما من الانبساط، فلا تكن حساسًا لأبسط كلمة، أو لأبسط غلط في تخاطبه معك، تتعامل معه بالجفاء، تغضب منه، تسيء إليه، تحول ذلك إلى مشكلة، فكن متحملًا؛ لأن ما صدر منه: صدر عن انبساط إليك، عما بينكم، هو اتكل إلى ما بينكم من الود والثقة والاحترام، من الواضح أنه لم يقصد الإساءة إليك، لم يتعمدك بجرح مشاعرك، وإنما في سياق كلام الناس عادة يحصل أن قد يتكلم بكلمة لا تعجبك، أو بعضًا من الأساليب التي ممكن أن تبين له أن ذلك يزعجك لكن من دون أن تحول ذلك إلى مشكلة. وتكون القاعدة هي التحمل؛ لأن البعض من الناس حساسًا في طبعه، ولذلك مهما كانت حالة التآخي معه، أو القرب منه، أو العلاقة به، لكن مع حساسيته قد يعطي أي كلمة، معانٍ كثير، واحتمالات خارج الحد المعقول، ويتعامل بحساسية مفرطة، وانزعاج شديد، وغضب واستياء، وينسى ما هناك من الود والاحترام، والعلاقة الوثيقة والمتينة، التي ينبغي أن يحمل كل الأمور على أساسها، ما دامت في السياق والمستوى العادي، المستوى الطبيعي، أن تصل إلى مستوى الإفراط، أو الأساليب السيئة.
((وَاقْبَلْ عُذرَ مَن اعْتَذَرَ إِلَيكَ))، عندما يعتذر إليك معترفًا بخطئه، هو كان قد أخطأ نحوك، ثم هو اعتذر عن خطأه ذلك، فاقبل منه اعتذاره، لا تكن ممن لا يقبل العذر ويصر على بقاء المشكلة دائمًا.
((خُذْ العَفْوَ مِن النَّاس))، يعني في أخلاقهم، في معاملتك معهم، المتاح الممكن، لا تسعى لأن تتكلف من الناس، فوق ما يمكن أن تسمح به نفوسهم، فوق ما يمكن أن يتهيأ من جانبهم، فأنت تسعى لأن تحملهم على التكلف، هذا في طبيعة العلاقة معهم، وتتعامل بتسامح. وفي مجال العمل، في {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}[الأعراف: 199]، كذلك في مجال العمل على هدايتهم، أن تسعى لهدايتهم، وأن تتفهم طبيعة الظروف التي هم فيها، لا تفترض منهم أن يقتنعوا بكل شيء دفعةً واحدة، أن يرتقوا إلى أعلى المراتب دفعة واحدة، فكن واقعيًا في نظرتك لحالهم وظروفهم.
((إِيَّاكَ أَنْ تَذْكُرَ مِنَ الْكَلَامِ قَذِرًا، وَأَنْ تَكُونَ مُضحِكًا، وَإِنْ حَكَيْتَ ذلِكَ عَنْ غَيْرِكَ))، احرص على أن تكون كلمة وعباراتك التي تتخاطب بها مع الناس، عبارات نظيفة ليس فيها كلمات قذرة، كلمات بذيئة، كلمات مسيئة؛ لأن هذا يسيء إليك، إلى شرفك، إلى أخلاقك، إلى كرامتك، إلى دينك، إلى مروءتك، إلى كرم نفسك، فاحذر من الكلمات البذيئة، نظف لسانك منها، وكذلك في المزاح، في سعيك لإضحاك الآخرين، لا تأتي بكلام فيه قذارة، فيه عبارات بذيئة، أو عبارات سيئة، أو قصص دنيئة، تقص قصة دنيئة، فيها أشياء سيئة سخيفة، تجنب ذلك، والبعض من الناس إذا كان في سياق أن يضحك الآخرين، قد يأتي مثلًا بكلمة سيئة للغاية، أو بذيئة للغاية، المهم أن تكون مضحكة فقط عنده، أو بقصة سيئة فيها أشياء فاحشة أو دنيئة، والمهم أن يكون في ذلك ما يضحك.
لا يبرر الإنسان هزله وسعيه للمزاح مع الآخرين، أو إضحاك الآخرين، أن يذكر الكلمات البذيئة، أو يتحدث بأشياء دنيئة، أو مسيئة، أو فاحشة، أو قذرة، ينبغي عليه أن يتجنب ذلك تمامًا، حتى في الحكاية عن غيره، لا داعي لأن تذكر القصص أو الحكايات التي فيها ذلك، لكي تضحك الآخرين، اضبط أداءك في كل شؤون حياتك وأقوالك بمعايير الأخلاق والقيم.
((عَوِّدْ نَفْسَكَ السَّمَاح))، عود نفسك حتى تكون معتادةً للجود وحسن التعامل مع الناس، وألا تكون في تعاملك مع الناس لا بخيلًا، ولا منقبضًا ضيق النفس، صعب التعامل؛ لأن البعض من الناس إما أنه يكون بخيلًا، وقصيًا- على حسب التعبير المحلي- إلى أنهى حد، فالتعامل معه صعب ومعقد، أو ضيق النفس، لا يتساهل حتى في أبسط الأمور في التعامل، فهو ضيق جدًّا، والتعامل معه صعب ومعقد.
((تَخَيَّرْ مِن كُلِّ خُلُقٍ أَحْسَنَهُ، فَإِنَّ الخَيرَ عَادَة))، اختر من الأخلاق أحسن الأخلاق التي حث عليها الإسلام، ووجه الله إليها في القرآن الكريم، وعود نفسك على ذلك، فكما قال أمير المؤمنين “عَلَيهِ السَّلَامُ”: ((فَإِنَّ الخَيرَ عَادَة))، وفعلًا إذا اعتاد الإنسان الالتزام بأخلاق معينة، وكلها من الخير، تعود على الإحسان، تعود على الصدق، على الوفاء، على الإنصاف، على كل القيم العظيمة، والأخلاق الكريمة، فهو سيصبح معتادًا لذلك، لم يعد ذلك شاقًّا عليه، ولا يحتاج إلى تكلف لذلك، أصبح معتادًا بشكل طبيعي وآلفًا لذلك، بل سيشمئز من غير ذلك، مما يناقض ذلك من مساوئ الأخلاق.
((إِيَّاكَ وَمُشَاوَرَةَ النِّسَاءِ، فَإِنَّ رَأَيَهُنَّ إِلَى أَفْنٍ، وَعَزْمَهُنَّ إِلَى وَهْنٍ))، التشاور في هذه الحياة من الاشياء المهمة للإنسان، تشاور مع ذوي الخبرة، مع ذوي المعرفة، فيما يتعلق بذلك المجال، أو ذلك الموضوع الذي يريد أن يتشاور فيه مع الآخرين، يُكسبه المزيد من الفهم من المعرفة، يشارك الآخرين في عقولهم، في تجربتهم، في فهمهم، ولهذا أتى الحث على التشاور في القرآن الكريم، بل أتى الأمر به حتى للنبي “صَلَوَاتُ الله عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ”، وهو يتلقى الوحي من الله، فأمر قال “جَلَّ شَأنُهُ”: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ}[آل عمران: من الآية 159]، تحدث عن المؤمنين وجعل من ضمن صفاتهم المهمة والعظيمة والأساسية: هو التشاور فيما بينهم، في النهوض بمسؤولياتهم الجماعية، {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ}[الشورى: من الآية 38]، فالتشاور يلحظ فيه أن يكون من تتشاور معه من ذوي المعرفة، من ذوي الفهم، من ذوي التجربة فيما يتعلق بذلك الموضوع الذي تريد التشاور فيه.
فيما يتعلق بدور المرأة في الحياة، ونظرًا لما يثيره الغرب الكافر من اللَّغَط حول ما رسمه الإسلام تجاه هذا الموضوع، فلنا وقفة نتحدث فيها بعدة نقاط من الحقائق المهمة التي قدمها الله في القرآن الكريم، وأصبحت من الأساسيات المتعلقة بهذا الموضوع في الإسلام:
أولًا فيما يتعلق بما قدمه القرآن الكريم عن المرأة، فيما يتعلق بواقعها الإنساني، الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” قدم المرأة على أنها كيان واحد مع الرجل، كلاهما يُعبَّر عنه بالإنسان، ليست عالمًا لوحدها، والرجل عالمًا لوحده منفصل في روابطه معها، وتصبح هناك في اتجاه لوحدها، وهو في اتجاه لوحده. كلاهما في الأساس عالم واحد، كيان واحد، من أصلٍ واحد، ولهذا يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في القرآن الكريم: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً}[النساء: من الآية 1]، فخلق الله المرأة من الرجل، خلق حواء “عَلَيهِا السَّلَامُ” من آدم، فهي من أصل الرجل، ومنهما خلق الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، {وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً}[النساء: من الآية 1]، هذا على مستوى المرتبة الإنسانية، المرتبة الإنسانية هي مرتبة واحدة للرجل والمرأة، للذكر والأنثى.
على مستوى المنزلة الإيمانية والدرجات عند الله والعمل الصالح، فتح الله المجال في ذلك لهما معًا، فليس هذا المجال خاصًا بالرجل؛ أنه هو الذي يمكنه أن يعمل الأعمال الصالحة، وأن يرتقي في الدرجات الإيمانية الرفيعة، وأن يحظى بالمنزلة العالية عند الله، بل المجال مفتوحٌ بشكل تام للمرأة في ذلك، كما هو مفتوحٌ للرجل، ولهذا يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في القرآن الكريم: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[النحل: 97]، ولهذا ارتقت نساءٌ من النساء: في الفضل، في المنزلة العالية الرفيعة عند الله، في المراتب الإيمانية العالية جدًّا، وأصبحت منهن نساء معروفات على مدى التاريخ بكله، ومخلَّدٌ ذِكرُهنّ والحديث عن فضلهن ومنزلتهن العالية عبر كل الأجيال إلى يوم القيامة، مثلما هو حال مريم ابنة عمران وما تحدث به القرآن الكريم عنها، ووَصَفها بالصِّدِّيقة، إلى هذا المستوى الراقي جدًّا. مثلما هو حال أيضًا فاطمة الزهراء “عَلَيهَا السَّلامُ” سيدة نساء العالمين، سيدة نساء أهل الجنة، التي بلغت مراتب إيمانية عالية جدًّا، فوق مستوى ما يمكن أن نتخيَّله.
فلم يؤثر مسألة أن المرأة أنثى عن إمكانية أن يكون لها منزلة عالية عند الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وأن ترتقي في سُلَّم الكمال الإيماني والإنساني إلى درجات عالية جدًّا، قد يستحيل على أغلب الرجال أن يصل إلى مستواها في بعض الحالات، في بعض النماذج، مثلما هو نموذج فاطمة الزهراء “عَلَيها السَّلَامُ”، أو نموذج مريم ابنة عمران “عَلَيها السَّلَامُ”.
فيما يتعلق بالمسؤولية، المسؤولية واحدة على الرجال والنساء، ولهذا يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في القرآن الكريم: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}[التوبة: 71]، فنجد أنها مسؤولية واحدة، قال عن المؤمنين والمؤمنات، قال عنهم هذا التعبير: {بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ}، فالمرأة شريكة في مسؤولية الأمر بالمعروف، شريكة أساسية في مسؤولية النهي عن المنكر، شريكة أساسية في مسيرة الإيمان والتقوى، جنبًا إلى جنب مع الرجل، إنما الذي يراعى فيه الواقع الذي كوَّن الله فيه الرجل أو المرأة: هو تنوُّع الأدوار، تنوع الأدوار لكن في إطار المسؤولية الواحدة. الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” جعل في تشريعه ما يناسب التكوين، والفطرة، والواقع النفسي، لكلٍ من الرجل والمرأة.
فالدور الذي تؤديه المرأة في إطار المسؤولية: الأمر بالمعروف، النهي عن المنكر، في إطار المهمة الرئيسية وهي الاستخلاف في الأرض: هو دور يناسب تكوينها، يناسب فطرتها، يناسب نفسيتها، فالتشريع في الإسلام مرتبطٌ بالتكوين، منسجمٌ مع التكوين، منسجمٌ مع طبيعة الخِلقة التي خلق الله الإنسان عليها، في واقع الرجل وفي واقع المرأة، وهذا من الحكمة الإلهية، ومن العدل، ومن الخير، ومن عوامل النجاح والفلاح للمجموع؛ للرجال والنساء، للذكر والأنثى معًا.
فالإسلام هو: دين الفطرة، وهو قدم في تشريعاته ما هو متناسب حقًا مع تكوين الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” للمرأة وللرجل، الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” جعل دور الحماية ودور الرعاية للمرأة إلى الرجل، ولهذا قال “جَلَّ شَأنُهُ”: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللهُ}[النساء: من الآية 34]، الرجال هم الذين يتحملون المسؤولية في إدارة شؤون الأسرة، وأن يقوموا هم بدور الحماية للمرأة، وبدور الرعاية في الإنفاق عليها، في توفير متطلباتها الأساسية، لماذا؟؛ لأن طبيعة دورها المهم جدًّا؛ في التنشئة، في الرعاية، في التربية، في الأمومة، وفي الجوانب الأخرى التي تساند بها الرجل في مختلف الأمور، تتطلب أن تحظى بهذه الرعاية والحماية، فكان الأمر بمسؤولية الحماية للمرأة هو على الرجل، في الرعاية لها هو إلى الرجل، في إدارة وضع الأسرة بشكل عام هو إلى الرجل؛ لأنه من يتحمل التزامات أكبر، ويواجه البعض من المتاعب والمخاطر في هذه الحياة بشكل أكبر، وهذا فيه العدل وفيه الخير.
الغرب الكافر واللوبي اليهودي هو ركز على عدة نقاط، هو ركز على أن يحقِّر الدور الذي هو دور فطري، ودور تشريعي، ودور إنساني، ودور أخلاقي للمرأة في مسألة الأمومة، في التربية، في التنشئة، في تربية الأسرة، في تربية الأطفال، في التنشئة لهم وهو: دور عظيم جدًّا وذو أهمية كبيرة في الواقع الإنساني؛ لأنها هي المدرسة الأولى في التنشئة، إذ أدت هذا الدور بشكلٍ أساسي، بشكلٍ صحيح فإسهامها كبيرٌ جدًّا في بقية الأمور بكلها، إضافة إلى بقية الأدوار المساندة؛ لأن معها أدوار أساسية هي خاصة بها، أو لها فيها الإسهام الأكبر، ولها في بقية الأمور أدوار مساندة للرجل. فأراد أن يضرب هذا الدور الأساس لماذا؟ لأنه يدرك أنه إذا تمكن من إنهاء هذا الدور فهو: سيمثل ضربة قاضية في واقع المجتمع الإنساني، سيضرب البنية الأساسية للمجتمع وهي الأسرة، وسيُفكك هذه الأسرة، وسيتولى هو أن يأخذ الأطفال، وأن يتولى هو تنشئتهم التنشئة الفاسدة، السيئة، المستغلة، وهذا من أخطر ما يركز عليه الغرب، ويركز عليه اللوبي اليهود الصهيوني المفسد في الأرض، يريد أن يسيطر على الإنسان من بعد ولادة الإنسان، وهذا ما يحصل في الغرب يختطفون الأطفال، البعض منهم يختطفونه بعد ولادة أمه له، وتعاني الجاليات الإسلامية في السويد، وفي أوروبا، وفي عدد من بلدان الغرب معاناة كبيرة جدًا، ما أن تلد المرأة حتى تأتي جهات عندهم جهات رسمية لتأخذ طفلها، فيأخذون الطفل على الأسرة، يحرمونه من رعاية أبويه الأب والأم، ويحرمون أبويه منه، يأخذون عليهم طفلهم، وما بعد ذلك سيقومون هم بالتحكم في مستقبل ومصير ذلك الطفل، وهذا من أشكل، من أسوأ، وأفظع، وأقبح أنواع الاستعباد والاستغلال، هي عملية سيطرة، فيها استغلال، فيها استعباد وسيطرة تامة، عندما يسيطر على الطفل من بعد ولادته، لم يكفهم أنهم كانوا يسيطرون على البرامج في دور الحضانة، أنهم رسموا السياسات السلبية، والسيئة، والمدمرة للتنشئة، هذا ما كانوا يفعلونه سابقًا، كانوا يرسمون سياسات للتنشئة تفصل الإنسان عن أسرته، وهم يريدون أن يفككوا الأسرة، وألا يكون هناك أي نواة في داخل المجتمع مترابطة فيما بينها، وأن يستغلوا الكل، يفككوا الكل، وأن يسيطروا على الكل، وأن يستغلوا الكل، بشكل مفكك بعد أن يكونوا أبعدوا المرأة عن الرجل، والرجل عن المرأة، والطفل عن أمه وأبيه، والمرأة عن ابنها، وهكذا. فسعيهم هو سعي شيطانيٌ سلبي.
أما أكذوبتهم في الحديث عن حقوق المرأة، فهم أبعد الناس عن رعاية حقوق المرأة، أو النظرة الإيجابية إلى الدور الذي ينبغي أن تقوم به المرأة، ليس لديهم على مستوى العقيدة الدينية نظرة إيجابية إلى المرأة، فلسفتهم الدينية تنظر إلى المرأة نظرة سلبية للغاية. أما بقية الفلسفات: فلسفتهم الاجتماعية، توجهاتهم السياسية، فهم ينظرون إلى المرأة كمجرد سلعة، على أنها سلعة للاستغلال الاقتصادي، من أكثر ما يستخدمونه في الدعاية والإعلان، وللامتهان لكرامتها كسلعة رخيصة، للامتهان لكرامتها، ولذلك يحرصون على أن يذهبوا بالمرأة نحو الدعارة، نحو الفساد، وأن يستثمروها في ذلك، وأن يستغلوها في ذلك، أو يذهبون بها مجردة من الحماية والرعاية، وكل همهم هو هذا. حتى سياساتهم التي يستهدفون بها مجتمعنا الإسلامي، أول ما يركزون عليه أن يفصلوا المرأة عن أسرتها، وعن الحماية لها من أسرتها، وعن الرعاية لها؛ لأن في الإسلام حماية ورعاية، في التربية التي ترسخت في واقعنا الإسلامي، أن الإنسان معنيّ بالدرجة الأولى بحماية زوجته، وأسرته، وبناته، وأمه، بالدفاع عنهن، حاظر لأن يضحي بنفسه من أجل ذلك، من أجل أن يمنع عنهن الظلم، الامتهان للكرامة، الاغتصاب، أي شيء من ذلك، أي امتهان للكرامة، وهذه التربية سائدة في مجتمعنا الإسلامي، وهم يريدون العمل على التخلص منها، وعلى أن يفصلوا المرأة عن أسرتها، وعن تلك الحماية التي تتمتع بها في الحفاظ عليها، في الدفاع عنها.
وكذلك في مجال الرعاية، الإسلام هو جعل النفقات على الرجل، هو الذي ينفق على المرأة، وبالتالي هو الذي يذهب في ظروف هذه الحياة في أعبائها، في متاعبها، في مشاكلها، لتوفير متطلبات الحياة، وإذا كان للمرأة دور إسهام؛ دور مساهم في ذلك، يبقى بما يناسب خصوصيتها، وظروفها المعروفة، وليس كدور الرجل، ليست هي المعنية بالذهاب في ميدان الأعمال خارج؛ بالاختلاط مع الرجال في مصانع، أو في غُربة، أو في عُمران، أو غير ذلك، بعيدًا هناك بين أوساط الأجانب. فهم يحاولون أن يحاربوا هذا الدور، وهدفهم بالدرجة الأولى تجريد المرأة، عن الحماية، عن الرعاية، وإزاحتها عن دور الأمومة الذي هو: دورٌ مقدسٌ وعظيم، أشاد به الإسلام، وأعلى من قدره، لو لم يكن لهن إلا ما ورد عن رسول الله “صَلَوَاتُ الله عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ” في الحديث المعروف: ((الجَنَّةُ تَحتَ أقْدَامِ الأُمَّهَات))، هذا تكريم عظيم، تكريم كبير جدًا، أيٌّ من الرجال يقال لهم: [الجنة تحت أقدامهم]، ليس هناك أي دور يرتبط بالرجل ليُقال له إلى هذا المستوى [الجنة تحت قدميك]، الجنة بالنسبة للرجال تحت ظِلال السيوف، لكن الأمهات تحت أقدامهن، تكريم كبير للمرأة وهو: دور عظيم دور مقدس، وأن حقَّره الغرب فهو: يحقِّر ما هو عظيم من الأمور، ويعظِّم ما هو سيء وتافه، الغرب: يروِّج للدعاية، للدعارة، للفساد، للابتذال، للانحطاط، للسفه، للجريمة، للخِسة، للدناءة، يروج للشذوذ، يروج للفاحشة، هذا حال الغرب، أما مسألة الأمومة، الجوانب الإنسانية الراقية، الأدوار المهمة التي هي مشرفة، هو يُحقرها، يحاول أن يرسخ نظرة سلبية تجاهها، واحتقار لها.
لا ينبغي أبدًا أن يكون هناك توجه للتبعية الثقافية أو الفكرية للغرب بين وسط مجتمعنا المسلم؛ لأنه ضلال بكل ما تعنيه الكلمة، وغباء في نفس الوقت، وتنكُّر للحقائق الواضحة في الحياة، هو يسعى إلى استغلال المرأة للفساد بالدرجة الأولى، يريد أن تكون وسيلة لنشر الفساد، ونشر الفحشاء، أما أنه يهتم برعايتها، أو الحفاظ عليها، أو الدفاع عنها، فهو أبعد عن كل ذلك، وواقعه مفضوح في بلدنا الإسلامي، في مناطقنا الإسلامية، عندما نلحظ ماذا يفعل الغرب تجاه المرأة الفلسطينية، عندما تُقتل؛ يقتلها الصهاينة ظلمًا وعدوانًا، عندما يباشرون بالضرب والاعتداء عليها، والسجن لها، والتعامل السيء لها، يهدمون منزلها، يسجنون أبناءها بغير حق، يختطفون أقاربها، كل أنواع الظلم والاضطهاد يمارسها الصهاينة اليهود تجاه النساء الفلسطينيات بدون أي اكتراث، أو مبالاة من الغرب الكافر. هل تفعل أمريكا أو أوروبا شيئًا لحماية المرأة الفلسطينية من ظلم الصهاينة اليهود؟ ولا شيء، ولا شيء أبدًا، صمت، تفرُّج لكل أشكال الاضطهاد، والظلم، والقتل، التي تمارَس بحقهن من جانب المعتدين المجرمين الصهاينة اليهود، هذا يفضحهم.
ما جرى عندنا في اليمن، ما جرى في مختلف بقاع العالم الإسلامي، مِن قتلٍ لمئات الآلاف من الرجال، والنساء، والأطفال، والكبار والصغار: يفضح الغرب في أكاذيبه، مجرد أكاذيب وعناوين للخداع، ينخدع بها السُّذَّج من الناس: الذين لا يلتفتون إلى الوقائع والحقائق الواضحة البيِّنة التي هي كافية في أن تعطي الإنسان فكرةً صحيحة، وتعطيه رؤيةً صحيحة، وتكشف زيف الأعداء. فهنا توضيح لهذه المسألة.
فمسألة مشاورة النساء في مجالات يُعنى بها الرجال، هي في إطار مسؤولياتهم الأساسية، معناه أنها استشارة من غير ذوي الاختصاص، فيما يتعلق بذلك الدور الآخر، ولهذا قال: ((فَإِنَّ رَأَيَهُنَّ إِلَى أَفْنٍ)) يعني: إلى نقص، لأنه مجال لا تجربة لها فيه، ولا خبرة لها فيه، ((وَعَزْمَهُنَّ إِلَى وَهْنٍ)) يعني: لن يبقى على مستوى تلك الصلابة في المجالات تلك، والمواضيع تلك.
((وَاكْفُفْ عَلَيْهِنَّ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ بِحِجَابِكَ إِيَّاهُنَّ، فَإِنَّ شِدَّةَ الْحِجَابِ خَيرٌ لَهُنَ مِن الارتِيابِ، وَلَيْسَ خُرُوجُهُنَّ بِأَضَرَّ مِن دُخُولِ مَنْ لَا يُوثَقُ بِهِ عَلَيْهِنَّ، فَإِن اسْتَطَعْتَ أَلّا يَعْرِفْنَ غَيْرَكَ فَافْعَلْ))، هذه التعليمات تتعلق في رعاية الزوجة، كيف ترعى زوجتك؟ وكيف تصون حياتك الزوجية؟ من كل الاختراقات والتأثيرات، التي تدمرها؟ وهذه مسألة بديهية لمصلحة الزوجة والزوج؛ لأن الزوجة إذا أصبحت ذات علاقات بالرجال الأجانب، خارج إطار العلاقة الزوجية، أصبح لها تواصلات، وارتباطات، وعلاقات مع ذلك الرجل، وذلك الرجل، وذلك الشخص، وذلك الشخص، واكتسر حاجز الحياء والخصوصية التي لها، هذا يدمر حياتها الزوجية، والواقع يشهد على ذلك. في المجتمعات التي يمكن للزوجة، أن يكون لها علاقات خاصة مع الرجال الأجانب الآخرين، وتواصل خاص بهن، وروابط خاصة بهن، وصداقات مع ذلك الرجل ومع ذلك الرجل، لا يبقى هناك صيانة ولا حفاظ على الحياة الزوجية، تُدمَّر الحياة الزوجية، تُنسَف، ولذلك فالزوج معنيّ بأن يصون حياته الزوجية، وأن يحافظ على زوجته من أي اختراق.
الزوجة كذلك لا حاجة لها في أن يكون لها علاقات بالرجال الأجانب، أن يكون لها علاقة مباشرة مع رجل هناك، وتواصل مباشر مع رجل آخر هناك، وروابط أخرى مع رجل أجنبي هناك، لا حاجة لها في ذلك؛ لأن الأمور العملية التي تحتاج إلى تواصل مباشر عادة تأتي في أطار مسؤوليات الرجال.
وكذلك في قوله: ((وَلَيْسَ خُرُوجُهُنَّ بِأَضَرَّ مِن دَخَولِ مَنْ لَا يُوثَقُ بِهِ عَلَيْهِنَّ))، إما من النساء الفاسدات، اللواتي يسعون في إلى الاستقطاب لصالح رجال سيئين، أو شبكات دعارة، أو غير ذلك، أو كذلك من الرجال.
((وَلَا تُمَلِّك الْمَرْأَةَ مِنْ أَمْرِهَا مَا جَاوَزَ نَفْسَهَا، فِإِنَّ ذَلِكَ أَنْعَمُ لِحَالِهَا، وَأَرْخَى لِبَالِهَا، وَأَدْوَمُ لِجَمَالِهَا، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ رَيْحَانَةٌ وَلَيْسَتْ بِقَهْرَمَانَةٍ))، يعني: لا تتجه بها في خارج إطار اهتماماتها، مسؤولياتها، أدوارها الأساسية، لتزجّ بها هي بدلًا عنك في القضايا الأخرى، والمشاكل الأخرى، تريد منها أن تكون هي من يتلقى المشاكل الكبيرة في هذه الحياة، تُقاتل بدلًا عنك، تُصارع بدلًا عنك، تُجادل بدلًا عنك، تتلقى المشاكل بدلًا عنك، اترك لها دورها الأساس، وهذا هو أفضل لها ولك.
ولهذا قال: ((فِإِنَّ ذَلِكَ أَنْعَمُ لِحَالِهَا، وَأَرْخَى لِبَالِهَا، وَأَدْوَمُ لِجَمَالِهَا))، لتؤدي الدور الذي قال في وصف لها: ((فَإِنَّ الْمَرْأَةَ رَيْحَانَةٌ))، دورها في هذه الحياة هو دور الحنان، الرقة، العاطفة، الدور الذي يواجه تأثيرات تلك الأدوار الأخرى. الرجل وهو يواجه المشاكل المعينة؛ يقاتل، يكافح، يجادل، يصارع، يذهب في الأعمال التي هي شاقة أكثر، التي فيها مخاطر أكبر. وهي تُسانده بعطفها عليه، برقتها، بحنانها، بما تقدمه له أيضًا من دور مساند على المستوى العملي بما يناسب، وبما لا يخالف خصوصيتها تلك. فدورها دور مهم جدًّا، ولهذا سماها بريحانة، ((فَإِنَّ الْمَرْأَةَ رَيْحَانَةٌ)).
((وَلَيْسَتْ بِقَهْرَمَانَةٍ))، لتزج بها هي التي تواجه تلك المشاق، تلك المشاكل، تلك المخاطر بدلًا عنك.
((وَلَا تَعْدُ بِكَرَامَتِهَا نَفْسَهَا))، اترك لها دورها فيما يتعلق بشكل أساسي: فيما يتعلق بواقعها، فيما يتعلق بمسؤولياتها، فيما يتعلق بدورها.
((وَلَا تُطْمِعْهَا أَنْ تَشْفَعَ لِغَيْرِهَا، فَيَمِيلَ مَن شَفَعَتْ لَهُ عَلَيكَ مَعَهَا))، لا تشغلها بالآخرين، والشفاعة للآخرين، والاهتمام بأمر الآخرين، اترك لها دورها الأساس في إطار واقعها ومسؤوليتها الأساسية.
((وَإِيَّاكَ وَالتَّغايُرَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ غَيْرَةٍ، فَإِنَّ ذلِكَ يَدْعُو الصَّحِيحَةَ مَنهُنَ إِلَى السَّقَمِ، وَالْبَرِيئَةَ إِلَى الرِّيَبِ))، والبعض من الناس يعاني من مشكلة الغَيرة كمرض ناشئ عن حالة الوهم، فيمثل ذلك مضايقة شديدة للمرأة، وأذية شديدة لها، وإزعاج لها، والبعض منهن قد يكون لذلك تأثير سلبي عليها، فهو يذكِّرها بما ليس في بالها، ويوجهها إلى ما هي غافلة عنه، ولذلك فسلبيات الغَيرة في غير موضعها سلبيات كبيرة، على الإنسان أن يحذر منها.
((أَقْلِل الغَضَبَ، وَلا تُكْثِرْ العِتَابَ فِي غَيرِ ذَنبٍ))، في علاقتك الزوجية لا تكن دائمًا غاضبًا منفعلًا تتعامل بإكثار العتاب على كل صغيرة وكبيرة في أمور الحياة، فلذلك تأثير سلبي على واقع الحياة الزوجية.
((وَاجْعَلْ لِكُلِّ إِنْسَانٍ مِنْ خَدَمِكَ عَمَلًا تَأْخُذُهُ بِهِ، فَإِنَّهُ أَحْرَى أَلّا يَتَوَاكَلُوا فِي خِدْمَتِكَ))، يعني نظِّم أعمالك، نظم أعمالك حتى تكون منظمة، والمعنيين بها محددين، ومحددة أدوارهم بشكل واضح، حتى لا يحصل تواكل وإهمال.
((وَأَكْرِمْ عَشِيرَتَكَ، فَإِنَّهُمْ جَنَاحُكَ الَّذِي بِهِ تَطِيرُ، وَأَصْلُكَ الَّذِي إِلَيْهِ تَصِيرُ، وَيَدُكَ الَّتي بِهَا تَصُولُ، وَبِهِمْ تَطُولُ. أَكْرِمْ كَرِيمَهُمْ، وَعُدْ سَقِيمَهُمْ، وَأَشْرِكْهُمْ فِي أُمُورِهِمْ، وَيَسِّرْ عَن مُعْسِرِهِمْ))، تقدم الكثير من الكلام عن دائرة اهتمامك في علاقاتك مع مجتمعك، مع مختلف الفئات في مجتمعك، كيف تتعامل بالإحسان، كيف تتعامل بالإكرام، كيف تتعامل بقيم الإسلام وأخلاقه، ومن ضمن ذلك يأتي الحديث عن العشيرة، عن الأقارب، كيف يكون تعاملك معهم تعاملًا راقيًا، وهم إذا كانت تجاههم في الاتجاه الصحيح، يؤدون دورًا مهمًا في مساندتك، وإعانتك، وتجمعك بهم رابطة النسب، ورابطة التوجه الإيجابي، أما في الحالات التي يكون التوجه فيها توجهًا سلبيًا وإنما يستند إلى العصبية فهي حالة ممقوتة على كل حال.
((وَاسْتَعِنْ بِاللهِ عَلَى أَمْرِكَ كُلِّهِ، فَإنَّهُ أَكْرَمُ مُعِين))، دائمًا اِبقَ في حالة الاستعانة بالله. الإنسان في مسؤولياته الواسعة في هذه الحياة، فيما يواجه في هذه الحياة، فيما يعيشه في مختلف ظروف هذه الحياة، يحتاج دائمًا إلى الاستعانة بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وهو ((أَكْرَمُ مُعِين))، يعينك، وهو القدير على كل شيء، وهو أرحم الراحمين الذي يرحمك، هو العالم بأحوالك وظروفك، هو خير سندٍ لك، هو الملجأ الذي تلتجئ إليه، في كل الأحوال، ومختلف الظروف، والعالم بكل أحوالك.
((أسْتَوْدِعُ اللهَ دِينَكَ وَدُنْيَاكَ، وَأسْأَلُهُ خَيْرَ الْقَضَاءِ لَكَ فِي الْعَاجِلَةِ وَالْآجِلَةِ، وَالدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَالْسَّلامُ)).
نكتفي بهذا المقدار، اقتطفنا من وصية أمير المؤمنين “عَلَيهِ السَّلَامُ” لابنه الإمام الحسن “عَلَيهِ السَّلَامُ” مقتطفات- إن شاء الله- تكون مفيدة لنا، ومفيدة للإخوة المستمعين.
نَسْأَلُ اللَّهَ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أن يُوَفِّقَنَا وَإيَّاكُمْ لمِا يُرضِيهِ عَنَّا، وأَنْ يَرْحَمَ شُهَدَاءَنَا الأَبرَارَ، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسْرَانَا، وَأَنْ يَنصُرنَا بِنَصْرِه، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء.
وَالسَّــــلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَــــةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتـــُه.