الهجرةُ النبوية.. نقطةُ تحول في تاريخ الإسلام ومصدرُ إلهام لشعب الإيمان.. بقلم/ حسام باشا
إن تاريخَ الإسلام لا يمكن فهمه إلا من خلال مراجعة الحقبة المباركة التي شهدت نشأة الدولة الإسلامية وتأسيسها على أسس راسخة ومبادئ سامية.
فقبل أربعة عشر قرناً مضت، كانت مكة المكرمة مهد النبوة ومنبع الرسالة، حَيثُ بعث الله سبحانه وتعالى نبيه محمد -صلى الله عليه وآله سلم- بالهدى والدين الحق ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، ولكن المشركين لم يستسيغوا هذه الدعوة، فقاموا بمحاربتها بكل وسيلة ممكنة، من سخرية وتعذيب ومقاطعة وحصار، فتحمل المسلمون هذه المصاعب بصبر وثبات، وظلوا متمسكين بدينهم، حتى جاء أمر الله بالهجرة إلى المدينة المنورة، فانطلقوا في رحلة محفوفة بالمخاطر، تاركين أوطانهم وأموالهم وأقاربهم؛ مِن أجل رضا ربهم.
وفي المدينة، استقبلهم المسلمون الأنصار بحفاوة وإخاء، فشكلوا مع المهاجرين مجتمعاً إسلامياً قوياً ومتحداً، يعمل على نشر دين الله في الأرض.
إن الهجرة النبوية من أعظم الأحداث في تاريخ الإسلام والإنسانية، فهي نقطة تحول في مسيرة الدعوة والجهاد، ومصدر إلهام للمسلمين في كُـلّ زمان ومكان، ففي هذه الهجرة، التي نستذكرها في هذا الشهر المبارك، نجد دروساً وعبراً في كيفية التعامل مع المواقف الصعبة والتحديات الكبيرة، بالصبر والثبات والصمود والإخلاص، دروس نحتاج إليها في زماننا هذا، حَيثُ نشهد حروباً ومؤامرات من قبل أعداء أمتنا، الذين يريدون إضعافنا وتمزيقنا وسلب ثرواتنا.
ولكن عندما نتحدث عن الهجرة، فَــإنَّنا نتحدث أَيْـضاً عن الثبات على دين الله، والثقة بالله والتوكل عليه في جميع الأمور، كما نستخلص منها دروسًا قيمة لحياتنا، منها:
أولًا: أن نثق بالله ونستعين به في كُـلّ أمورنا، فهو خير معين وخير نصير، ولا يضيع أجر المحسنين.
ثانيًا: أن نأخذ بالأسباب المشروعة في مواجهة قوى العدوان والاستكبار.
ثالثًا: أن نتفاءلَ بالخير، فَــإنَّ مع العسر يسرًا.
رابعًا: أن نتحلى بالصبر والثبات على دين الله وأن نسير على درب آل البيت وأعلام الهدى، فَــإنَّ طريق الحق مليء بالمصاعب والتحديات، وإن مع الصبر نصرًا، فلا نخشى في الله لومة لائم.
خامسًا: أن نكونَ دعاةً للإسلام المحمدي الأصيل بالقول والفعل، فَــإنَّ هذه هي مهمتنا في هذه الحياة، أن نبلغ عن ربنا ما استطعنا إلى من حولنا.
سادسًا: أن نتعاوَنَ ونتآخى ونتكاتف في مواجهة أعداء الدين، فَــإنَّ هذه هي سبيل القوة والانتصار، وإلا فَــإنَّ دون ذلك الهلاك.
سابعًا: أن نتخلص من الأنانية والحسد، فَــإنَّ هذه من صفات المشركين.
ثامنًا: أن نستفيدَ من الفرص والظروف المواتية لتحقيق الغلبة على أعدائنا.
تاسعاً: أن نتجددَ ونتطور وننمي من قدراتنا في كُـلّ مجالات الحياة، دون التخلي عن الأصول والثوابت، فَــإنَّ الإسلام دين يناسب كُـلّ زمان ومكان، ولا يقف على حال.
عاشراً: أن نحرص في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ أمتنا بالتمسك بقيادتنا الرشيدة التي تسعى لتحقيق الأمن والاستقرار والتنمية لشعبنا العزيز، فقيادتنا هي الضمانة لوحدتنا وسيادتنا وكرامتنا، وهي التي توجّـهنا بالحكمة والرؤية والإرادَة إلى مستقبل أفضل، لذلك علينا أن نصطف حول قيادتنا بالولاء والانتماء، وأن نلتزم بتوجيهاتها وهديها التي تستند إلى القرآن الكريم، فبذلك نكون قد أدّينا واجبنا تجاه ديننا وبلادنا وشعبنا، وساهمنا في رفعة وعزة أمتنا.
ومن بين الشعوب التي اقتدت بالنبي -صلى الله عليه آله وسلم- في الهجرة، شعب اليمن العزيز، الذي تعرض لأبشع أنواع الظلم والعدوان من قبل التحالف السعوديّ الإماراتي، الذي لا يراعي حدود الشرع والقانون، ولا يحترم حقوق الإنسان والشعوب، ولا يتورع عن استخدام أسلحة محرمة دوليًّا، مثل القنابل العنقودية والفسفورية، ولا يكتفي بفرض حصار خانق على الشعب اليمني، بل يستهدف المدنيين والمنشآت الحيوية، محاولاً كسر إرادَة هذا الشعب المجاهد، لكن شعب اليمن لم يستسلم لهذه المآسي، بل استمد قوته من إيمانه بالله، واتباعه لنهج نبيه صلى الله عليه وآله سلم، وتاريخه المجيد، الذي شهد ثورات تحريرية ضد المستعمرين، فعمل على التحرّر من كُـلّ أشكال التبعية للطاغوت والاستكبار وواجه المعتدين بشجاعة وإرادَة حديدية، ساعياً إلى بناء قدراته الدفاعية ومحافظاً على تماسك جبهته الداخلية.
إن شعب اليمن الذي يتمسك بإيمانه بالله وولائه لرسوله العظيم وآله الطاهرين، قد أبان بأنه شعب مؤمن مخلص، لا يحيد عن منهج النبوة والولاية في كُـلّ زمان ومكان، فقد اقتدى بالنبي الكريم -صلى الله عليه وآله وسلم- في سيرته وأخلاقه وجهاده، وسار على درب آل البيت -عليهم السلام- في علمهم وفضلهم وصبرهم، واتبع أعلام الهدى في قيادتهم وشجاعتهم وثورتهم، وقد كان هذا التزاماً بالحق والدين سبباً في نيل الشعب اليمني للنصر والكرامة التي يستحقها.