الهجرةُ النبوية محطةٌ تاريخية نستلهمُ منها الدروسَ والعبر.. بقلم/ خـديــجة المـرّي
تُعتبر ذكرى الهجرة النبوية الشريفة على صاحبها أفضل الصلاة والسلام، محطة تاريخية نستلهم منها الدروس والعبر، فيها ما نحتاجه من المعارف والعلم، فهي من أعظم المُناسبات العظيمة والأحداث في تاريخ الأُمَّــة الإسلامية في ماضيها وحاضرها ومُستقبلها؛ نظراً لأهم الدروس التي ينبغي الاستفادة والتذكير بها سواءً على المستوى الشخصي أَو المستوى الجماعي؛ لِإقامة دين الله، والدفاع عنه، لتصبح كلمة الله هي “العُليا” بحيث يجب علينا التذكير بها، فهي بداية التاريخ الهجري الإسلامي العظيم للمسلمين الذي اختاره ليكون هو التاريخ الذي يعتمدون عليه، وارتبط بحدثٍ عظيم ومُتغيرات كثيرة وهي هجرة الرسول صلوات الله عليه وآله، والحدث الذي غيرّ مسار التاريخ البشري بكله.
فسنة الله في الكون دائماً تقتضي وجود المنهج والقيادة ولا بُـدَّ منها في كُـلّ زمان ومكان؛ وذلك لإخراج الناس من التيه والجور ومن الظُلمات إلى النور، والتحرّر من القيود ومن بغي المتجبرين وتسطلهم، والعيش بحرية وعزة وكرامة وإباء، فعندما جاءت الرسالة المُحمدية الخاتمةُ بالنبي محمد -صلوات الله عليه وآله-؛ ليهدي الناس ويرشدَهم، نعودُ لنذكر الأسباب التي كانت مهيِّئة للدعوة في مكة، حَيثُ كان ولا بُـدَّ أن تكون هي الحاضنة لمثل هذه الرسالة، ولكن دون جدوى من ذلك فطغى ذلك المجتمع وتجبر، حتى بلغ الأمر به إلى محاربة النبي وزادت عليه المضايقة، حتى أصبحت الدعوة فيها تُشكل الخطر على الإسلام والمُسلمين، عندها أمر الله سبحانه وتعالى نبيه بالهجرة عندما أتى قوله تعالى: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أنت بِمَلُوم}ٍ فهاجر النبي-صلوات الله عليه وآله- من ذلك المُجتمع المكي إلى المدينة المنورة لتكون هي بداية لنشر الدعوة الإسلامية فيها ومركز ينبثق منه النور الإلهي المُحمدي الأصيل، وكان الرسول قد أمر الإمام علي-عليه السلام-حينها أن يُبيت في فراشه، وكان مُستعداً حينها أن يفدي ويُضحي بنفسه؛ مِن أجل رسول الله ورسالته، ولم يُبال في ذاك.
فكان هُنالك الكثير والكثير من الدروس والعبر المُستفادة من هجرة الرسول-صلى الله عليه وآله وسلم-
أولاً: كيفية التضحية في سبيل الله بالنفس التي هي أغلى ما يملكه الإنسان، حَيثُ نتعلم من الإمام علي-عليه السلام- التضحية والفداء في سبيل أن يسلم الدين والرسول وأنزل الله قوله تعالى يُبين مدى فضل الإمام علي وكيف باع نفسه لله ورسوله قائلاً: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللهِ وَاللهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَاد}.
ثانياً: قضية الاستبدال لا بُـدَّ أن نفهما جيِّدًا، مهما كان المجتمع الذي نحنُ فيه، فالله سبحانه يُغير الأحوال عندما قال: {أُولئك الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ).
وإنها سنة إلهية خطيرة فقد استبدل الله بذلك المتجمع المكي الذين كفروا برسالة الرسول ودعوته المجتمع الذي تجسدت فيه أعلى وأرقى المُواصفات القرآنية التي عبرت عن الإيمان الذي استكن في قلوبهم وهم سكنوّه، وهما القبيلتان اليمانيتان اللتين سُميتا بالأوس والخزرج المعروفة باسم “الأنصار” الذين كانوا خير من عرف قدر النبي وعظمة رسالته ومكانته، وعظمة الهُدى والمشروع الذي آتى به وأنه الحق، فوصفهم جل شأنه في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أنفسهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئك هُمُ الْـمُفْلِحُونَ}.
ثالثاً: مهما سعت قوى الشر والباطل في إطفاء نور الله، وحاولت بكل جهدها السعي في إيقافه فَــإنَّها لن تستطيع ذلك والله يقول: {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}
رابعاً: إن هجرة الرسول توضح وتُدلل لنا تغيير الله للأحوال كيف يكون؛ وذاك في نصره ومعونته لِمن تمسك بكلمته، وثبت في منهج الحق: {وَجَعَلَ كَلِـمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِـمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}.
خامساً: لن تنهض هذه الأُمَّــة ولن تصلح إلَّا بِما صلح به أولها؛ وهو التمسك بالمنهج وهو القرآن الكريم، والقيادة القرآنية الحكيمة، فمن يتمسك بهذا الدين القويم الإسلامي الصحيح هو من يمتلك القوة الهائلة.
فعلى الأُمَّــة العودة إلى التأمل بجد ومصداقية لدراسة هجرة الرسول التي تُمثل نقطة فاصلة بين الحق والباطل، والاستفادة منها، وتطبيقها في الواقع العملي.