حربُ (العُملة) في المناطق المحتلّة.. أزمةٌ مفتعَلةٌ برعاية أمريكية
المسيرة | عباس القاعدي
وصل منسوبُ الغضب الشعبي لدى أبناء المناطق المحتلّة جنوب وشرقي اليمن إلى الذروة؛ فانهيار العُملة المزيفة يتواصل دون وجود سياسات مالية تحاول إيقافه، بل إن كُـلّ المؤشرات توحي بأن هذا عمل ممنهج ومخطَّط له من قبل الاحتلال الإماراتي السعوديّ، ومن ورائه أمريكا وبريطانيا.
ويرى خبراء اقتصاديون أن انهيار العُملة ليس وليد اللحظة، بل هو أمر مقصود ومتعمد تقف وراءه أمريكا ودول العدوان، بالإضافة إلى أسباب أُخرى مرتبطة بحكومة المرتزِقة التي تمارس الحرب الاقتصادية ضد المواطنين في المحافظات المحتلّة.
وفي هذا الشأن، يقول الخبير الاقتصادي سليم الجعدبي: “إن أية عُملة في العالم مرتبطة بطريقتين:- الأولى: العُملة الأجنبية والثانية: مستوى الدخل منها، بمعنى هل فاتورة الصادرات أكثر من فاتورة الواردات الاستيراد أم العكس؛ أي كلما كانت فاتورة الصادرات أكثر كلما كان هناك صادرات بالعُملة الأجنبية وهذا يقوي مركزك الاقتصادي من العُملة الصعبة وبه ينخفض سعر الصرف”.
ويضيف في تصريح لصحيفة “المسيرة” أنه “في المقابل العُملة المحلية كلما زادت الطباعة كلما قلت قيمة العُملة، موضحًا أن الطباعة تشكل مخاطر كبيرة على الاقتصاد الوطني في المحافظات المحتلّة منها التضخم في السلع والخدمات في الأسواق، وارتفاع مدخلات الإنتاج، وخسارة الأفراد لأكثر من ثلثَي مدخولهم وانخفاض قيمة العُملة واستمرار العجز في ميزان المدفوعات والحساب الجاري”.
تدفُّقٌ واستثمار:
وحولَ أسباب انهيار العُملة وتدهور الوضع المعيشي والاقتصادي والخدمي في المحافظات المحتلّة، يقول الجعدبي: “إن هناك أسباباً كثيرة أَدَّت إلى انهيار العُملة المحلية وتدهور الأوضاع منها أن الإيرادات من التدفق النقدي الأجنبي التي هي تدفق يصل إلى 4 مليارات دولار سنوياً قيمة مبيعات النفط الخام، وهذا باعتراف المرتزِق معين عبدالملك، بالإضافة إلى 4 مليارات دولار التي تتحدث عنها المنظمات الأجنبية بأنها تقدمها كمساعدات إنسانية بالعُملة الأجنبية، أَيْـضاً مرتبات المرتزِقة التي يفترض أنهم يستلموا بالريال السعوديّ، وكذلك إيرادات الجمارك والضرائب لدى المرتزِقة التي تصل إلى حوالي ترليون ريال في السنة، كُـلّ هذه الإيرادات لو يفترض أنه تم توريدها إلى البنك المركزي بعدن فَـإنَّ سعر الصرف ينخفض لأقل من 250، لكن ما تم خلال السنوات الماضية أنه يتم توريد ونهب هذه المبالغ ويتم توريدها إلى البنك الأهلي السعوديّ وهذا هو السبب الأول”.
ويواصل: “لهذا فَـإنَّ المتابع لهذه المبالغ النقدية الأجنبية الكبيرة، يجد أنها تذهب على شكل استثمارات في مصر وتركيا والسعوديّة وهذا بحسب التصريحات الرسمية للجهات الاستثمارية لتلك الدول؛ ولذلك فَـإنَّ إيرادات الصادرات الشهرية من النفط الخام كانت كفيلة بصرف المرتبات بشكل شهري لموظفي الدولة، ولكن يتم نهبها وتوريدها إلى حسابات خَاصَّة في البنك الأهلي السعوديّ؛ وهذا يؤكّـد أن حكومة المرتزِقة للأسف الشديد أصبحت تدعم الوضع الاقتصادي السعوديّ؛ فبدلاً من أن توّرد هذه المبالغ إلى البنك المركزي في عدن المحتلّة، كانت ولا زالت تورد إلى البنك الأهلي السعوديّ؛ وهذا يؤكّـد أن الاقتصاد اليمني الذي يتعرض للتدمير الممنهج لم يستفد من الإيرادات النفطية.
ويؤكّـد الجعدبي أن الطباعة المفرطة للعُملة (المزيَّفة) هي السبب الثاني للانهيار، حَيثُ تم طباعة 5 تريليونات و300 مليار؛ وهذا سبب رئيسي من أسباب الانهيار، ومن ضمن الأسباب نقل وظائف البنك المركزي إلى عدن، وعدم قيام البنك المركزي بعدن بوظائفه من صرف المرتبات وتغطية فاتورة الاستيراد بشكل كامل، وبالتالي قلت السيولة النقدية على الشعب اليمني؛ وهذا أَدَّى إلى تدهور العُملة في المحافظات المحتلّة.
ووفق الجعدبي فهناك أسباب أُخرى أَدَّت إلى انهيار العُملة المحلية، تمثلت في عملية التعامل، وهي أنه يتم التعامل في المناطق المحتلّة مع مجموعة من العملاء لديهم تبعات وولاءات متنوعة ويتم إدارتهم من قبل السعوديّ والإماراتي من الخارج، بالإضافة إلى ذلك هناك فساد كبير في حكومة المرتزِقة؛ كون الإيرادات التي يتم تحصيلها لا تورد إلى وعاء واحد، وإنما إلى أوعية مختلفة، سواء سعوديّة أو إماراتية، وَأَيْـضاً هناك فساد في حكومة مجلس المرتزِقة الرئاسي، وعلى رأسهم المرتزِق العليمي، وفي مجلس المرتزِقة النواب، وفي الحكومة نفسها التي ظهر المرتزِق معين مؤخّراً كرئيس حكومة، وهو شريك في إحدى الشركات التي تتلاعب بالكهرباء في عدن وآخرها فضيحة الوقود.
وبخصوص الحلول والمعالجات للانهيار التاريخي للعُملة والحرب الاقتصادية الأمريكية السعوديّة الإماراتية، يؤكّـد الخبير الاقتصادي الجعدبي أن “ذلك يتمثل في إعادة وظائف البنك المركزي إلى صنعاء، وتوحيد الأوعية الإيرادية، وتوريد كُـلّ الإيرادات إلى البنك المركزي بصنعاء”.
ويواصل: “وكما صرّح عضو المجلس السياسي، محمد علي الحوثي، إنْ تم التوريد سيتم صرف كُـلّ المرتبات”، موضحًا أنه “كان يتم صرف المرتبات قبل نقل البنك المركزي، حَيثُ كانت الطائرة تذهب من صنعاء إلى عدن وتصرف كُـلّ المرتبات حتى الذين يقاتلون في صفوف دول العدوان من المرتزِقة، بالإضافة إلى ذلك يجب إيقاف النهب لثروات الشعب اليمني سواء النفطية والغازية والمعدنية والسمكية وكلّ الثروات المتعددة، وتوريد الإيرادات الخَاصَّة بالشعب اليمني إلى البنك المركزي”.
القبول بعرضِ صنعاء:
وفي السياق ذاته، يدعو الخبير الاقتصادي رشيد الحداد، إلى التوقُّفِ العاجِلِ عن استخدام الاقتصاد كأدَاةِ حربٍ، وتحييد الاقتصاد، وتوحيد البنك، وإعادة قنواته الإرادية، والقبول بعرض صنعاءَ، وخَاصَّة صرف المرتبات من عائدات النفط، كحل ستكون له آثارٌ إيجابيةٌ كبيرةٌ، وينهي حالة عدم الاستقرار التي يعاني منها المواطن اليمني في المحافظات المحتلّة.
وحول ما يحدث من انهيار للعُملة وتدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، يقول الحداد في تصريح خاص لصحيفة “المسيرة”: “ما يحدُثُ هو نتيجةٌ للعبث بالمِلف الاقتصادي والفشل في إدارة هذا الملف المرتبط بحياة الناس المعيشية والفشل في السياسات المالية والنقدية لحكومة المرتزِقة وعدم قيام فرع البنك المركزي في عدن بمهامه، والفساد الذي أصبح أبرز إنجازات حكومة المرتزِقة بشهادة الأمم المتحدة نفسها في تقرير الخبراء العام قبل الماضي؛ لذلك لم يشهد الوضع الاقتصادي والإنساني؛ أي استقرار منذ أواخر العام ٢٠١٦م؛ أي منذ أن تم نقل وظائف البنك من صنعاء إلى عدن وتحويل تلك الوظائف إلى أدوات حرب اقتصادية ابتداء بطباعة العُملة بشكل مفرط وكذلك نهب الإيرادات العامة بين المليشيات ومراكز القوى ودول العدوان وُصُـولاً إلى نهب ١٩٠ مليون برميل نفط خلال سنوات العدوان ونهب إيرادات النفط تقدر بنحو ١٤ مليار دولار”.
أما عن الأبعاد السياسية للأزمة الأخيرة، يؤكّـد الحداد أنها “أزمة مفتعلة ذات طابع سياسي صرف يراد بها تحريض الرأي العام في المحافظات المحتلّة وتحريض المجتمع الدولي على قرار صنعاء في وقف نهب الثروة النفطية، ويجري بالتنسيق مع أمريكا وفرنسا وبريطانيا، ولا وجودَ لأية عوامل اقتصادية موضوعية أُخرى، لا سيَّما وأن بنك عدن نفى في بيان رسمي تراجع احتياطاته الأجنبية من العُملات الصعبة، وحصل على وحدات الدعم الخَاصَّة بقيمة ٣٥٠ مليون دولار مؤخّراً بضوء أخضر أمريكي”.
وحول تداعيات استمرار انهيار العُملة، يؤكّـد الخبير الاقتصادي الحداد أن “لها أبعاداً سياسية كثيرة تتمثل في تعطيل الأعمال الحكومية والافتقاد للكوادر الكفؤة والقادرة على الإنتاج، ارتفاع معدل البطالة وزيادة الفقر في أوساط المجتمع وانتشار المجاعة، وتوقف الاستثمار وعجلة النمو، وهذا ما تسعى له دول العدوان الأمريكي ومرتزِقتها”.
وكان السفيرُ الأمريكيُّ توعّد في وقتٍ سابقٍ بأنه سيجعلُ العُملة اليمنية لا تساوي الحبرَ التي طُبعت عليه؛ أي أنها حربٌ اقتصادية أمريكية نتج عنها نقلُ وظائف البنك المركزي إلى فرع البنك المركزي بعدن، واتخذ إجراءات لإضعاف الاقتصاد الوطني بالاتّجاه إلى المضاربة بالعُملة الوطنية وطباعة تريليونات من العُملة، ولاحظ الجميعَ أن ذلك تبعه مباشرةً تدهورُ العُملة في كُـلِّ اليمن، ولكن في المناطق المحرّرة تم كبحُ جماح التدهور بمنع التعامل بالعُملة غير القانونية التي تمت طباعتُها.