كربلاءُ الحسين.. تاريخٌ يتجدَّدُ وظلمٌ يتبدَّد.. بقلم/ إكرام المحاقري
لم تكن حادثة كربلاء لحظة عابرة مثّلت اختلافاً بين توجّـهين، بقدر ما كانت نتيجة حتمية للتخلف عن توجيهات الله تعالى ووصية رسوله الكريم صلوات الله عليه وآله، وهذا ما بينه الشهيد القائد السيد حسين بدرالدين الحوثي، في دروسه التي تناولت شرح أبعاد هذه الواقعة الخطيرة، والفاجعة الأليمة، والتي طالت آل بيت النبي وعلى رأسهم الإمام الحسين عليه السلام.
كان خروج الإمام الحسين وما يزال محطة تعبوية لاستلهام الدروس والعبر، ونموذجاً ثورياً إسلامياً هاماً في مواجهة الطغاة المارقين، وحتى اللحظة ما تزال هذه الثورة حية تستنهض الأُمَّــة المحمدية التي ربطت وجدانها بمحمد وآل محمد، وما حفيد النبي الحسين -عليه السلام- ومواقفه التي واجهت طغيان يزيد وقزمت من مشروعه الاستبدادي الجائر في الوقت الذي كان الكثير من الناس أسارى خوفهم مما يمتلكه من أموال وسلطة وزبانية ومظاهر فرعونية، إلا أن توجّـه الإمام الحسين -عليه السلام- الذي قد اختار لنفسه سبيل النجاة الحقيقي، وأمم وجهته نحو قبلة التضحية والشهادة في سبيل الله، أَدَّى لحفظ مسيرة الإسلام من الاندثار، وإن كان الثمن باهظًا جِـدًّا.
لم يكن يزيد ومن على شاكلته في نظر الإمام الحسين سوى أدعياء لا يمكن بأي حال أن يكونوا جزءاً من أُمَّـة جده، ناهيك عن أن يحكموها! وهذا الأمر الذي أَدَّى إلى صحوة المسلمين والتنبه لخطورة هذا الأمر، وأسّس لصحوة حفظت للدين كرامته وعزته، بل وحافظت على استمرارية الدعوة الإسلامية بعيدًا عن خط الطغيان الأموي، وهذه الثورة العارمة التي أحيت ما أماته الظالمون، وخطت طريق الخلاص بدماء الأتقياء والأولياء.
هذه الحادثة لم تقف عند حدود معينة، فقد كان الانحراف الثقافي قد خدر الأُمَّــة باتّجاه الضلال والظلمات الحالكات التي أخرجها الله منها على يد محمد، وقد قام الأمويون بمحاولة إعادتها إلى جاهليتها الأولى، وتوارثوا الحكم وتعاقبوا على رقاب المسلمين لولا الثورة الحسينية التي منعت الطغاة أن يكونوا أئمة تقتدي بهم الأُمَّــة في شؤونها الدينية، فأي دين كان يمكن أن يقدمه مثل هؤلاء؟!
ثورة الحسين -عليه السلام- جددت العهد والولاء لله ورسوله والذين آمنوا، والدماء الزكية التي أريقت على تلك الأرض أنبتت وعياً بأرض الكرب والبلاء، وبين فترة وأُخرى تتجدد على مر التاريخ وفي كُـلّ زمان، كلما ظهر يزيد آخر نجد أن الحسين في مواجهته في الصراع الدائم بين الحق والباطل حتى يرث الله الأرض ومن عليها، ليهلك من هلك عن بينة.
اليوم، نشاهد بعض الأنظمة العربية التي مثلت اليزيد أيما تمثيل، بل تخطت طغيان يزيد وجرأته في انتهاك الحرمات واستعباد المستضعفين ونهب أموالهم والتلاعب بتشريعات الله تعالى، واليوم أَيْـضاً ها نحن نشهد ثورة حسينية في بلدان عربية وإسلامية أُخرى تأبى الضيم والخنوع والخضوع لأعداء الله وترفع شعار “هيهات منا الذلة” بكل عزة وإباء، فالثورة اليوم هي ثورة الحسين بالأمس ومن يقودها هو الإمام الحسين نفسه بمبادئه وقيمه، ولسان حالها يقول ما قاله الحسين يوم ثار على الطغاة الأمويين، حين قال: “والله ما خرجت أَشِرًا ولا بَطِرًا، ولكن للإصلاح في شأن أُمَّـة محمد”.
كان لا بُـدَّ أن يمتزج هذا الموقف بدماء الحسين وآل بيته حتى تصحو الأُمَّــة من غفلتها وسباتها، وهي حقيقة انتصار الدم على السيف، وهذا ما حدث في اليمن حين قدم حسين مران نفسه وماله وولده قرباناً يتقرب به إلى الله؛ مِن أجل هداية الأُمَّــة التي انحرفت عن دين الله، وكانت نتيجتها أن استطاعت أن تقتلع عروش الطغاة، فدماء الشهداء تخلدت دستور حق للشعب اليمني، والظالمون إلى هلاك وزوال وخزي، وهي ذات النتيجة في لبنان وإيران وسوريا والعراق في مناهضة المشروع “الصهيو أمريكي” المتدثر بغطاء الدين، كما هو حال بني أمية وغيرهم ممن حاربوا الرسول (صلوات الله عليه وآله) منذ لحظة وفاته، وهي سنة قائمة مُستمرّة إلى قيام الساعة، طريقين ومنهجين لا ثالث لهما، فالسلام على الحسين، وعلى أبناء الحسين، وعلى أصحاب الحسين، وعلى الصادقين المجاهدين في سبيل الله على خطى الحسين، والعاقبة للمتقين.