التعليمُ بين الطموح وَالواقع الأليم.. بقلم/ بلقيس علي السلطان
العلم وسيلة إنسانية عظيمة يرتقي بها البشر إلى مراتب الوعي والبصيرة؛ إذَا ما أخذوه ونهلوا من منابعه الصافية الأصيلة التي وجهنا الله سبحانه وتعالى إليها وهي الكتب الإلهية والأنبياء ومن بعدهم القرآن الكريم والعترة الطاهرة، فالإنسان بدون علم واعٍ يصبح مُجَـرّد وعاء يتلقف جميع أنواع المعارف والأقاويل، فينغمس في الضلال والتيه بدون أن يشعر.
لقد كانت مهمة الأنبياء ورسالاتهم تدعو إلى الوعي بتوحيد الله وتزكية النفوس من الضلال الذي علق بها نتيجة التلقي الخاطئ للمعرفة؛ حَيثُ تاهت البشرية في عبادة الأوثان والكواكب والملوك، وصدقوا الأكاذيب والأساطير وصدقوا السحرة والمشعوذين والكهنة؛ بسَببِ بعدهم عن العلم الخالص الذي جاءهم عن طريق الأنبياء، ولمعرفة المضلين والجبابرة بأهميّة العلم الإلهي الذي ينقي النفوس من شوائب الضلال.
لقد كان العلم وما زال الوسيلة النافعة لرقي البشرية وتقدمها وازدهارها، كما أنه الوسيلة الأرقى والأنقى في معرفة الله والثقة به ليحظى الإنسان بالرعاية والتأييد الإلهي الذي يمكنه من الارتقاء في سلم التقدم السياسي والثقافي والاقتصادي… إلخ، ولما كان القرآن الكريم هو الوسيلة العظيمة التي يستقي منها المسلمون معارفهم وعلومهم؛ ما كان من الأعداء إلا أن أبعدوا المسلمين عنه ودعموا الحركات المضلة التي جعلت منه وسيلة عبادية ودينية فقط -كالحركة الوهَّـابية الضالة- فنتج عن ذلك أن ساد في أوساط الناس معارف هزيلة وعلوم جوفاء تستقي من الغرب مناهجها وسياساتها التعليمية.
ومع عصر العولمة والتكنولوجيا الحديثة والإنترنت بدأت تتلاشى العلوم الدينية والمعارف العربية الأصيلة في بعض الدول العربية التي جعلت من بعض اللغات كلغة أَسَاسية للتعليم عوضاً عن اللغة العربية!
وفي بلدنا الحبيب اليمن الذي يعاني من عدوانٍ كوني وحصارٍ ظالم واستهدافٍ أَسَاسي للتعليم وللمؤسّسات التعليمية، يقف التعليم بخطى مترهلة محاولًا الوقوف بكل شموخ على أنقاض مناهج سابقة أشرفت عليها أمريكا وسفيرها السابق برعايةٍ من النظام السابق وما أن يتم تعديل الثقافات المغلوطة التي في بطون الكتب، حتى يشعل العدوان أبواقه في الداخل وماكينته الإعلامية في الخارج؛ خوفًا منهم أن يصحو جيلٌ متسلحٌ بالعلم والمعرفة الناصعة، جيلٌ يعرف من عدوه الحقيقي ومن هم قادته الذين يضحون؛ مِن أجل إعلاء كلمة الله، ولكي لا يعرف قضيته الأولى وما هي مقدساته التي تدنس.
لقد كان استهداف التعليم من الأهداف البارزة للعدوان، فعملوا على استهدافه من عدة اتّجاهات، فاتّجاه يستهدف المعلمين والرواتب، واتّجاه يستهدف المؤسّسات التعليمية من مدارس ومعاهد وجامعات، واتّجاه آخر يستهدف المناهج فيعمل على إيقاف استيراد الأوراق ومستلزمات الطباعة لكي تتعرقل عملية طباعة المناهج ولكي لا تستطيع وزارة التربية والتعليم تغطية المدارس بالمناهج التعليمية، وكذلك الاتّجاه الأخبث وهو الحالة الاقتصادية التي وصلت إليها معظم الأسر؛ بسَببِ قطع الرواتب مما اضطر البعض إلى عدم تعليم أبناءه والبعض أخذ أولاده للعمل ليساعدوهم في توفير لقمة العيش، وأما من تبقى منهم فتثقل كاهلهم متطلبات التعليم من مستلزمات مدرسية ونفقات يومية ومشاركات مجتمعية يعجز عن دفعها البعض.
أما من أحواله ميسورة فالمدارس الخَاصَّة هي وجهته الأَسَاسية، فما أن يمضي شهر على بدء الدراسة في المدارس الخَاصَّة؛ حتى تبدأ الإنذارات والسندات بالتدافع عليهم، ما لم فَـإنَّ الحرمان من الاختبارات ومن الدروس هو النتاج المحتم الذي سيواجهه أبناؤهم إن لم يقوموا بدفع الأقساط للمدرسة!
أصبح التعليم يشكل رعبًا للأهالي والطلاب؛ بسَببِ انطفاء شعلته الحقيقية التي تنير الدرب للأجيال، فأفرغ من غايته الأَسَاسية التي هي نيل رضا الله تعالى وتأييده والفوز بجنته، فأصبح التعليم غايته نيل الشهادات والحصول على الدرجات والمعدلات التي تمكّنهم من الوصول إلى طموحاتهم التي يقف العامل المادي حاجزًا دون تحقيقيها، متناسين الطموح الأكبر والغاية العظمى التي تتمثل برضا الله وتأييده فيرفعون راية العزة والتقدم لأمتهم وينهضون بها إلى الرقي والاستقلال والتصنيع والاكتفاء الذاتي على جميع الأصعدة، وهذا لن يأتي حتى تتظافر الجهود في تنمية التعليم بمؤسّساته ومعلميه وطلابه، ومعالجة الأخطاء السابقة ودعم المدارس الحكومية والالتفاف حول منهج يبني جيلاً قويًا متماسكًا لا تؤثر فيه القوى الظلامية فيكون جداراً صلبًا لا يستطيع الأعداء أن يظهروه ولا يستطيعون له نقبًا، والعاقبة للمتقين.