خفايا الصراع في الحجرية ينتقل من الوكلاء إلى أصحاب القرار.. بقلم/ جميل المقرمي
اتخذ الصراعُ في مناطق الحجرية جنوبي محافظة تعز منحنى جديدًا، حَيثُ دشّـنت مرحلة جديدة من الصراع بمقتل مدير برنامج الغذاء العالمي مؤيد حميدي -أردني الجنسية- في مدينة التربة، وما صاحبه من اتّهامات متبادلة بين الإخوان من جهة وطارق عفاش من جهة، وهنا سَنتناول بعض من الحيثيات والكيفية التي بنى عليها الأدوات استراتيجياتٍ مختلفةً أيديولوجياً وقَبَلياً وجهوياً.
الصراع في مديريات الحجرية لم يعد مُجَـرَّدَ صراعٍ بين الأدوات، التي أصبحت تمتلك العديد من المعسكرات سواء تحت ما تسمى وزارة الدفاع التابعة لمرتزِقة العدوان أَو غيرها، فعلى سبيل المثال: عباءة طارق عفاش والتي تحتوي على عدد من الألوية العسكرية، التي يطلق عليها معسكرات حرس الجمهورية، وما تسمى قوات “العمالقة” والتي تحتوي على مجموعة من المتناقضات والأيديولوجيات المختلفة، وَأَيْـضاً المطبوعة بطابعها الجِهوي.. فالمحسوبون على العمالقة يعتبرون أن أبناء الشمال هم من يحتلون أرضَهم وهم من نهبوا الجنوبَ في حرب صيف ٩٤م.
تشهد هذه الأيّامُ تحَرّكاتٍ واعتصاماتٍ وصراعاتِ نفوذ على باب المندب والتي يرى فيها أبناءُ الجنوب الأحقية على السيطرة على المضيق الهام الذي هو محور الصراع الدولي والإقليمي.
في الوقت ذاته يعتبر المحسوبون على مناطق الشمال أن ما تسمى معسكرات العمالقة هي معسكرات تتبع القاعدة وداعش، وهذه القاعدة تجعل من هذه القوى تقف على قاعدة هشة لا تقوى على مواجهة الجيش واللجان الشعبيّة المنظمة والمدربة وتحت قيادة واحدة وإن حصلت مناوشات أَو زحوفات في بعض الأماكن سرعان ما تتحول إلى معركة اتّهامات متبادلة بين هذه الأدوات وكل واحد منها يرمي بالفشل والخيانة على الآخر.
أيضاً في الجانب الآخر يجمع تحت عباءة “الإصلاح” معسكرات ما تسمى قوات اللواء الرابع جبلي ومعسكر النقل، وما تسمى قوات الأمن المركزي ومعسكرات واللواء ١١٧ و٢٢ حرس، والنجدة والشرطة العسكرية وما يسمى اللواء ٣٥، بالإضافة معسكرات حمود المخلافي التي أنشاءها في منطقة يفرس والحجرية، وهَلُمَّ جَرَّا من هذه الجماعات وشذاذ الآفاق، والتي تتلقى الدعم من تركيا وقطر.
كلّ هذه المجاميع من النطيحة والمتردية وما أكل السبع، تشهد صراعات محمومة وعلى صفيح ساخن يجسده الصراع الدائر بين هذه الأدوات.
في الآونة الأخيرة حدثت أحداث أُخرى مثل اغتيال عدنان الحمادي وغيرها.
وبالعودة إلى عملية اغتيال مؤيد حميدي، يستطيع الإنسان البسيط قراءة هذه الحدث بكل سهولة.
فمن المؤكّـد أنه ليس بالحدَث العرضي، فعادة لا تتحَرّك مثل هذه الشخصيات إلَّا بتنسيق أمني واستخباراتي وحماية أمنية مشدّدة.
فما حصل في مدينة التربة وعلى غير العادة في يوم الجمعة، والذي يعتبر إجازة الأسبوع يؤكّـد بما لا يدع مجالاً للشك أن الحادثَ دُبِّر بليل، وأن هناك أدوات دولية مشاركة في هذه التصفية، وأن هذه العملية سوف يتبعها أعمال أُخرى.. منها على سبيل المثال إرسال قوات يطلق عليها مكافحة الإرهاب، التي تعمل بالظاهر تحت أوامر طارق عفاش وفي الحقيقة هي قوة تتبع الإدارة الأمريكية وسيكون الهدف الأول لها هي تصفية القيادات التابعة لحزب “الإصلاح” والتي أصبحت غير مرغوب بها، ولا تحظى بأي غطاء أَو دعم دولي، وقيادة حزب “الإصلاح” تعلم علم اليقين وخُصُوصاً بعد تهديد أحد السفراء لأحد القيادات السياسية في مدينة تعز بقوله: “إن ما حدث في التربة يؤكّـد أن “الإصلاح” أصبح غيرَ مؤهل للسيطرة على هذه الأماكن وإنه مخترق وإن هناك الكثير من أعضائه ومعسكراته تحتضن الإرهابيين من مختلف المدن والقرى، وإنه بات من الضروري أن تتحَرّك قوات مكافحة الإرهاب من الساحل وقد وصلت طلائع هذه القوة إلى أطراف مديرية الشمايتين وتحديداً في منطقة الوازعية”.
هذا التهديد أغضب القيادات “الإصلاحِية” وأخذته على محمل الجد وهي تشاهد ما يحصلُ من استهدافٍ وشيطنة ليس ابتداء بما حصل في ميدان الشهداء وليس انتهاءً بمقتل الموظف الأممي والتي أعقبها بأيام انفجار عبوة ناسفة راح ضحيتها أكثر من سبعة أشخاص ما بين قتيل وجريح كلهم من أبناء الصبيحة، حَيثُ بادرت قيادات “الإخوان” إلى عقد اجتماع مشترك عبر الهاتف ناقشوا خلاله هذه التهديدات وكيف تجب مواجهتها.
ومثلما يعرف “الإصلاحِيون” أن هذه الاغتيالات هي من تنفيذ عمار عفاش، لكنهم لا يستطيعون الإفصاح عن ذَلك؛ نظراً للوضعية التي يمرون بها والحالة التي وصلوا إليها سواء عبر الخذلان الشعبي أَو التأييد الدولي الذي بات واضحًا للعيان أنهم كبش الفداء القادم.
ويتوقع أن تكون الدول الإقليمية قد توافقت فيما بينها على تقاسُمِ مصالحها، خُصُوصاً بعد التقارب السعوديّ التركي الأخير، وأصبحت بعض الأدوات غير مرغوب بها ويجب التخلص منها، وهكذا تكون نهايةُ كُـلِّ خائن وعميل.