دروس من كربلاء.. “2” الصبرُ والتسليمُ لأمر الله.. بقلم/ لؤي زيد الموشكي
يقول عز وجل في سورة آل عمران: ﴿وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ومَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ﴾ (146).
من الأمور المهمة التي يجب أخذ العبر منها والاستفادة منها هو صبر الإمام الحسين “عليه الصلاة والسلام” في يوم عاشوراء عندما وقف بثبات كالجبل الشامخ لا تزحزحه الرياح والعواصف، رغم أن ما حل به من المصائب العظام التي لو وضعت على الجبال لذابت وتفجرت براكين.
فمن منظوري باختصار للذين يبحثون عن تعريف معنى الصبر الحقيقي وتحديد مفهومه فعليهم بقراءة ومراجعة أحداث كربلاء والنظر بما جرى على الحسين “عليه السلام” وأهل بيته الطاهرين حتى يعرفوا ويدركوا معنى الصبر الحقيقي على المصيبة، فالمصائب على الحسين -عليه السلام- كانت متنوعة بكل شكل من أشكال الجرائم من قتل وسحل وحرق وذبح وتقطيع وسبي، فبعد خروجه “سلام الله عليه” من المدينة المنورة، والتي يعد هذا بحد ذاته مصيبة كبيرة للإمام الحسين “سلام الله عليه” فقد فارق قبر جده رسول الله الذي كان يزوره باستمرار ويتحادث معه وكذلك قبر أمه البتول الزهراء وأخيه الحسن “أزكى الصلوات والتسليم عليهم جميعاً”.
ومن المصائب العظام التي تعرض لهن الإمام الحسين -عليه السلام- وقابلهن بصبر وتسليم لله:
– العطش وقتل الطفل الرضيع عبد الله، عندما لم يتأثر القتلة الطغاة بعطش الطفل الرضيع وقاموا برميه بالسهام وهو في يد أبيه -سلام الله عليه- حتى اخترق أحد السهام رقبة الطفل الرضيع واستشهد وهو في يد أبيه..
– استشهاد ولده الأكبر علي -عليه السلام- والقاسم -عليه السلام- فولده علي الذي كان الإمام الحسين “عليه السلام” يحبه -إضافة؛ لأَنَّه ولده- كونه شبيه رسول الله صلى الله عليه وآله” في الخلقة والأخلاق والمنطق، استشهد القاسم وكان صغيراً وقاتل قتال الأبطال.
– استشهاد أخيه العباس -سلام الله عليه-، كانت مصيبة العباس “عليه السلام” من أشد المصائب على الحسين “عليه السلام”؛ لأَنَّه كان أخاه ونائبه ووزيره وحامل لوائه وكبش الفداء لكتيبته وظهره وظهيره وذخره وذخيرته وكافل أخته زينب (عليها السلام) أي يمكننا القول إنه كان هو المعيل للعيال والأطفال من بعده.
– حرق الخيام وسبي النساء، الإمام الحسين -عليه السلام- طلب من الطغاة بعد أن هجموا على مخيماتهم أن يقاتلوه ويتركوا العيال والنساء لكنهم قتلة مجرمين لم يستمعوا إليه وحدث الذي حدث، وبالأخير الإمام الحسين -عليه السلام- جمع عياله ونساءه وأخبرهم بما سيحدث لهم وأمرهم باتباع وإطاعة ولده زين العابدين “عليه السلام”.
لذلك لم يعرف التاريخ شخصًا تحمل المصائب والرزايا مثل الإمام الحسين “عليه السلام”، فالذي جرى في كربلاء من مصائب وما حصل في العاشر من محرم، من ظلم وويلات لا يستطيع أن يتحمله إنسان أَو يصبر عليه مؤمن في مشارق الأرض أَو مغاربها إلا الإمام الحسين “عليه السلام”، (فقد تعجبت من صبره ملائكةُ السماء).
فمثلما أسلفنا أننا سنربط هذه الواقعة بواقعة في عصرنا، سنذكر هنا صبر حسين العصر “عليه السلام”، ففي الأيّام الأخيرة من الحرب الأولى عام 2004 قام يزيد العصر ممثل بأمريكا وإسرائيل وعبيدهم بحصار الشهيد القائد “سلام الله عليه” ومعه أطفاله ونسائه داخل (جرف سلمان) في منطقة مران بمحافظة صعدة، وبقوا فيه أيامًا جياعاً وعِطاشًا يضمدون جراحهم، يأكلون من أوراق الشجر..
لم يكف يزيد العصر بقتل أهل وأصحاب الحسين، بل قاموا بضخ البنزين إلى داخل الجرف الذي يوجد فِيه نساء وأطفال وإشعال النيران فيه، وعند خروج الحسين “عليه السلام” من (جرف سلمان) وهو مثخن بالجراح، ومعه أطفاله ونساؤه، ثم قاموا بإطلاق الرصاص عليه من كُـلّ جهة..
استشهد الإمام الحسين “صلوات الله عليه”، صحيح أن حكم بني أمية استمر بعد استشهاد الإمام الحسين، وقد حاولوا أن يخفوا ذكر الحسين “عليه السلام” ويمنعوا أخباره، ولكن شاء الله سبحانه وتعالى أن يبقى ذكر الحسين “عليه السلام” وأن يستمر إلى يوم القيامة، فأين اليوم الحسين السبط وأين اليوم يزيد اللعين..
كذلك استشهد حسين العصر “صلوات الله عليه”، صحيح أن حكم يزيد العصر استمر بعد استشهاد الحسين “صلوات الله عليه” وقد حاولوا أن يخفوا ذكر الحسين “عليه السلام” ويمنعوا أخباره، ولكن شاء الله سبحانه وتعالى أن يبقى ذكر الحسين “عليه السلام” وأن يستمر إلى يوم القيامة، فأين حسين العصر “صلوات الله عليه” اليوم وأين يزيد العصر..!
فالحمد لله الذي جعل لنا الحسينين (عليهما أزكى الصلوات والسلام) من الأئمة الذين نهتدي بهم، قال تعالى في سورة السجدة: (وَجَعلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتنَا يوقنون) (24).