التفريطُ وصمةُ عار ومِعوَلُ هدمٍ تقدِّمهُ الأُمَّــة ليضربَها عدوها.. بقلم/ أحمد عبدالله الرازحي
عندما نأتي لتعريفِ التفريط في اللغة فَــإنَّه لا شك يكون: الإهمال الذي يتسبب في فقدِ أَو فواتِ الشيء أَو بعضه.
ولنُقدِّمَ الموضوع بمفهوم عام ومُتاح للفهم نستدِلُّ بحَدَثٍ مُعاصِر على “التفريط”.
بعد حروبٍ دامية وعداء طويل، وقّع هتلر ألمانيا، في عام 1939م، اتفاقًا مع ستالين روسيا بعدم الاعتداء على بعضهم البعض، وبعد أسبوعَين فقط غزا هتلر النصفَ الغربي لبولندا، وغزا ستالين النصف الشرقي لبولندا؛ بحكم الجغرافيا، ثم ما لبث هتلر للحظة وهو يُجهِّز لغزو روسيا، وكانت أخبار الغزو لروسيا تصل للرئيس ستالين، ولكن ستالين كان واثقاً بالاتّفاقية مع هتلر ولم يُعر الأخبار أيَّ اهتمام، ففاجأ هتلر ستالين باجتياح واسع لروسيا بعملية بربروسا الشهيرة 1941م، وتوغل في الأراضي الروسية، إلى أن وصل حدود موسكو، وكانت النتيجة أكثرَ من مليون روسي فُقدوا وماتوا خلال هذه الفترة؛ حتى استفاق ستالين والاتّحادُ السوفيتي، فالعبرة أن للتفريط تبعاتٍ ونتائجَ وخيمةً في كُـلّ زمان حتى وإن اختلف المكان؛ فالتفريط لهُ الجزء الأكبر في إعانة العدوّ على نفسك.
وبالتالي تجدر بنا الإشارة هنا إلى أن للتفريط في الواقع عواقب ونتائج أسوأ مما فهمه الكثير من خلال التعريف السابق؛ أي أن التفريط عاملٌ مُشارِكٌ لأية هزيمة في أية المعركة، وأن للتفريط يداً في كُـلّ ضعف وهوان وصلت إليه أمتنا العربية والإسلامية على جميع الأصعدة وفي كُـلّ المجالات، فالتفريط من جانبنا هو بمثابة إعانةِ أعداء أمتنا للقضاء على مقدساتنا وهُــوِيَّتنا، وبالتالي علينا كأبناء لهذه الأُمَّــة الإسلامية التي أنهكها التفريطُ الرسمي كحكومات ودول، والفردي كشعوب ثم على مستوى الفرد؛ ولهذا نحنُ أمام مُشكلة كبرى تُحدِثُ الفارقَ الكبيرَ على مستقبل الأمم.
ولهذا عندما قدمت الأُمَّــةُ التنازُلَ عن الأرضِ الفلسطينية في عام 1948م، نظر لها أعداؤها كَلقمة سائغة يُمكن أن تُستساغ بسياسة “فرّق تسُدْ”، ومن خلال وضع حكام ورؤساء تجرعوا الهزيمة وقدّمهم الغرب للدول الإسلامية والعربية على أنهم حُكَّامٌ لها، ومن خلال إضفاء طابعٍ ديني عبر العلماء يحرِّمُ الخروجَ على هؤلاء الحكام المستبدين بالشعوب، وساعد أَيْـضاً الوضعُ المعيشي الصعب لمعظم الدول العربية في ديمومة هذا الوضع المأساوي الكارثي الذي مرت به الأُمَّــةُ، وهو إعانة أعدائها عليها، من خلال التفريط وتقبل الواقع الذي وجدت فيه، وقُدِّمَ وكأنهُ قَدَرٌ محتومٌ لا يجب أن تتحَرّك الشعوب لتغييره وبناء أُمَّـة إسلامية قوية لا تقبل الهوان والذل وتدنيس مُقدساتها ورموزها كالقرآن والرسول صلى الله عليه وآله.
وهنا لاحظنا أن للتفريط أسوأَ عواقب، سواء في حصد الأرواح أَو في دمار الأُمَّــة وإذلالها والتعدي على مقدساتها ورموزها الدينية؛ ولهذا فَــإنَّ التفريط وصمة عار في جبين كُـلّ من يفرّط ويُعينُ عدوَّه على نفسِهِ، ولن يغفرها التاريخ، ولن تُستعاد أمجادُ الأمم التي تفرِّط في كُـلّ مجالات الحياة.