الحسين.. أيقونةُ الفداء وَالحرية.. بقلم/ جبران سهيل
لو شاءت الأقدار أن يختار الحسين بن علي -عليهما السلام- أي أرض أُخرى غير كربلاء المقدسة لتكون معراج شهادته مع تلك الأرواح التي حلت بفنائه، وصدقت ما عاهدت الله عليه، وخطت بدمائها أروع وأصدق معاني الوفاء، لحملت تلك الأرض تلك القدسية والمبادئ السامية، وَبقيت كربلاء على حالها أرضًا قاحلة تخلو من تلك القيم السامية وَالقدسية، التي تفتخر بها كربلاء على كُـلّ بقاع الكون، رغم حجم خسارة رجل كالإمام الحسين وأهل بيته على أرضها.
من هنا يمكننا القول بأن كربلاء تعني الحسين ولا شيء سواه، لذلك نجد أنفسنا نستحضر الحسين في أذهاننا مع كُـلّ فاجعة تحل بالمؤمنين الثابتين.
كربلاء هي البقعة التي يقصدها الملايين من الأوفياء على مر العصور ليستلهموا منها الدرس الذي قدمه سبط النبي محمد -صلاة الله عليه وعلى آله- وسيد شباب أهل الجنة حين وجه كلماته لجيش الغدر والنفاق {ويلكم إن لم يكن لكم دين ولا تخافون يوم المعاد فكونوا أحرارًا في دنياكم}، كربلاء هي التي استسقى منها كثير من الأدباء وَالشعراء في قصائدهم المبادئ والقيم التي نثرها الحسين على تلك الأرض لتورق في ساعتها أشجاراً عظيمة من القيم النبيلة والمبادئ الراقية.
لا يوجد في التاريخ معركة عكست طبيعتها حين بقيت أحداثها لأكثر من ألف وأربع مِئة عام، بقي الخاسر فيها منتصراً بعيدًا عن النتيجة التي حدثت هناك ومدى التضحية التي قدمت، لقد كانت بحق إعلان عالمي أول في الحقوق والحريات، حقيقة لا مُجَـرّد كلام وَأكاذيب، قبل أن نعرف المنظمات والهيئات الدولية.
هي حاضرة بمدلولاتها في أي مكان وزمان تُستنبَط منها رموز الفضيلة والشموخ والإباء والتضحية والعطاء، وهي في نفس الوقت رمز للحزن والمأساة والغدر والحقد المتأصل في النفوس اللئيمة، وباختصار شديد فَــإنَّ كربلاء مادة غنية بمدلولاتها الموجعة حين حدثت في عهد الإسلام وفي فترة ليست بالبعيدة من فترة الرسول الأعظم، وفي السنوات الأولى لفجر النبوة، إن دل هذا على شيء فهو يدل على حجم الانحراف والتشويه الذي تعرضت له الرسالة المحمدية بعد وفاة صاحبها وخليفته وباب مدينة علمه الإمام علي عليه السلام.
فالأسى والحزن الذي يجتاحنا واجتاح الأمم الماضية وسيجتاح اللاحقة في العاشر من محرم في كُـلّ عام تعود جذوره إلى ذلك الدم الذي تدفق على أرض كربلاء سنة 61 هجرية، وَترك شرخاً في قلوب الأحرار يأبى أن يندمل حتى قيام الساعة؛ نظراً لهول الجريمة ومن الذي ارتكبها؟ وضد من؟
مأساة كربلاء تتجدد مع كُـلّ صورة من صور الغدر المشين في كُـلّ زمن، ومهما اختلفت المسميات حَـاليًّا تتجلى صور الغدر والنفاق والخيانة في أرض فلسطين، التي طعنت في الظهر من قبل من يحملون اسم الإسلام، كذلك في اليمن وفي كُـلّ بلد يناهض الطغاة وينشد الحرية والعدالة والكرامة والاستقلال ويجابه الأعداء دون خوف أَو وجل، لا بد أن يتعرض لما تعرض له الحسين وأهل بيته في كربلاء.
فتاريخ كربلاء يعيد نفسه مع كُـلّ سقوط وَاغتيال لآمال الأُمَّــة وطموحها المشروع في العودة لمكانها الطبيعي بين الأمم.
إن وجع الحسين وأهل بيته على الطفل الرضيع الذي ذبح عطشاناً على يد من حملوا اسم الإسلام وراية المسلمين، ذاق هذا الوجع والقهر والألم آلاف اليمنيين حين نالت من أطفالهم طائرات الخزي والعدوان في مساء ليلة 26 مارس 2015م ولمدة ثمانية أعوام من الإجرام والحصار المُستمرّ على اليمن وشعبها المظلوم.
وجع كربلاء لا يتجدد مع مراثي الموتى فحسب بل هو فاجعة تاريخية شاملة تحز بالنفوس كلما مررنا على تاريخنا المظلم وفكرنا المهترئ وليت آثارَه تنتهي بإسدالنا الستار عن تلك الفصول السوداء وما أكثرها في تاريخنا المظلم.
السلام على سيد المجد والعنفوان، السلام على شمس الحرية والإباء، السلام على سراج الثوار في كُـلّ زمانٍ وَمكان، السلام على جبل البطولة والإرادَة الأشم، السلام على أبي الأحرار، السلام على معلم الأجيال، السلام على سيد الشهداء الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب وعلى أولاده وإخوته وأنصاره وعلى الأرواح التي حلت بفنائه في تلك الصحراء الموحشة، وهو واقف بشموخ أمام كتائب جيوش بني أمية وَضباعهم القذرة.