الحربُ أولُها كلام.. ولكن؟! بقلم/ علي الشرفي
ما بين ظاهرة ضرب الدفوف في الأسواق والتجمُّعات العامة والتناقُل الشفهي؛ للإبلاغ عن قانون جديد أَو حدث مهم أَو حالة طارئة تستدعي إشعار المجتمع بها في الأمس البعيد، إلى كبسة زر واحدة ثَمَّةَ بُعْدٌ زمني اختصرته التكنولوجيا الحديثة عبر موجات الثورة التكنولوجية التي قزَّمت كُـلّ سابقاتها في هذا المضمار الذي يزدادُ اتساعاً كُـلَّ يوم باتساع مستخدميه ورواده.
نحن متفقون جميعاً أن الحرب أولها كلام، وقد يبدأ هذا في إطار البيت الواحد، ثم ما يلبث أن ينسحِبَ إلى مقاماتٍ أكبرَ؛ فيصل مدياتٍ بعيدةً تصعُبُ السيطرة عليها أَو التحكم بها؛ فتخرج أحياناً عن إطار الدولة الواحدة وحتى الإقليم إلى ما هو أبعد، وأي كلام هو ذلك الذي يُشعِلُ حرباً؟! إذ ليس كُـلُّ كلام يولّد ردَّ فعل سلبيًّا! وليس كُـلُّ ما يقال يستحقُّ رداً. ولكن..
يقولون: إن الصحافة والإعلام هي السلطة الرابعة. أوافق هذه المقولة في مسألة أنها سلطة ولكنها اليوم أخذت مركَزاً متقدماً، وباتت المرتبة الثالثة والرابعة خلفها؛ فتأثيرُها اليوم أصبح واقعاً على الدولة والمجتمع، وما باتت خارجَ الباب تنتظر أُكُلَها كما كانت في عقود سالفة، بل أصبحت اليوم تتربَّعُ المقاعدَ الرئيسيةَ في المحافل المهمة، وما يَحُزُّ في النفوس هو حالةُ الجهلِ الكبيرِ في أوساط الأُمَّــة في كيفية التعامُل السليم معها وتطويعِها.
عالمُ اليوم لم يعد عالَمَ الطبل والظاهرة ولا الحَمَام الزاجل والتلغراف، فقد أخذ مكان كُـلّ تلك وبجدارة ما يُطلَقُ عليه اليوم “مواقع التواصل الاجتماعي”، وبهذه الوسائل الحديثة ذات السرعة والدقة تستطيع أن تُصلِحَ أَو تُفسِدَ في أي مكان وقبل أن يرتد إليك طرفُك أَو تقوم من مقامك، وهذا ما يجعلُ من هذه الوسائل أسلحةً ماضيةً (حادَّةً ومؤثرةً) قَلَّ في مستخدمها الحكمةُ والتأني ودراسةُ الأبعاد والنوايا، وكَثُرَ فيهم الارتجال، رغم أن كَثيراً من المواضيع المثارة لا تحتملُ قولاً على البداهة، بل يستلزمُ التعامُلُ معها التأنيَ والرَّوَيَّةَ والرؤية ببصيرة وحكمة لمعرفة الأهداف والعواقب.
في هذه الحربِ الإعلاميةِ الشرسةِ إننا نمسِكُ دائماً السيفَ من رأسه؛ ولذا ترى أيديَنا كُلَّها مليئةً بالجراح، بينما أيدي أعدائنا سليمة، اللهم من بعضِ قطرات دمائنا التي نزفت على أيديهم؛ فلماذا لا نجرِّبُ هذه المرةَ ونمتشقَ السيفَ من مقبضه الصحيحِ، ونهوي به صَوْبَ بَدَنِ أعدائنا الهَشِّ؛ لنملأَه بالجراح؛ فهم واللهِ أوهنُ من بيت العنكبوت.