الذكرى السنويةُ للمأساة الكبرى.. بقلم/ أنس عبد الرزاق
أثارت انتباهي لافتة تكرّرت في أكثر من مكان تقول كلماتها كُـلّ يوم عاشوراء وكلّ أرض كربلاء، فلم أستطع أن أخفي دهشتي من أُولئك الذين يحملون التاريخ على أكتافهم ويستحضرون المأساة بينما هم في ذروة الفرح ولا نبالغ إذَا قلنا: “إن هؤلاء اليمنيين جميعاً كربلائيون”.
لم يعرف التاريخ مأساة شغلت الإنسانية كمأساة الحسين، وعهد الإنسانية بالمآسي أنها نوع من المصائب التي تظهر فجأة عظيمه فادحة ثم تتضاءل ويخف أثرها في كتب التاريخ، أما مأساة كربلاء فكانت من نوعٍ آخر، الاستشهاد في سبيل مبدأ الحق القويم، ولكن تلك المأساة لم تزل بل لقد قَوِيَ أثرُها واتسع صداها والمسلمون لن ينسوا الحسين، ذلك الشهيد الذي أصبح المَثَلَ الأعلى للاستشهاد في سبيل الدفاع عن المبدأ الحق، وكان القُدوة الصحيحة لطالبي المُثُلِ العليا.
إن شجاعةَ الإمام الحسين يجب أن تكون حيةً في قلوبنا حتى نرهب بها المعتدي ونرد بها الظالمين، إننا لم ننصف الحسين مهما عظمت ذكرياتنا ومهما تنوعت تلك الذكريات أَو تعددت إذَا كنا نحيي ذكراه في كُـلّ عام بأفواهنا وجفوننا فقط ثم لا نجعل تلك الذكرى حمية دائمه في قلوبنا وقوة مرهبة في أيدينا.
إن علينا أن نقتديَ بسيدنا الحسين ونسير على ضوء منهاجه الأحب ونهتدي بهديه والسلام عليه، ما أود ذكره أن وحدة الإسلام وحدة صحيحة جديرة بالدوام تتطلب منا إنسانية الحسين -عليه السلام- وشجاعته.
وأستطيع أن أقول في هذه الذكرى: إن هذه الوحدة للأُمَّـة الإسلامية بل للإنسانية جمعاء لن توجد إلَّا إذَا وُجد الشهداء في سبيلها، فأنعم بمقدم (أبي الشهداء) الذي خطا في سبيل اليقين والعمل الخالص لوجه الحق والكمال.
إن الأُمَّــة الإسلامية في هذه الذكرى تغتنم الفرصة بإثارة وعي جماهير الأُمَّــة بقيم ثورة الحسين -عليه السلام- التي تمس واقعهم الحياتي.
وفي هذا المقام أود أن أذكر أن ملايين الملايين من المسلمين في غابر أزمانهم، ولاحق أعمارهم وكلّ من ينطق بلا إله إلَّا الله وأن محمدًا رسولُ الله، ممتلئ قلبه حباً واعتزازاً لآل البيت النبوي الكريم، بما لهم من منزلة في القلوب، ومكانة في النفوس، هم محط الرسالة، من أفواههم تتفجر ينابيع الحكمة، ومن قلوبهم تفاض الرحمة، أن نطقوا صدقوا، هم موضع سر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وملجأ أمره؛ ولهذا فهم أَسَاسُ الدين وعماد اليقين، فقد خطب الإمام الحسن -عليه السلام- فقال: نحن أئمة المسلمين وحجج الله على العالمين، وسادة المؤمنين، وقادة الغر المحجلين، وموالي المسلمين.
وأهل البيت هم الذين يقول الحق سبحانه وتعالى في شأنهم: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)، هم الذين تشرفت بهم الدنيا واستنارت بهم القلوب فقد قال صلى الله عليه وآله وسلم: (حسين مني وأنا من حسين)؛ فالواجب على المسلم أن يمتلئ قلبه بحبهم وأن يحسن إليهم ويجعلهم في الكلام ويذكرهم بالتقدير.
هم حزب الله الغالبون وعترة رسوله الأقربون، وأهل بيته الطيبون أحد الثقلين اللذين خلّفهما رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- في أمته فقال: (إني تارك فيكم الثقلين لن تضلوا أن تتبعوهما، وهما كتاب الله وعترتي أهل بيتي فلا تتقدموهما فتهلكوا، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا، ولا تعلوهم فَــإنَّهم أعلى منكم) ويقول الإمام علي كرم الله وجهه: (انظروا أهل بيت نبيكم فالزموا سمتهم واتبعوا إثرهم، فَــإنَّهم يخرجون بكم إلى هدى ولن يعيدوكم في روى، فإن لبدوا فَلبدوا، وإن نهضوا فانهضوا، ولا تسبقوهم فتضلوا، ولا تتأخروا عنهم فتهلكوا، كان جبريل ينزل في بيتهم، ويصعد من عندهم).
ومن هنا ندرك تماماً أن فاجعة كربلاء التي جعلت العرب تستسهل لاحقاً ارتكاب أفظع البشاعات، وأكاد أجزم أن هذه الفاجعة هي التي حولت السياسة في زماننا إلى ثأر بين حزب وحزب وقومية وقومية وطائفة وطائفة.
إن الحقيقة التي يجب أن تقرّر كما تقرّر الحقائق الكونية أنه لا بقاءَ للإنسانية بغير العمل للشهادة والشهداء، ولا عمل للإنسانية إن لم ينسَ الفرد مصلحته بل حياته في سبيلها، إذَا عمل لها كُـلّ فرد من أفرادها وهانت الشهادة على خدام الأُمَّــة الإسلامية، وتقدم الصفوف من يقدم على الاستشهاد، ومن ورائه من يؤمن بالشهادة والشهداء، وهذا هو نهج آل بيت النبوة إقامة الحق للإنسانية جمعاء، والشهادة في سبيل الله.