تحذيراتُ صنعاء تضيّقُ هامشَ مراوغات العدو: الردعُ هو البديلُ الوحيدُ للسلام الفعلي
المسيرة: خاص
مع استمرارِ تعنُّتِ تحالُفِ العدوان الأمريكي السعوديّ الإماراتي وإصرارِه على رفض مطالب الشعب اليمني، يأتي تصاعُدُ التحذيرات ذات الطابع العسكري من جانب القيادة الوطنية كمقدمة لنتيجة طبيعية حتمية؛ إذ لا بديل عن التجاوب مع الاستحقاقات المشروعة للشعب اليمني سوى انتزاعها بالقوة، ولا حَـلَّ أمام الإصرار على مواصلة الحصار والاحتلال سوى المضي في مسارات الردع وحماية السيادة الوطنية؛ لأَنَّ اليمنيين ليسوا معنيين بتجنيب العدوّ عواقب لا يسعى هو لبذل أي جهد لتجنبها.
موقفٌ ثابت وحرص كبير:
في كلمته بمناسبة ذكرى استشهاد الإمام الحسين -عليه السلام-، جدّد قائد الثورةِ، السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، دعوتَه لتحالف العدوان إلى إنهاءِ حربه وحصاره واحتلاله، ووقف مؤامراته الرامية لتقسيم البلد، والمبادرة لمعالجة المِلف الإنساني وتعويض الأضرار؛ وهي دعوة تتضمن تأكيداً واضحًا على أن هذه المحدّدات غير قابلة للمساومة تحت أي ظرف.
هذه الدعوة، وما تتضمنه من تأكيد صريح، تهدفُ لإعادة وضع دول العدوان ورعاتها -مرة أُخرى- أمام الطريق الوحيد لعملية السلام التي لا ينفكون عن ترديد الدعايات حولها؛ وهو ما يعني أن كُـلّ الطرق التي تحاول دول العدوان الدفع نحوها، بدءاً من محاولة تحويل الاستحقاقات المشروعة كالمرتبات إلى أوراق مساومة، ووُصُـولاً إلى محاولة تقديم الصراع كصراع داخلي، لن يكون لها مكان ولن يتمَّ القبول بها مهما تغيرت أشكال المقترحات والمساومات التي تنطوي عليها.
نائب وزير الخارجية بحكومة الإنقاذ، حسين العزي، أكّـد على ذلك أَيْـضاً في حديثه الأخير لـ “المسيرة” والذي لفت فيه إلى أن “الخطوة الأولى للتقدم نحو السلام الفعلي المبني على المحدّدات الثابتة، تتمثل بمعالجة الملف الإنساني”.
هذا التأكيد أَيْـضاً يُعيدُ وَضْعَ دول العدوان أمام الخطوات السليمة للاقتراب من طريق السلام الفعلي؛ وهو ما يعبر عن مرونة كبيرة من جانب القيادة الوطنية، إذ تتيح للعدو فرصة للتدرج نحو الحلول الأوسع، والاستفادة من حالة التهدئة التي يعود الفضل في استمرارها فقط لحرص القيادة على “ترك خيارات الحرب إلى اللحظة الأخيرة” بحسب العزي.
المماطَلةُ رفضٌ للسلام:
أمام الوضوح الكامل في الموقف الوطني، والحرص الكبير الذي تبديه صنعاء على إنجاح عملية السلام ومقدماتها، وبرغم أن تحالف العدوان هو الأكثر حاجة إلى استمرار التهدئة وتطورها إلى حَـلٍّ شامل، فَــإنَّ الأخير لا يُبدِي أية مؤشرات على وجود نوايا لديه لإنجاح الأمر، بل إن سلوك كافة أطرافه تشير بوضوح إلى محاولات مدروسة لـ”خداع” صنعاء، وقد أوضح قائد الثورة حقيقة نوايا دول العدوان عندما أكّـد أنها تتحَرّك فقط ضمن هامش سمحت به الولايات المتحدة لكسب الوقت والتحضير لمؤامرات أُخرى ضد الشعب اليمني؛ وهو ما ترجمه أَيْـضاً بشكلٍ عملي التعنُّتُ المستفزُّ إزاء مِلَفِّ الرواتب وإيرادات النفط والغاز.
ولا يبدو أن هذا الموقف قابل للتغير بمرور المزيد من الوقت، إذ أكّـد نائب وزير الخارجية في تصريحاته الأخيرة أن “تحالف العدوان لم يغادر حتى اللحظة مربع الكلام حول السلام”، الأمر الذي يعني أنه ما زال يحتفظ حتى بمؤشرات إثبات حسن النوايا كأوراق للمساومة والمماطلة؛ لإطالة أَمَدِ حالة اللا حرب واللا سلام إلى أقصى حَــدٍّ ممكن.
السيطرة الأمريكية على القرار السعوديّ تفسر هذا الإحجام المتعمد عن إبداء أي مؤشر حقيقي -ولو كان أولياً- على الرغبة في السلام، لكن لا يبدو أن الرياض تحاول أن تفعل أي شيء حيال ذلك، بل يبدو أنها مقتنعة بأن الموقف الأمريكي يؤمن مصلحتها أكثر مما يفعل السلام الفعلي في اليمن؛ وهذا ما يقوله بوضوح إصرار السعوديّة على المضي في كُـلّ مسارات العمل العدائي التي تقودها أمريكا ضد الشعب اليمني بما في ذلك مسار التآمر على وحدة الأراضي اليمنية.
وفي ظل استحالة الفصل بين الإرادَة السعوديّة والإرادَة الأمريكية، فَــإنَّ استمرار المماطلة إزاء مطالب الشعب اليمني والتركيز على إطالة أمد التهدئة كهدف رئيسي، على حساب الدفع نحو الحلول، يعتبر رفضاً واضحًا للسلام؛ وهو ما يفسِّرُ تصاعد التحذيرات ذات الطابع العسكري.
الحربُ هي البديلُ الوحيدُ عن السلام الفعلي:
وبناءً على ثبوت حقيقة إصرار تحالف العدوان على تجنب خيار السلام، فَــإنَّ التحذيرات الأخيرة التي تضمنت تلويح الرئيس المشاط باستهداف التواجد الأجنبي في الجزر اليمنية، تأتي في سياق التأكيد على أن البديل الوحيد لمسار السلام العادل هو الحرب، بغض النظر عن سقف صبر صنعاء على مماطلة تحالف العدوان ومراوغاته.
هذا التأكيد الذي عززته أَيْـضاً التصريحات الأخيرة لنائب وزير الخارجية حول احتمالية الاضطرار إلى “خيارات أُخرى” في حال استمرار المماطلة، يضع تحالفَ العدوان أمام حتمية فشل أية محاولة لتكريس واقع اللا حرب واللا سلام كأمر واقع، أَو كبديل عن عودة التصعيد؛ إذ يبدو بوضوح أن دول العدوان ورعاتها تسعى خلال تجنبها لمتطلبات السلام الفعلي إلى التلاعب بالمشهد تفاوضيًّا وإعلاميًّا، من خلال محاولة فرض مسارات ما بين حالتَي السلام والحرب، كالمقترحات المخادعة لمواصلة نهب الثروات الوطنية، ومحاولة تضليل الرأي العام حول طبيعة التهدئة الجارية ومستقبلها.
وبما أن الفترة الماضية قد أثبتت أن مرور المزيد من الوقت لا يغير من سوء تقديرات تحالف العدوان، فَــإنَّ التحذيرات الأخيرة تحمل رسالة واضحة بأنه عند نقطة معينة سيصطدم عمليًّا بالبديل الآخر لخيار السلام، على أن محاولة تدارك الموقف وقتها قد لا تكون متاحة بقدر ما هي الآن.