المحافظاتُ اليمنية المحتلّة.. لا أمانَ في ظل الغزاة
المسيرة- محمد الكامل
فقدت المحافظاتُ اليمنية الواقعةُ تحت سيطرة الاحتلال الإماراتي السعوديّة بُوصلةَ “الأمان”، وباتت تحتَ رحمة الاختطافات، والعنف، والانفجارات المتتالية التي لا تهدأ.
الواقعُ الذي يصفه الكثير من أبناء هذه المحافظات “بالجحيم” بات يؤرق الكثير منهم، وباتت حياة المواطنين والمسؤولين والمسافرين في خطر كبير يتربص بها الموت في كُـلّ وقت وحين؛ بل وصل الأمر إلى استهداف البعثات الأممية التي تتولى مهمة العمل الإنساني لهذه المناطق.
قُتل “مؤيد حميدي” وهو أردني الجنسية، وضجت وسائلُ الإعلام بالحديث عنه؛ لأَنَّه يعمل مدير فرع لبرنامج الأغذية العالمي، وجاءت هذه الحادثة لتسلِّطَ الضوء مجدّدًا على الواقع الأمني في المحافظات اليمنية المحتلّة، وهو واقع مأزوم نتيجة التدهور الأمني المتسارع.
في محافظة تعز الواقعة تحت الاحتلال، ليس “مؤيد حميدي” هو الاستثناء الذي دفع حياته؛ جراء هذا العبث الأمني؛ ففي كُـلّ يوم حكايات وجع وألم لمواطنين يتعرضون للقتل بدم بارد من قبل عصابات إجرامية أصبحت ظاهرة معروفة في تعز، وتحولت إلى آلات رعب ضد المدنيين الأبرياء.
وتتعدد الجرائمُ المنتشرةُ في المحافظات المحتلّة ما بين قتل واختطافات، واغتصاب لنساء وأطفال، والإخفاء القسري، إضافة إلى السطو المسلح، وانتشار عصابات لنهب البيوت، والمحلات التجارية والمواطنين، وإنشاء السجون السرية للاحتلال لتعذيب أبناء الجنوب بأبشع وسائل التعذيب الأمريكية.
خفايا تظهَرُ للعلن:
وفي تقريرٍ حديثٍ أعدَّه “المركَزُ الإعلامي للمحافظات الجنوبية” يكشفُ التقريرُ عن ارتفاع معدل الجريمة المنظمة في المحافظات المحتلّة إلى أعلى المستويات خلال الفترة من أبريل -يوليو من العام الجاري، حَيثُ تصاعدت حالة الفوضى الأمنية في المحافظات الجنوبية المحتلّة إلى درجةٍ عكست الفوضى التي سببتها القوى العدوانية السعوديّة والإماراتية والقوات الموالية لها في هذه المحافظات، كما تصاعدت حوادث الطرق العامة والسطو والقتل ومداهمات المنازل والمتاجر وخطف المواطنين والاشتباكات بين القوات المسلحة وجرائم العصابات في الشوارع والمناطق المأهولة والاعتداء البري ومنع السفر واستخدام القوة لتفريق الاحتجاجات المشروعة وغيرها من الجرائم.
ورصد التقرير ألفين و951 جريمة ارتكبت خلال الأشهر الثلاثة الماضية بمعدل يومي 32 جريمة مقارنة بنحو ألف و400 جريمة رصدت خلال الربع الأول من العام الجاري، مرجعاً سببَ ذلك إلى تصادم المصالح والأجندات السعوديّة والإماراتية في المحافظات المحتلّة.
التقرير أَيْـضاً أشار إلى أنه ونتيجة لغياب الدولة وتعدد المليشيات وانقطاع خطوط الإمدَاد العامة في الطرقات الرابطة بين المحافظات الشمالية والجنوبية، ارتفعت جرائم الابتزاز بقوة السلاح إلى 401 جريمة منها 278 جريمة طالت تجارًا ورجال مال وأعمال ومصانع ومحالًّا تجارية وشركات استثمارية بعدد من المدن الجنوبية، في مقدمتها عدن.
وسجّل المركَزُ 123 جريمة ابتزاز ونهب ارتكبتها عصابات إجرامية بحق المارة والمسافرين في طرقات طور الباحة والمضاربة، ونتج عنها مقتل عدد من المواطنين الأبرياء والتسبب بحوادث مرورية نتيجة إطلاق النار المباشر التي يتعرض لها سائقو النقل الثقيل من قبل تلك العصابات التي انتشرت بكثافة في طرقات لحج –تعز.
ووفقاً للتقرير، تم رصد 124 حالة اشتباك مسلح بين المليشيات التابعة للعدوان والاحتلال استخدمت فيها الأسلحة الخفيفة والمتوسطة وأدت إلى مقتل وإصابة أكثر من 131 شخصاً، بالإضافة إلى سبع جرائم اغتصاب ارتكبت في عدن وشبوة وأبين والساحل الغربي.
وقال المركَزُ: “رغم تكتم المكونات المشاركة فيما يسمى “بمجلس القيادة الرئاسي” العميل لدول العدوان، على الصراعات الداخلية في أوساط المليشيات التي يمثلها، إلا أن ارتفاع معدل المواجهات العسكرية بين تلك المليشيات تؤكّـد فشل تحالف العدوان في إحداث توافق بين المليشيات الموالية”، مُشيراً إلى أنه “لوحظ تصاعُدٌ مضطردٌ للمواجهات المسلحة التي اندلعت بين تلك المليشيات المتصارعة بشكل كبير في محافظة شبوة خلال الربع الثاني من العام الجاري، والتي تأتي تواصلاً لصراع النفوذ المحتدم بين الرياض وأبو ظبي حول السيطرة على المحافظة النفطية والمساعي الأمريكية للسيطرة على الغاز المسال فيها”.
وتوقَّع المركَزُ أن تتصاعدَ مظاهرُ الانفلات الأمني في وادي حضرموت خلال الفترة القادمة، في ظل استمرار صراع النفوذ السعوديّ الإماراتي على المناطق النفطية، مبينًا أنه تم رصد 123 جريمة حرابة قامت بها عصابات إجرامية في طرقات محافظات لحج وأبين وشبوة وحضرموت، مُشيراً إلى أن منطقتَي طور الباحة والمضاربة في لحج ارتُكبت فيها 86 جريمة أَدَّت إلى مقتل عدد من المواطنين المارة ونهب ممتلكات العشرات منهم، مؤكّـداً أن ما يحدث من جرائم في طريق طور الباحة والمضاربة يأتي نتيجةً لصراع جيوسياسي خفي بين دول الغزو والاحتلال ذات علاقة بأجندات دول الاحتلال في باب المندب.
ولفت التقرير إلى أن تعدد المليشيات وغياب الدولة في المحافظات الجنوبية المحتلّة عرّض عدداً من الشركات الإنتاجية والخدمية التابعة للقطاع الخاص للابتزاز؛ ما تَسَبَّبَ في توقف مشاريعَ استثمارية وخدمية وضاعف معاناة المواطنين جراء التدهور الحاد في الخدمات العامة.
غيابُ الدولة:
وتأتي هذه الفوضى الأمنية التي تشهدها المحافظات الجنوبية المحتلّة؛ جراء غياب أبسط المعايير المطلوبة لتواجد سلطات الدولة، وفي ظل حضور واسع للمليشيات المتناحرة متعددة الولاءات، بالإضافة إلى عناصر تنظيمَي القاعدة وداعش، إحدى أدوات تحالف العدوان الأمريكي السعوديّ على اليمن.
ويعكس الانفلات الأمني الذي تعيشه المحافظات الجنوبية المحتلّة واقع الصراع المحتدم بين الأدوات الموالية لقوى الغزو والاحتلال، والذي أصبح كابوساً مزعجاً بالنسبة للمواطنين في تلك المناطق، وأدى إلى انتشار حالة الرعب والخوف في أوساطهم، حَيثُ يرجع مراقبون أسبابَ ومخاطرَ ذلك إلى وجود خلافات سياسية وعسكرية داخل الكيانات والفصائل التابعة لدول تحالف العدوان الأمريكي السعوديّ الإماراتي.
وفي هذا السياق، يقول المتحدث باسم الأحزاب المناهضة للعدوان الدكتور عارف العامري: “إن ما يحدث الآن في المحافظات الجنوبية والشرقية وخَاصَّة محافظة عدن وتعز من تنامي لعمليات الاغتيالات وتصفية الحسابات إنما يأتي ضمن الأجندة التي خططت لها أنظمة تحالف العدوان خَاصَّة النظام السعوديّ والعدوّ الإماراتي”.
ويضيف في تصريح خاص لصحيفة “المسيرة” أنه “بدأت صراع الأجندات وصراع خفي لتصفية الخصوم، فمع تعدد الأجندات هناك تعدد فصائل بدأت تصفي حساباتها فيما بينها”.
من جانبه يقول محافظ عدن طارق مصطفى سلام: “إن الانفلات الأمني في المناطق المحتلّة يأتي في سياق الأهداف الرئيسية لسيناريو العدوان والاحتلال وهي تغييب الأمن والاستقرار ونشر الفوضى العارمة لصالح مشهد استحضار الإرهاب”.
ويؤكّـد في تصريح خاص لصحيفة “المسيرة” أن كُـلّ هذه المخطّطات توظف؛ مِن أجلِ تقسيم اليمن واستنزاف كُـلّ موارده بما يسهل الهيمنة عليه ونهب ثرواته، موضحًا أن ما نشهده اليوم من غياب الأمن والاستقرار واستحضار جرائم الإرهاب وآخرها اغتيال المسؤول الأممي في الحجرية أَو التربة بمحافظة تعز يأتي في هذا السياق، سياق العمل الممنهج لسلطات الاحتلال الإماراتية، بحيث تعطي مبرّراً لديمومة هذا الاحتلال وتعطي مبرّراً للتدخل الخارجي تحت لافتة محاربة الإرهاب.
ويضيف: وهذا ما نشهده اليوم من تناغم بين جريمة قتل المسؤول الأممي في تعز وحضور الأمريكي إلى عدن لأكثر من خمسة أَيَّـام تحت مبرّر الإعداد لخطة مكافحة الإرهاب في المحافظات المحتلّة”، مؤكّـداً أن الإرهاب هو صناعة الاحتلال، فأينما وجدت الإرهاب تجد أمريكا؛ فهي الأب الروحي لهذا الإرهاب في مختلف أرجاء المعمورة، ولذلك نقول إن خطورة الانفلات الأمني هو خطورة على استقرار اليمن وعلى وحدة اليمن؛ لأَنَّه يوظف هذا الانفلات الأمني؛ مِن أجلِ تمرير مخطّطات العدوّ في تقسيم اليمن وشرذمته وإثارة كُـلّ الفتن المناطقية والجهوية والمذهبية حين يتم اغتيال أبناء المحافظات الشمالية في المحافظات الجنوبية، وعندما يتم اغتيال كُـلّ رموز المجتمع وقيادات المجتمع في الجانب الديني والمدني والعسكري.
ويزيد بالقول: “إلى جانب اغتيال شخصيات أممية تعمل في السياق الإنساني، كُـلّ هذه الجرائم تديرها عن بعد سلطات الاحتلال الإماراتي السعوديّ وأجهزة مخابراتها”، لافتاً إلى أن من أهم مهام حكومة الإنقاذ هو نشر الوعي عبر وسائل الإعلام ومواجهة هذه المخطّطات وما يحدث جراء الانفلات الأمني، بالإضافة إلى تسليط الأضواء على جرائم الاحتلال، ومن ضمنها عملية الإرهاب المتجسِّدة اليوم في الاغتيالات لليمنيين والاغتيالات للشخصيات الأجنبية في اليمن.
تكرارُ سيناريو سوريا:
ومع توتر المشهد الأمني بات أبناء المحافظات الجنوبية يعيشون وضعاً صعباً وتسبب ذلك في نزوح الآلاف منهم، خُصُوصاً مع تردي الوضع المعيشي، وانعدام الخدمات في هذه المحافظات؛ ما ولَّدَ حالةً من عدم الرضا من خلال الخروج في احتجاجات شعبيّة، كما تسبب مشهد الانفلات أَيْـضاً بمغادرة بعض البعثات الدبلوماسية والمنظمات الدولية.
حالة الانفلات الأمني الذي تشهده هذه المحافظات لم تتوقف عند حدود الاغتيالات والتصفيات السياسية، بل تجاوزتها إلى تصاعد وتيرة ظاهرة جرائم القتل والنهب والاختطافات والتفجيرات الإرهابية والمواجهات المسلحة بين الفصائل في ظل فشل حكومة المرتزِقة في ضبط هذا الانفلات الذي تسبب في سقوط المئات من الضحايا.
الأوساط السياسية تتهم الاحتلال السعوديّ الإماراتي بالضلوع خلف هذه الممارسات؛ وذلك؛ مِن أجلِ خلق حالة من الفوضى الأمنية وَاللاستقرار؛ الأمر الذي يساعدُه على بسطِ المزيد من نفوذه وأطماعه في هذه المحافظات، وَأَيْـضاً خدمة لأجندات الدول الكبرى، وبالتالي الانفلات والفوضى الأمنية في المحافظات الجنوبية والشرقية هي الصورة الأبرز التي جلبها تحالف العدوان منذ سيطرته على هذه المحافظات؛ وهي أَيْـضاً بعض من أهداف يسعى من خلالها إلى تعزيز وجوده في هذه المحافظات خدمة لمشروعه.
وفي هذا الصدد، يقول نائب وزير الإعلام، فهمي اليوسفي: “إن هذا الحدث جعلني أغوصُ في التفكير عن هذه الجريمة لأستحضر ما كان يروجه إعلام العدوان خلال الأسابيع المنصرمة عن محافظة تعز، وكأنه كان يعد ويحضر بترويجه عن حصار تعز للشروع في ارتكاب الجريمة”.
ويضيف في تصريح خاص لصحيفة “المسيرة”: “الجميع يتذكر أن إعلام العدوان ملت منه مسامعي وهو يوجه الاتّهامات لصنعاء بأنها تستعد للتصعيد في محافظة تعز وأن العرض العسكري في محافظة إب الغرض منه التصعيد في تعز، وجاء هذا الكلام حتى على لسان المرتزِق العليمي وكذا طارق عفاش ونبيل شمسان، وَعبدالكريم شيبان”.
ويلفت إلى أن تراجع قوى العدوان عن تنفيذ الاتّفاق مع صنعاء لفتح طرقات في تعز للتخفيف من متاعب أبناء المحافظة وبرز التراجع من خلال مواقف وتصريحات عبدالكريم شيبان.
ويؤكّـد أن ما ينبغي إدراكه أن قوى العدوان ومن خلفها الرباعية تحرص على استكمال سيطرتها على المديريات الخاضعة لسلطات صنعاء، كما أن القوى الغربية مع دول الرباعية تسعى للاستمرار في بناء قواعد عسكرية بهذه المحافظة، ونقل وحدات عسكرية إلى منطقة التربة وما جاورها بحكم أنها مطلة على باب المندب؛ وذلك لحماية تواجد أساطيلها في المياه السيادية لليمن، وتحديداً من الخوخة إلى باب المندب تجلى من خلال التحَرّكات العسكرية لطارق عفاش واتصال العليمي بنبيل شمسان قبل مقتل مؤيد حميدي.
ويشير إلى أن كُـلّ هذه المؤشرات توحي بأن تحالف العدوان الناتو يعدون لتصعيد جديد في هذه المحافظة، وتأسيس معسكرات الرباعية في التربة وما جاورها؛ باعتبَار ذلك المدخل لتسليم باب المندب لإسرائيل وبمباركة أُورُوبية، موضحًا أنه من أجل ذلك يستدعي الأمرُ نَسْجَ مسرحية واهية باغتيال وقتل الموظف الأممي من قبل قوى العدوان لضمان صدور قرار أممي يصبح مبرّراً لدخول قوات غربية وعربية لعمق هذه المحافظة، وبالذات من دول العدوان، فَــإنَّنا لا نستبعد بهذه الحالة أن قوى العدوان من الداخل بالتعاون والتنسيق مع دول العدوان والناتو اشتركوا بهندسة هذه الجريمة تخطيطاً وتنفيذاً توجت باغتيال هذا الموظف الأممي “مؤيد حميدي”؛ لتكون مبرّراً لدخول قوات الرباعية لمنطقة التربة بمحافظة تعز بحيث تتخذ الهيئة الأممية قراراً بدخول قوات أجنبية لنفس المنطقة (التربة وما جاورها) تحت عنوان قوات حفظ السلام.
ويزيد بالقول: “إنه تكرار لنفس تجربة إدلب بسوريا، وهذه الجريمة هي بوابة المسرحية، وما تمت الإشارة إليه سلفاً تمثل معطيات لارتكاب الجريمة، وتصويب معطيات الجريمة؛ أي أن هذه الجريمة توحي بأن قوى العدوان لديها مشروع لعزل تعز عن بقية المحافظات وتسليمها للقوى الدولية تحت اسم قوات حفظ السلام، وتلميحات رئيس الأمم المتحدة توحي بذلك”.