عودةُ “الذئاب المنفردة”.. عمليةٌ بطوليةٌ تخلف ضحايا من المستوطنين وتربكُ حساباتِ العدوّ الصهيوني
المسيرة | خاص
تسارعت في الآونة الأخيرة التوقعات الصهيونية بموجة تصعيد جديدة في الأراضي الفلسطينية المحتلّة جاءت نتيجة تصعيد حكومة الاحتلال الفاشية جرائمها بحق القدس الشريف والانتهاكات المتكرّرة للمستوطنين الصهاينة على المسجد الأقصى المبارك، لكن ما لم يكن في الحُسبان هو أن تبلغ تلك الموجة إحدى ذرواتها سريعاً، وفي الداخل المحتلّ، وبعملية غير مسبوقة منذ سنة تقريبًا بعد عملية بير السبع البطولية، خُصُوصاً لناحية النتيجة التي انتهت إليها.
ولعل أكثر ما يثير قلق الكيان اليوم هو أن تشكل هذه العملية حافزاً لمحاكاتها، في وقت لا تبدو فيه الخيارات كثيرة أمام حكومة العدوّ التي تعاني أصلاً من تآكل داخلي وتفكك وشيك، خُصُوصاً في مواجهة نموذج “الذئب المفرد” الذي لا يفتأ يتوسع.
مجدّدًا، باغت “الذئب المنفرد” منظومة أمن العدوّ الصهيوني، وضرب ضربته الخاطفة، على رغم التحذيرات الصهيونية المتتالية أخيراً من وجود مؤشّرات إلى موجة عمليات أفرزتها التداعيات الأخيرة والناجمة عن التوغل الصهيوني في جنين ومناطق أُخرى بالضفة المحتلّة، والانتهاكات والاقتحامات المدنسة للمسجد الأقصى المبارك.
وبخلاف كُـلّ التوقعات، وبخَاصَّة الصهيونية منها، وقعت العملية هذه المرة قرب مستوطنة معاليه أدوميم شرق القدس المحتلّة، وأدّت حتى لحظة كتابة هذا التقرير إلى إصابة 6 مستوطنين صهاينة اثنين منهم جراحهم خطيرة إن لم يكونا قد ماتا، الأمر الذي مثل صفعة قوية وغير مسبوقة.
وفي التفاصيل، توضح رواية شرطة الاحتلال أن منفذ إطلاق النار داخل مستوطنة “معاليه أدوميم” كان يرتدي زي حارس أمن، وأنهُ استخدم بندقية M16، وسارعت “نجمة داوود الحمراء”، بالإعلان عن عدد الإصابات في عملية إطلاق النار قرب مستوطنة معاليه أدوميم ارتفع إلى 6، جراح اثنين منهم خطيرة و4 متوسطة وطفيفة.
في حين، قالت صحيفة “معاريف” في تحقيق أولي: “إن منفذ العملية من عمال النظافة في مستوطنة معاليه أدوميم، وركض باتّجاه المركز التجاري في المستوطنة وقام بإطلاق النار صوب المستوطنين في المكان، وتم تحييده من قبل حارس أمن”.
وبيّنت الصحيفة، أن “نتنياهو” يتلقى تحديثات منتظمة حول الهجوم في معاليه أدوميم، علماً أن العملية وقعت بالتزامن مع عقده جلسة تقييم أمنية برفقة “غالانت” في مقر الجيش “الإسرائيلي” بالضفة المحتلّة، ولفتت إلى أن “بن غفير” قاطع زيارة لقاعدة لقوات “حرس الحدود” وتوجّـه لمكان العملية.
هذه الحادثة المعقدة ستشكل صفعة قاسية ونادرة لأمن العدوّ، لاعتبارات مختلفة، أبرزها سلاح وملابسات العملية، فهذه ليست المرة الأولى تاريخيًّا التي يتمكّن فيها فلسطيني لوحده من اختراق المنظومة الأمنية بسلاحه الشخصي ومتنكر بزي أمني، ويقوم بإطلاق النار من مسافات متعددة، بخلاف الرواية “الإسرائيلية”.
الفلسطيني أَو “الذئب المنفرد” مزارعة بعد أن نفذ العملية عصر الثلاثاء، تزامن مع ذلك، تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع الفيديو التي سجلت أحداث العملية إلى جانب صور للبطل، والذي أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية في تصريح صحفي، استشهاد الشاب مهند محمد سليمان المزارعة (20 عاماً) برصاص الاحتلال الصهيوني شرق القدس”.
هذه العملية قوبلت بارتياح شديد من قبل فصائل المقاومة، حَيثُ علق الناطق باسم حركة “حماس” حازم قاسم، مساء الثلاثاء، عليها بالقول: إن “المقاومة الباسلة تضرب من جديد في القدس، رداً على الحرب الدينية التهويدية على مقدساتنا وعلى المسجد الأقصى المبارك”، وشدّد على أن “هذه العمليات تطبيق فعلي لما نعلنه من أن المسجد الأقصى خط أحمر”، مؤكّـداً أن “تصعيد العدوان عليه سيواجه بمزيد من الفعل الفدائي من شعبنا ومقاومته”.
بدورها، أكّـدت حركة الجهاد الإسلامي، أن الشعب الفلسطيني يثبت من جديد أن إرادته أقوى من كُـلّ المؤامرات التي تستهدف إشغاله عن مواجهة العدوّ والتصدي له، وقال الناطـق باسـم الحركـة طارق سلمي: “إن فارس من أبطال شعبنا المقاوم خرج مصوباً سلاحه ورصاصه نحو صدر العدوّ الصهيوني الذي يمعن في جرائمه واعتداءاته بحق شعبنا وأرضنا ومقدساتنا”.
وأشادت الحركة بالعملية الفدائية البطولية التي نفذها مقاوم فلسطيني بطل في مستوطنة “معاليه أدوميم” المقامة على أرضنا المحتلّة شرق القدس، وشدّدت على أن هذه العملية هي رد طبيعي على العدوان واقتحام المسجد الأقصى المبارك”.
إلى ذلك، قالت الجبهة الشعبيّة: إن “عملية “معاليه أدوميم” التعبير الأصدق عن وعي الشعب الفلسطيني بحقيقة الصراع مع العدوّ؛ وهذا ما جسدّه الفدائي مهند المزارعة بكل بطولة وجسارة، ونؤكّـد أن الوحدة والمقاومة بكل أشكالها وفي مقدمتها الكفاح المسلح هي الأدَاة المثلى لمواجهة العدو”.
كما وصفتها الجبهة الديمقراطية: “عملية معاليه أدوميم تأتي رداً على جرائم الاحتلال وإرهابه المنظم، وضربة لكل الإجراءات والحواجز الأمنية الإسرائيلية”.
نجح الشهيد المزارعة في تنفيذ الهجوم من دون أي إنذار مسبق، والسبب في ذلك، يكمن في الاختلاف بين بنية تحتية لتنظيم، ومنفذ عملية بمفرده، إذ إن البنية التحتية قادرة على إحداث هجمات أكثر فتكًا، لكنها أكثر عرضة للإحباط؛ بسَببِ تعدّد عناصرها، وَمن ناحية أُخرى، يكون منفذُ العملية الوحيدُ هدفاً يصعب إحباطه إذَا لم يترك وراءه أية علامات إرشادية (مادّية أَو تكنولوجية)، ولكن يمكنه التسبب فقط في ضرر محدود، والقادم أعظم.